أمير الكويت يوبخ مجلس الأمة والحكومة.. ويعتبر «الأمور تجاوزت الحدود والثوابت»

الخرافي: على الحكومة أن لا تجزع من الرقابة البرلمانية > المحمد: التعاون بين السلطتين يتطلب المحافظة على الجوهر الدستوري

أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح خلال افتتاحه
TT

في واحد من أكثر المواقف شدة، حيال الأحداث الداخلية والسجالات السياسية بين البرلمان والحكومة التي شهدتها الكويت مؤخرا، وجّه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمس توبيخا شديدا لمجلس الأمة والحكومة، قائلا إن الممارسات والظواهر الغريبة التي ظهرت مؤخرا تجاوزت كل الحدود ومست الثوابت الوطنية. وأكد لدى افتتاحه الدورة البرلمانية الجديدة أن «العصبيات القبلية والطائفية والفئوية البغيضة» باتت تقود التوجهات السياسية، معبرا عن ألمه الشديد «لأن الكويت تعاني من أجواء التوتر والتأزم السياسي والنزاع المستمر بين مجلس الأمة والحكومة كأنهما خصمان لدودان وليسا أخوين شقيقين وذراعين لجسد واحد». ودعا أمير الكويت أعضاء مجلس الأمة والحكومة إلى إنهاء خلافاتهم الحادة والتوجه نحو تنمية البلاد. وأضاف: «علينا متابعة الأحداث الخطيرة التي تجري حولنا»، في إشارة إلى المظاهرات التي تجتاح بلدانا عربية.

وانتقد الشيخ صباح المعارضة للجوئها إلى الشارع وتوجيهها اتهامات خطيرة إلى نواب ومسؤولين. وندد بـ«التشكيك دون دليل وبرهان بتهم الرشوة والفساد والخيانة والعمالة»، في إشارة إلى اتهامات المعارضة لبعض النواب الموالين للحكومة بأنهم تلقوا رشى في ما يعرف في الكويت بفضيحة «الإيداعات المليونية».

وتشهد الكويت أزمات متلاحقة بين حكومة رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد والمعارضة التي تطالب بإقالته.

وقدم الشيخ صباح التعازي والمواساة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وإلى الشعب السعودي في وفاة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز.

وحملت كلمة الأمير الصباح أمس في افتتاح الدور الرابع للفصل التشريعي الثالث عشر لمجلس الأمة، انتقادات شديدة اللهجة لكل من البرلمان (مجلس الأمة) والحكومة الكويتية، معتبرا أن «الممارسات والظواهر الغريبة التي يتعرض لها المجتمع الكويتي مؤخرا قد تجاوزت كل الحدود ومست ثوابتنا الوطنية، حيث غدت العصبيات القبلية والطائفية والفئوية البغيضة تقود التوجهات السياسية، وأصبح العزف على أوتارها جسرا سريعا لتحقيق المكاسب الضيقة على حساب مصلحة الوطن والمواطنين».

كما عبر الأمير الكويتي عن أسفه لرؤية «من يسعى جاهدا لأن تكون مؤسساتنا التعليمية والاجتماعية والرياضية مرتعا لهذه العصبيات وتغذية الشباب بهذه المفاهيم المدمرة، وهم من نعول عليهم في بناء كويت الحاضر والمستقبل». وقال الصباح موجها كلامه إلى رئيس مجلس الأمة وأعضائه: «يؤلمني كثيرا ما يعيشه، بل ما يعانيه وطننا الحبيب من أجواء التوتر والتأزيم السياسي والنزاع المستمر بين مجلس الأمة والحكومة، كأنهما خصمان لدودان وليسا أخوين شقيقين وذراعين لجسد واحد». وأشار إلى «انحدار لغة الخطاب السياسي والتراشق والتشكيك بغير دليل أو برهان بتهم الرشوة والفساد والخيانة والعمالة، إلى آخر هذه الألفاظ المقيتة التي كانت الكويت حتى وقت قريب بمأمن منها وبمعزل عنها»، معتبرا أن ما شهده مجلس الأمة من الممارسات والمساجلات والعبارات «يخرج عن إطار الدستور ويسيء إلى مكانة هذا المنبر ويبتعد عن دوره وغاياته الوطنية السامية»، متسائلا: «كيف لمن يؤمن بالدستور والقانون ويستطيع طرح كل ما يعن له تحت هذه القبة بضماناتها وأدواتها الدستورية المعروفة أن يتجاوز هذه المؤسسة ويتنادى لعقد التجمعات في الشوارع والساحات وافتعال الشحن والإثارة بما يعود بالضرر والخسارة على الجميع؟ وهل يقبل أن يكون الالتزام بالمبادئ محصورا في الأقوال بينما تكون المصالح والأهواء قرينة الأفعال؟».

وأكد أمير الكويت أن «انشغال البعض بالهدم بدلا من البناء وبالهجوم الشخصي بدلا من التعاون من أجل الكويت، متناسين وجباتهم الأساسية، يدفعني ويدفعكم إلى التساؤل: أين صوت العقل والحكمة؟.. هل هذا سبيل البناء والتقدم والتنمية أم سبيل الهدم والدمار والتخلف؟». وشدد الأمير على ضرورة «نبذ خلافاتنا والالتفات نحو مشاريع البنى التحتية وتحسين الخدمات العامة.. والارتقاء بمستوى معيشة المواطنين.. وتحقيق فرص العمل التي تمكن الشباب من المساهمة في بناء بلدهم».

وحذر الشيخ صباح بأن الكويت لن تقبل بأي حال من الأحوال من يطال المصلحة الوطنية بسوء، «ولن نقبل بأي مكابرة أو مزايدات في هذا الشأن، فقد تجاوزت الأحوال كل الحدود وتخطت ترف الجدل العقيم، وليس أمامنا غير العمل والعمل الدؤوب لحماية أمن الكويت وبنائها واستعادة مكانتها اللائقة وتحقيق طموحات المواطنين»، لافتا إلى أن الأمر الذي يشغل تفكيره هو «أبناؤنا الشباب.. يعلم الجميع أن حجم وسرعة التغيرات التي أصابت مجتمعنا والعالم أجمع أكبر بكثير من طاقتنا في استيعابها والتعامل مع آثارها، وأن الشباب هم الأكثر والأسرع تأثرا بهذه التغيرات، وهم طاقة فعالة لا ينبغي أن تترك عرضة للاستقطاب وسوء التوجيه، الأمر الذي يتطلب واقعية النظرة تجاههم وحسن التفاهم والتواصل معهم»، موضحا أن كلامه ليس مقصورا على السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل «الجميع.. مؤسسات وأفرادا».

من جهته أكد رئيس مجلس الأمة الكويتي جاسم الخرافي على ضرورة أن يحرص الجميع على تكريس الحوار الديمقراطي الراقي والبعد عما يسيء للآخرين بما من شأنه أن يخلق شرخا في العلاقات الاجتماعية ويهدد ما حرص عليه المجتمع الكويتي من روح الود والتآخي والتماسك. وأضاف أن هذا هو الغرض من النظام الديمقراطي حتى لا يتحول الاختلاف في الرأي النيابي إلى خلاف في الرأي العام وينعكس سلبا على الوحدة الوطنية، لافتا إلى أن البلاد تواجه تحديات مهمة وإشكاليات صعبة، «ونحن بحاجة ماسة إلى إصلاح ينتشلنا من أوضاع الحاضر ويضع حدا لقلقنا على المستقبل». وأبان أن تحقيق أهداف التنمية وبناء ديمقراطية حقيقية ومحاربة الفساد لا يكون بجلد الذات أو بالفرقة والخلاف أو التهديد والوعيد أو الخروج على القانون والمؤسسات الدستورية.

وقال الخرافي: «إذا كان على السلطة التشريعية تطوير وتحسين أدائها والحرص على الاستخدام الرشيد للرقابة والتشريع وتحويل المساءلة السياسية إلى أداة إصلاح لا تهديد، وتعزيز النظام الدستوري والمؤسسي، فإن على الحكومة أن لا تجزع من تفعيل أدوات الرقابة البرلمانية، وعليها أن تكون مقنعة في أدائها من خلال برنامج عمل يرقى إلى مستوى التحديات، وعليها العمل الدؤوب على تطوير أداء مؤسساتها وأجهزتها في تنفيذ خطة التنمية واستكمال البنية التشريعية اللازمة لتحقيق أهدافها والاستجابة»، داعيا إلى «النأي عن إقحام التنافس على منصب الرئاسة في صراعات أو أجندات خاصة تلحق ضررا بعملنا وتعطل إنجازاتنا، فرئاسة المجلس لها موعدها وإجراءاتها الدستورية واللائحية».

من جانبه أكد الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء «رغبة الحكومة الصادقة في التعاون الإيجابي مع مجلس الأمة، معلنا ترحيبها بكل نقد موضوعي بناء يعزز الجهود المشتركة لمزيد من الإنجازات التي تصب في صالح الوطن والمواطنين». وقال الشيخ ناصر المحمد في الخطاب الأميري الذي تلاه أمام مجلس الأمة في افتتاح دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الـ13 إن «التعاون بين السلطتين يتطلب المحافظة على الجوهر الدستوري للرقابة البرلمانية». وأضاف أن «النظام الدستوري للبلاد يقوم على أساس فصل السلطات مع تعاونها بما يمنع التداخل والازدواجية في الممارسة، ويحترم الحدود الدستورية لكل سلطة بلا خلط أو غموض».

وقال: «لا ضرر في أن يكون هناك اختلاف في الرأي وتباين في الاجتهاد ما دام رائده المصلحة الوطنية وما دام الحوار هادفا ومحكوما بإطار الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة والقوانين المرعية»، لافتا إلى أن النجاح المأمول بالتعاون بين السلطتين ليكونا معا على مستوى المسؤولية هو أمر يتطلب الالتزام بثوابت العمل البرلماني بما يحفظ للأدوات الرقابية هيبتها الوظيفية وجوهرها الدستوري.

وأكد احترام الحكومة للحريات العامة وحق الجميع في التعبير وإبداء الرأي في إطار الضوابط التي حددها القانون، والتي تراعي المصلحة الوطنية ولا تضر بالصالح العام، في إشارة على ما يبدو إلى استنكار الحكومة التعسف في استخدام الإضراب والامتناع عن العمل أو التهديد به لتعريض مصالح البلاد والمواطنين للضرر كوسيلة للضغط.

وأضاف: «إن حرص الجميع على حماية المال العام ومكافحة الفساد وعلاج ما تواجهه البلاد من مشكلات وتحديات لا يتحقق إلا بالتعامل الإيجابي وبطرح الحلول الواقعية واقتراح الإجراءات العملية التي تقدم لنا علاجا مدروسا لكل القضايا والمشكلات التي تواجهنا». وأعرب عن ثقته الكبيرة «بالتقاء السلطتين على كلمة سواء تتمثل فيها إرادة التغيير الإيجابي سبيلا لتحقيق الآمال والتطلعات المنشودة لأهل الكويت في كل ميادين الحياة ومجالاتها، ولإعلاء شأن الكويت الغالية وتكريس سلامة النهج الديمقراطي الموروث فكرا وممارسة».