أسرى فلسطينيون سابقون ينعمون بعيش الفنادق في غزة

يقيمون في «المشتل» الذي بنته شركة إسبانية أملا في السلام.. وتبلغ تكلفة الغرفة فيه 140 دولارا في الليلة

أسرى يجلسون حول بركة السباحة في فندق المشتل بغزة (أ.ف.ب)
TT

قبل أسبوع، كان يحيى إبراهيم دعامسة في إضراب عن الطعام بأحد السجون الإسرائيلية، حيث كان يفترض أن يقضي باقي حياته فيه. ولكن عملية تبادل الأسرى في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري بين إسرائيل وحركة حماس، نقلت الرجل المولود في بيت لحم لمكان لم يكن يحلم به: فندق فخم جديد في غزة.

ويعتبر فندق المشتل، الذي يتكون من ثمانية طوابق وافتتح أواخر يوليو (تموز) الماضي، واحة جميلة تطل على البحر المتوسط ويضم حمامات سباحة، ويقدم شرائح اللحم. وجمال هذا الفندق لافت رغم وقوعه في المنطقة المحاصرة بمبانيها المدمرة جراء القصف الإسرائيلي وتلال القمامة في شوارعها، وكميات كبيرة من مياه الصرف الصحي التي تتدفق يوميا على البحر الأبيض المتوسط.

وبينما كان إبراهيم، الذين أدين بإعداد الأحزمة الناسفة، يجلس في ساحة الفندق المضاءة بشكل خافت في إحدى الأمسيات، وجد مشقة في وصف التغير المفاجئ الذي طرأ على حياته. وقال بينما كان زملاؤه من الأسرى السابقين وأصدقائهم يتسامرون على طاولة بالقرب منهم: «كان شعورا مبهرا لنا جميعا، وبوجودي في هذا الفندق، أضطر دائما إلى أن أتساءل: هل أنا حقا خارج السجن؟».

وتعد عملية تبادل الأسرى نجاحا لحركة حماس، التي ترى أن الاتفاق الذي وصلت إليه مع الحكومة الإسرائيلية إنجاز تاريخي ودليل على النتائج التي حققها عملها المسلح. وتعهد قادتها بالعناية بالأسرى الذي أطلق سراحهم بصورة تعكس اهتمام دولة بعودة أسراها.

وتضمنت الصفقة، إطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليط، 25 عاما، مقابل 1.027 أسيرا فلسطينيا. وكجزء من الاتفاق، أصرت إسرائيل على إرسال أسرى الضفة الغربية والقدس الشرقية «الخطرين» إلى غزة أو خارجها، ويصل عدد هؤلاء 130 من أصل 260 أفرج عنهم إلى القطاع.

وذكر أسرى سابقون أن نحو 60 أسيرا من الـ 130 أسيرا يمكثون في فندق المشتل، إلى حين تجهيز مساكن دائمة لهم.

وقضى إبراهيم، 50 عاما، نحو عشر سنوات تقريبا من حكم بالسجن مدى الحياة. وكان من بين الأسرى الذين أضربوا عن الطعام في الشهور الأخيرة بعد إلغاء إسرائيل امتيازات معينة، من بينها مشاهدة التلفاز، وفرضت حدا على زيارات الأقارب.

وكان إبراهيم متهما بإعداد أحزمة ناسفة استخدمت في هجمات في مدن إسرائيلية، وفقا لتقارير استخباراتية. وذكر إبراهيم أنه لا يرغب في مناقشة الحوادث التي أدت إلى اعتقاله، لكنه قال إنه غير نادم. وأضاف: «ضحينا بجزء من حياتنا، لا لنمكث في فنادق كهذه ولكن لنحرر فلسطين».

وعبر مسؤولون إسرائيليون عن فزعهم بشأن الحياة المترفة التي يحياها الأسرى في غزة. وقال مارك ريغيف، متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية أول من أمس: «أعتقد أن قيام حماس بوصف هؤلاء الأشخاص بالأبطال وقيامها بالاحتفاء بهم بهذه الطريقة وقولها للشباب إن هؤلاء هم النماذج التي تحتذى، ينبئ بالكثير عن قادة حماس، وحركتهم وقيمهم وأجنداتهم».

وفرضت إسرائيل حصارا على غزة التي يعيش بها أكثر من 1.6 مليون شخص، بعد أن تولت حماس السلطة عام 2007. ويرى العديد من الفلسطينيين أن هذا الحصار عقاب أسهم فيه بشكل كبير الغضب الذي ساد إسرائيل نتيجة اختطاف شاليط عام 2006.

وتسعى إسرائيل التي تفرض حصارا على غزة منذ 2007، إلى تنظيم حركة تصدير مواد البناء إليها التي تقول إنها قد تستخدم لبناء ملاجئ للصواريخ، التي أطلق الآلاف منها على إسرائيل من غزة في السنوات الأخيرة. غير أن ريغيف ذكر أن إسرائيل تسمح بمرور مواد البناء من أجل بناء المؤسسات المدنية التي من الممكن أن تبرر تلك الحاجة. كما يتم أيضا تهريب مواد البناء بصورة متكررة من مصر من خلال شبكة واسعة من الأنفاق تعد هي شريان حياة القطاع المحاصر. بدأ بناء ما أصبح في النهاية فندق «المشتل» قبل أكثر من عشرة أعوام، وسط طموحات كبيرة بالوصول إلى تسوية سلمية. واستمر العمل فيه رغم الحصار، وافتتحت شركة فنادق «آركميد» الإسبانية فندق «المشتل» خلال فصل الصيف من العام الحالي، على أمل جذب شخصيات من قطاع الأعمال والعائلات الثرية داخل غزة الراغبة في قضاء عطلة من دون مواجهة قيود السفر الشديدة المفروضة عليهم. وأعطى وصول السجناء للفندق دفعة، رغم أنه أصبح مكانا مفضلا لأعضاء حماس والعائلات الثرية داخل غزة. ويبلغ سعر الغرفة 140 دولارا للفرد الواحد، فيما يصل تكلفة الجناح الفخم أكثر من 800 دولار في الليلة.

ويقول إبراهيم إن إقامته غير المتوقعة في فندق «المشتل» تحتاج إلى بعض التعود. ونصح الأطباء الأسرى السابقين بألا يقبلوا على الطعام بشراهة لأن طعام السجن كان رتيبا وغير حريف وكمياته صغيرة، وعليهم الانتظار بعض الوقت قبل تناول بعض الوجبات. وقال: «أجسامنا لم تعتد على الكثير من الطعام، ولذا سنأكل كميات قليلة حتى تعتاد المعدة ذلك». ويقول الأسير المحرر مصطفى المسلماني، 47 عاما، إنه يشعر أنه في مكان غير مكانه. لدرجة أنه لم يتمكن من النوم على السرير بأغطيته القطنية البيضاء الناعمة. وقال وهو يدخن السجائر الواحدة تلو الأخرى في فناء الفندق بينما كان يسمع تلاطم أمواج البحر عن قرب: «في السجن، تعيش في الزنزانة مع ثمانية أفراد. وأنا هنا لم أنم على السرير، بل أنام على الأرضية، فأنا لم أنس ما جئت منه». وقال المسلماني، الذي سجن منذ أن ألحق بمستوطنين جراحا بليغة عام 2001، إن عقوبته لن تنتهي بالكامل حتى يسمح له بالعودة إلى طوباس، مسقط رأسه في شرق الضفة الغربية، حيث ينتظره ثلاثة أبناء وثلاث بنات. وقال إنه حتى ذلك الحين، سيستمتع بالمناظر من حوله والمأكولات. وأضاف، بينما كان يحتسى قهوة تركية: «لن أغير شيئا».

* خدمة «نيويورك تايمز»