رايس ومسؤولون إسرائيليون يؤكدون إفشال ليفني لاتفاق سلام بين عباس وأولمرت

وزيرة الخارجية الأميركية السابقة قالت إن نظيرتها الإسرائيلية أبلغتها بأنه لا أمل في تمرير أي صفقة في ذلك الوقت

فلسطينيون في مواجهة جنود إسرائيليين احتجاجا على إغلاق المستوطنين لشارع يؤدي إلى بلدتهم كفر قدوم قرب نابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

حقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، كادا يتوصلان إلى اتفاق حول تسوية للصراع، في سبتمبر (أيلول) من سنة 2008، التي نفتها أوساط من الجهتين في حينه، عادت لتنشر هذه الأيام، بمصادقة عدد آخر من السياسيين البارزين، بينهم وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندوليزا رايس، وعدد من السياسيين الإسرائيليين.

فقد أكدت رايس في كتابها الجديد أنها دهشت وفوجئت بموافقة أولمرت على أن تقام الدولة الفلسطينية على أساس حدود 1967، بحيث تنسحب إسرائيل من 94 في المائة من الضفة الغربية وتضم لها 6 في المائة من هذه الأراضي، على أن تعطي الفلسطينيين أراضي بديلة عن كل شبر تضم إليها، وأن تكون القدس بشقيها الشرقي والغربي مدينة موحدة تحت إشراف دولي، وفي الوقت نفسه عاصمتين للدولتين؛ الشرقية عاصمة فلسطين والغربية عاصمة إسرائيل، وتوافق تل أبيب على عودة بضعة آلاف من اللاجئين.

ويكشف ما نشر أمس من الكتاب عن أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية في ذلك الوقت، تسيبي ليفني، توجهت إليها وقالت لها إنه لا يوجد أمل في أن يقبل الجمهور الإسرائيلي هذا الحل من أولمرت (الذي كانت النيابة قد بدأت التحقيق معه في عدة قضايا فساد لم تثبت حتى اليوم، بل تراجعت النيابة عن بعضها وتتواصل محاكمته حول بقيتها حتى اليوم). وأكدت ذلك مراسلة صحيفة «هآرتس» في واشنطن، نتاشا موزوغوبيا، التي قالت إن سياسيين إسرائيليين أكدوا لها هذا الأمر.

وكانت المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية قد جرت في ذلك الوقت على مسارين: الأول ثنائي بين أولمرت والرئيس عباس، ومن دون مشاركة مساعدين، والثاني بين وفدين رسميين ترأس الوفد الإسرائيلي ليفني، بينما ترأس الوفد الفلسطيني، أحمد قريع (أبو علاء). وكانت «الشرق الأوسط» قد كشفت في حينه أن ليفني أقنعت أبو علاء بأن أي مشروع يطرحه أولمرت على الساحة السياسية سيرفضه الجمهور، بسبب وضعه في التحقيق، واقترحت على الفلسطينيين أن ينتظروا حتى يسقط أولمرت وتصبح هي (أي ليفني) رئيسة للحكومة، وعندها يمكن مواصلة المفاوضات بشكل مضمون.

وفي ذلك الوقت، توجهت «الشرق الأوسط» إلى كل من أولمرت والرئيس عباس لسؤالهما عن الموضوع. فتهربا من الرد المباشر. وقال عباس يومها إن المفاوضات لم تكتمل بسبب الحرب العدوانية على قطاع غزة، بينما قال أولمرت إنه لا يريد أن يصدق أن ليفني يمكن أن تفعل أمرا كهذا، وأن كل ما يعرفه هو أن المفاوضات مع عباس كانت جيدة وعميقة، وتقدمت إلى الأمام خطوات بعيدة، وأنه اقترح على عباس أن يوقع على عرضه حول حدود فلسطين العتيدة بالأحرف الأولى، إلا أن عباس طلب بعض الوقت للمشاورات، ولم يعط رده.

واليوم يأتي التأكيد من كوندوليزا رايس، التي كشفت أن ليفني قالت لها ما قالته للفلسطينيين وهو أن لا يتحمسوا لاقتراحات أولمرت، وأن ينتظروا حتى تصبح هي رئيسة للوزراء بعد أولمرت.

يذكر أن ليفني لم تنجح في الوصول إلى منصب رئيس وزراء، وفشلت في إقناع الأحزاب المتحالفة مع حزبها أن تبقى في الائتلاف. واضطرت إلى إجراء انتخابات جديدة فاز بها بنيامين نتنياهو، وتعطل كل شيء. وتقول رايس إن إسرائيل (بواسطة ليفني) والفلسطينيين (بقبولهم نصيحة ليفني)، ليسا وحدهما المسؤولين عن إجهاض هذه العملية وإضاعة هذه الفرصة، بل يتحمل الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوباما، قسطا من هذه المسؤولية، لأنه «لم يبدأ المفاوضات السلمية الإسرائيلية الفلسطينية من نقطة انطلاق أولمرت، بل بدأها من الصفر، وراح يطالب إسرائيل بتجميد البناء في المستوطنات كشرط للعودة إلى المفاوضات. وقد تمسك الفلسطينيون بهذا الطلب».

ونفت ليفني ما جاء في كتاب رايس، أمس، حول إفشالها الاتفاق. ولكنها اعترفت بأنها عندما سمعت أن أولمرت عرض على الفلسطينيين تدويل القدس وإعادة لاجئين، أعربت عن رفضها لذلك بشكل علني. وقالت في بيانها أمس: «اليوم أيضا لا أرضى بتدويل القدس وعودة اللاجئين.. وما أقوله في الغرف المغلقة هو ما أقوله للعالم». وفي انتقاد مبطن لرايس قالت ليفني: «المستهجن هو أن جهات سياسية أميركية ظلت مهتمة بمصير أولمرت السياسي وإمكانية عودته للقيادة السياسية في إسرائيل أيضا بعد تنحيه وانتخاب آخرين مكانه».

وفي الطرف الفلسطيني، قال مصدر مقرب من وفد المفاوضات في حينه إنه «لم نكن بحاجة إلى تسيبي ليفني حتى نعرف أن أولمرت سيغادر الساحة السياسية. ومع ذلك فقد أخذنا اقتراحاته على محمل الجد، وعندما كنا في أوج دراستها، فاجأنا بالحرب العدوانية على قطاع غزة».

وأما أولمرت، فقد صرح مساعدوه أمس بأنهم مذهولون من هذه المعلومات. وأكدوا أنهم لم يعرفوا أن ليفني توجهت من وراء ظهر رئيس الوزراء إلى الولايات المتحدة أو الفلسطينيين، وأضاف أن عدم قبول الفلسطينيين مقترحاته كان خطأ فادحا، وليس صحيحا أن موافقتهم أو عدم موافقتهم سيان: «فعندما يوقع رئيس حكومة في إسرائيل على شيء يكون ملزما لرئيس الحكومة الذي يليه في الحكم، شاء ذلك أم أبى».