زلزال تركيا.. غضب بين المنكوبين وارتفاع حصيلة الضحايا

ربة بيت داخل مخيم للناجين: نحصل على خبز وماء فقط.. ونعاني البرد طوال الليل

TT

بينما ارتفعت حصيلة ضحايا الزلزال الذي ضرب شرق تركيا، بدأ الغضب يتصاعد بين المنكوبين الذين نجوا، وقد سجل وقوع هزة ارتدادية جديدة أمس. وقال مرصد كنديلي لرصد الزلازل إن الهزة الارتدادية الجديدة بلغت قوتها 5.4 درجة، وهزت إقليم فان في جنوب شرقي تركيا، أمس، بعد يومين من الهزة القوية التي ضربت المنطقة وبلغت قوتها 7.2 درجة.. وتابع المرصد أن مركز الهزة يقع في بلدة ديجرمينوزو بين مدينة فان وبلدة أرجيس التي تضررت بشدة من زلزال الأحد الماضي.

وجاء هذا بينما أعلنت هيئة الحالات الطارئة أن حصيلة ضحايا الزلزال ارتفعت إلى 432 قتيلا و1352 جريحا، وبدأ الغضب يتصاعد بين المنكوبين. ففي مدينة أرجيس التي تضم 75 ألف نسمة والأكثر تضررا من الزلزال، أقيم مخيمان ووُزعت مواد غذائية على السكان الذين لا يجرؤ معظمهم على العودة إلى منازلهم لما لحق بها من أضرار جسيمة، أو خوفا من هزات ارتدادية. لكن الجميع ليسوا متساوين أمام الكارثة. وقالت نبهات جزيسي التي تقيم مع أبنائها الثلاثة وأمها وحماتها في خيمة واحدة أقامها الهلال الأحمر في مخيم وسط ملعب كرة قدم: «هنا كل ما يعطوننا هو خبز وماء». وأضافت ربة العائلة: «ليس لدينا تدفئة ولم نحصل على بطانيات ولا حتى على الأسبرين. نعاني من البرد طول الليل، وليس لدينا سوى ثلاث بطانيات أخذناها من منزلنا». واشتكت نبهات أيضا من عدم توفر مراحيض، ما يحرج النساء عندما يضطررن إلى قضاء حاجاتهن.

وفي مكان ليس ببعيد من هناك، في حي الصالحية، لم تنهَر المنازل المنخفضة لكن تضرر الكثير منها وبات سكانها ينامون في الحدائق. وقال نجدت يلديريم، 30 سنة، العاطل عن العمل الذي يتقاسم خيمة حصل عليها بصعوبة مع جيرانه، إنه «باستثناء شاحنة من الخبز لم يأت شخص لمساعدتنا هنا». وأضاف الشاب: «نحرق صناديق الخضر وإطارات العجلات لنستدفئ، لكن الأطفال في حاجة إلى حليب، وكل المحلات التجارية مغلقة». وقال أحد جيرانه فايق بابات الذي أمضى ليلته في العراء، وهو جالس أمام موقد خشب: «استأصلوا مترين من أمعائي لأنني أصبت بسرطان، ويفترض أن أكون الآن في المستشفى، لكن لم يأت أحد لمساعدتي». وسرعان ما تنطلق الاتهامات. ويقول نجدت: «في المخيم الآخر حيث عائلات العسكر والموظفين في ذلك المخيم الذي يزوره الوزراء ويكثر فيه الصحافيون، هناك وجبات غذائية ساخنة وتدفئة، لكن لا أحد يهتم بنا نحن لأننا أكراد». كذلك تحوم الشبهات حول البلدية التي يرأسها حزب العدالة والتنمية (الحاكم المنبثق عن التيار الإسلامي)، التي يأخذ عليها البعض أنها تفضل مساعدة ناخبيها من العشائر المحافظة في القرى المجاورة، وهي كردية أيضا لكنها لا مطالب لها في هذا الشأن.

وقال شاب غاضب، رافضا كشف هويته، إن «الشرطة تأتي لتضربني لأنني حاولت أخذ بطانية رغم أنني في حاجة إلى تلك البطانية، لكنهم سمحوا لأشخاص بأخذ ستة أو سبعة». ويشير الشاب إلى جرح صغير حديث على ظهر يده اليسرى. وقال رجل مسنّ وهو يشير إلى تجمع على طريق أرجيس الرئيسي: «انظر هناك، كل هؤلاء، إنهم من أناس القرى ينتظرون شاحنات المساعدات لنهبها، بينما لم تحصل خسائر في القرى».

ومن ناحية أخرى أثار الزلزال الذي ضرب محافظة في شرق تركيا تقيم فيها غالبية كردية موجة تضامن في هذه المنطقة المحرومة منذ فترة طويلة، وخفف من حدة التوترات العرقية التي سببها تجدد النزاع الكردي. وحشدت الحكومة التركية إمكاناتها لمساعدة الناجين من الزلزال، بينما يواصل الجيش هجومه ضد المتمردين الأكراد في جنوب البلاد على الحدود مع العراق وفي جبال هذه الدولة المجاورة. ومقارنة مع الزلازل السابقة تم تنظيم المساعدة سريعا، لكن بعض الناجين الأكراد كانوا مستائين. وقال نجدت في أرجيس، المدينة التي ضربها الزلزال، لوكالة الصحافة الفرنسية: «في المخيم الآخر حيث تم إيواء كل عائلات العسكريين والموظفين الرسميين، الذي سيزوره الوزراء، هناك وجبات ساخنة وهناك تدفئة. أما نحن فلا يهتمون بنا لأننا أكراد».

وتوجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على الفور إلى مكان المأساة. ويأتي الزلزال بينما تركز تركيا اهتمامها على المسألة الكردية والهجوم الذي تشنه على حزب العمال الكردستاني والذي أدى إلى مقتل 24 جنديا، مما أدى إلى تأجيج التوترات الإثنية. ومنذ الصيف كثف حزب العمال الكردستاني هجماته بينما ردت الحكومة التركية عبر اعتقال مئات من الناشطين الأكراد.

ويوم الأحد، وبينما كان الزلزال يضرب فان، كان عشرات آلاف الأتراك يتظاهرون في سائر أنحاء البلاد للتنديد بعمليات حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة وعدة عواصم منظمة إرهابية. ولكن المأساة في فان مع ما رافقها من مشاهد بثتها محطات التلفزة ونداءات الاستغاثة من المنكوبين، خففت ولو لفترة قصيرة من حدة الانقسامات الإثنية. وكتبت صحيفة «ملييت» إن هذه الكارثة تعتبر بمثابة دعوة إلى المصالحة. ورأى كاتب الافتتاحية في الصحيفة أنه «آن الأوان في بلادنا للتفكير في تضميد الجراح ووقف دوامة القتل. وعلى الأقل فإن مأساة فان تخدم هذا الأمر».

وفي ما يدل على التهدئة فإنه من المرتقب إرجاء النقاش البرلماني حول النزاع الكردي الذي كان مقررا اليوم الأربعاء، وفي خضم ذلك سحب النواب الأكراد مذكرة لحجب الثقة كانوا قدموها ضد وزير الداخلية. وأشاد زعيم كتلة النواب الأكراد صلاح الدين دميرتاس بالتضامن الذي ظهر حيال فان، قائلا إن «هذه المساعدات فيها بوادر أخوة» بين الأتراك والأكراد. وتكثفت الدعوات إلى تقديم الهبات لشعب يعاني من النزاع الكردي منذ عام 1984.

وقال نرمين بورو، وهو صاحب حضانة في أنقرة أطلقت حملة لدى أهالي الأطفال لجمع الملابس: «نريد مساعدة مواطنينا الذين يعانون وأن نثبت لهم أننا متضامنون معهم». وأرسل عدد من الأتراك مساعدات إلى فان من مدن الغرب.