اللاذقية تحت حصار أمني مشدد لمنع انتفاضتها.. وناشطون يتحدثون عن «مجزرة» في مقر الأمن السياسي

عنصر أمن لوالد معتقل: «أعطني 20 ألفا ولا نعرضه للكهرباء لكنني لا أضمن بقية الأساليب»

مظاهرات في حي جوبر بدمشق أمس حسب موقع «أوغاريت» السوري المعارض على الإنترنت
TT

استفاق أهالي مدينة اللاذقية الذين يقطنون في نهاية شارع بغداد وسط البلد منذ أيام، على مشهد عمال نظافة يقومون بمسح وتنظيف صورة كبيرة للرئيس بشار الأسد تنتصب على ارتفاع مبنى نقابة المهندسين في الحي ذاته. الصورة العملاقة تردد بين الناس أن أربعة شبان ملثمين تسللوا بعد منتصف الليل إلى البناء الذي ترتفع على جدرانه الخارجية ورشقوها بالطلاء الأسود، الأمر الذي أثار استياء الأمن السوري الذي فرض طوقا أمنيا على المنطقة.

مثل هذه الحوادث تتكرر بشكل مستمر في المدينة الساحلية التي يقول الناشطون السوريون المعارضون للنظام إن بعض أحيائها «لم تتأخر عن مشهد الانتفاضة السورية ضد حكم بشار الأسد، فخرج سكانها بكثافة في مظاهرات تطالب بالديمقراطية وبرحيل النظام الحاكم. قبل أن يتم قمعهم بعنف وشراسة من قبل قوات الأمن والجيش الموالية للأسد».

يقول أحد الشباب المعارضين، والذي لا يزال يقيم في المدينة، في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «خرجنا منذ بداية الانتفاضة في مظاهرات حضارية هتفنا للحرية والكرامة، لكن شدة القمع وضراوته جعلتنا نرفع السقف ونطالب برحيل الأسد ومحاكمة نظامه المجرم». ويستذكر الشاب بـ«غصة» الاعتصام الذي أقامه أهالي حي الصليبة وجذب إليه الكثير من أبناء المدينة المنتمين إلى شرائح اجتماعية ودينية مختلفة. ويقول: «الاعتصام الذي شاركت فيه، كان مختبرا حقيقيا، حيث شمل جميع أبناء المدينة، لا سيما أبناء الطائفة العلوية الذين يحاول النظام جرهم إلى اتخاذ موقف يدافعون عنه، لكن للأسف عناصر الفرقة الرابعة داهمت الاعتصام وارتكبت مجزرة في مكانه».

هذه التفاصيل التي يتحدث عنها الشاب حصلت منذ أكثر من ثلاثة أشهر حين كانت المدينة تنبض بالمظاهرات والاحتجاجات المناهضة للأسد والمنددة بـ«السلوك الوحشي للأجهزة الأمنية التي لم تترك أسلوبا من أساليب التعذيب إلا واستخدمته». يقول شاب آخر يسكن في حي الأوقاف، حيث يقع مقر الأمن السياسي، إن «صراخ المعتقلين يصل إلى البيوت المجاورة للمقر». ويضيف: «هناك شكوك عند أهالي الحي الذين يقطنون بجوار مبنى الأمن السياسي أنه قد حدثت مجزرة داخل المقر، إذا سمعوا أصوات رشقات نارية ثم أتت سيارات الإطفاء ودخلت المكان، سيارات الإسعاف تأتي عادة لغسل الدماء ومسح آثار المجازر»، على حد قول الشاب.

وكانت الأحياء المنتفضة في المدينة قد شهدت حملات أمنية متتالية أدت - وفق الناشطين - إلى اعتقال آلاف الشباب الذين تم الزج بهم في المدارس والملاعب بعد أن اكتظت السجون بالمعتقلين، وقد نشر ناشطون على «فيس بوك» شريط فيديو يظهر قيام الأمن السوري بتعذيب مجموعة من المتظاهرين السلميين في إحدى مدارس المدينة.

كما ارتكبت قوات الأمن في المدينة الكثير من المجازر، أبرزها مجزرة المحطة التي يقدر ناشطون عدد ضحاياها بما يتجاوز الخمسين ضحية، كما شهد حي الطابيات المحاذي للبحر مجزرة مروعة، إضافة إلى أشرطة فيديو تم بثها على مواقع الإنترنت منذ فترة، تظهر جثث مدممة أمام قهوة العلبي وسط حي الصليبة. إلا أن المجزرة الكبرى التي شهدتها المدينة - وفقا للناشطين - كانت أثناء الهجوم على حي الرمل، الذي تقطنه أعداد كبيرة من الناس. وبعد الضربة العسكرية الشرسة التي وجهتها دبابات الجيش السوري إلى مخيم الرمل الجنوبي، صارت المدينة الساحلية التي لا تتجاوز مساحتها 58 كيلومترا مربعا، ويبلغ عدد سكانها 650 ألف نسمة، تعيش في حصار أمني مشدد، فالأحياء التي كانت تخرج منا المظاهرات المطالبة برحيل نظام بشار الأسد، الصليبة والعوينة والقلعة والرمل والسكنتوري والطابيات وقنينيص. تم تقطيعها بحواجز أمنية وعسكرية، حيث يخضع كل من يمر على هذه الحواجز من السكان لتفتيش دقيق ويتعرض للإهانة والإذلال على يد عناصر الأمن والشبيحة الذين يحملون قوائم بأسماء المطلوبين من ناشطين ومشاركين في المظاهرات المطالبة بالحرية.

ويشير ناشطون إلى أنه من خلال السياق الذي مرت به المدينة منذ اندلاع الثورة السورية حتى الآن، لا يمكن أن يتوقع المرء خروج مسيرات مؤيدة لنظام الأسد، حيث خرجت أمس مسيرات مؤيدة للنظام السوري في ساحات المدينة ورفعت صور الأسد الابن وأعلام سوريا التي طبع عليها رسمه.

ويضف الناشطون «كيف يمكن أن تخرج أم قتل بشار الأسد ابنها في مسيرة مؤيدة وتهتف ببقائه، هذا أمر لا يمكن تصوره». ويلفتون إلى أن «هناك معتقلين يتم تعذيبهم داخل أقبية الأمن ويتم ابتزاز أهله لأخذ أموال طائلة لقاء التخفيف من التعذيب. وقال عنصر أمن لأحد آباء المعتقلين أعطني عشرين ألف (ليرة سورية) ولا نعرض ابنك للكهرباء، لكنني لا أضمن بقية الأساليب، إضافة إلى مئات الجرحى الذين تمت تصفية بعضهم في المستشفيات، كيف يمكن أن يخرج أهالي مدينة حدث لأبنائها كل هذا في مسيرة تؤيد الجلاد؟».

يشكك الناشطون بأعداد المشاركين في المسيرة التي خرجت أمس لتأييد الأسد، وقد أطلق عليها إعلام النظام السوري صفة المليونية يقول أحدهم «لا توجد ساحة في اللاذقية تتسع لمليون شخص، لكن رغم ذلك المشكلة ليست في الأعداد التي يضخمها عادة الإعلام السوري بسذاجة وغباء، المشكلة الرئيسية في الأساليب التي يستخدمها النظام السوري لحشد هذه المسيرات، حيث يتم الاعتماد على الموظفين وطلاب المدارس والجامعات وعمال النظافة والعاملين في مصانع التجار الموالين للنظام، فيتم تبليغ هؤلاء جميعا بإجبارية المشاركة في المسيرة وفي حال التغييب قد يتعرض الشخص المخالف للاعتقال». وقد قام مدير فرع الأمن السياسي طه طه في المدينة - وفقا للناشطين - بتهديد مديري شركتين من أجل إرسال موظفي الشركتين إلى مسيرة الخميس في اللاذقية وإغلاق الشركتين لهذا اليوم وإلا فسوف يتعرضون للمساءلة.

ويضيف الناشطون «النظام أراد من خلال تنظيم مسيرات تأييد في مدينة اللاذقية توجيه رسالة إلى مبعوثي الجامعة العربية والإيحاء بأن الأسد يتمتع بشعبية كبيرة، وقد بدأ بهذا الأمر في حلب ودمشق، لكنه يقصد أن تكون المسيرة في اللاذقية هذه المرة، ليقول إنه استطاع أن يخمد الثورة في الأحياء المنتفضة ويخرج مسيرات تأييد، لكن هذا لن يحدث أبدا، فالمدينة رغم جميع الضربات التي تعرضت لها ما زالت تنتظر اللحظة الحاسمة لتنتفض عن بكرة أبيها».