أبو مازن لإسرائيل: استعديك لتسلم مسؤولياتك في الضفة.. نحن لسنا أجراء لديك

في رسالتين إحداهما حملها لها حسين الشيخ وأخرى لواشنطن نقلها عريقات

أبو مازن في افتتاح المجلس الثوري لفتح (إ.ب.أ)
TT

خلافا للنفي الصادر عن أكثر من مسؤول في السلطة الفلسطينية، لا سيما من أعضاء حركة فتح، عماد هذه السلطة، لما أشيع في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن نية الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) حل السلطة، فإن هناك توجها لدى أبو مازن إلى إعادة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية إلى ما كانت عليه قبل قيام السلطة عام 1994، أي تسليم شؤون إدارة الضفة الغربية إلى إدارة الاحتلال الإسرائيلي، مما يعني بعبارة أخرى حل السلطة.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر فلسطيني رفيع أن الرئيس عباس بعث في الآونة الأخيرة برسالتين تحملان هذا المضمون إلى كل من حكومة بنيامين نتنياهو في تل أبيب والإدارة الأميركية. وأكد ذلك مصدر في اللجنة المركزية لحركة فتح، وإن كان الخلاف بين المصدرين أن الأول يتحدث عن رسائل مكتوبة والمصدر الثاني يؤكد على رسائل شفوية.

لكن المصدرين اتفقا على هويتي ناقلي هاتين الرسالتين، فالرسالة الإسرائيلية نقلها حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول الشؤون المدنية في السلطة، الذي يشرف على التنسيق مع الإدارة المدنية الإسرائيلية. وأما الرسالة الأميركية فقد نقلها صائب عريقات، كبير المفاوضين رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية عضو اللجنة المركزية لفتح.

وحسب المصدر الرفيع، فإن هذه هي الخطوة المهمة والخطيرة والمفاجئة التي تحدث عنها الرئيس أبو مازن، وسيكشف عنها في غضون شهر (أي بعيد تصويت مجلس الأمن الدولي على طلب عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، المقرر البدء في مناقشته في 11 نوفمبر «تشرين الثاني» المقبل)، في مقابلة مع إحدى القنوات الفضائية المصرية قبل بضعة أيام، وكررها في كلمته أمام المجلس الثوري لحركة فتح الذي بدأ أعماله في رام الله ليل الأربعاء الماضي، وينهي أعماله اليوم ببيان ختامي.

يذكر أن أبو مازن كان قد قال لـ«الشرق الأوسط»، خلال مرافقتها له في رحلته إلى نيويورك، لحضور تقديم طلب عضوية فلسطين للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، إنه لا وجود سلطة وطنية فعلية، وإنه لن يقبل بأن يقوم بأعمال رئيس بلدية.

وفحوى هاتين الرسالتين واحد، حسب المصدرين اللذين اختلفا حول بعض الكلمات، فالمصدر الفتحاوي يؤكد أن الرسالتين لن تحملا على الإطلاق عبارة حل السلطة، «لأننا نحن ضد حل السلطة التي تعتبر إنجازا وطنيا.. ولكنها تتحدث عن انهيار السلطة.. وممارسة الاحتلال لدوره». وأضاف المصدر الفتحاوي أن «حسين الشيخ أبلغ الإسرائيليين بأن يعدوا أنفسهم لتسلم الدوائر، وما سلمونا إياه (يعني بعد أوسلو).. لأننا لسنا إجراء عندهم».

وتابع المصدر القول: «إن حسين الشيخ قال للإسرائيليين إن الـ3 آلاف بندقية التي سمحتم بها سنعيدها إليكم (في إشارة إلى وقف التنسيق الأمني)». واستطرد المسؤول قائلا إن «الحديث بهذا الأسلوب يعني أنه لا وجود للسلطة، ولتعد سلطة الاحتلال لتولي مسؤولياتها في الأراضي الفلسطينية».

وأما المصدر الثاني الذي عبر عن رفضه الشديد لحل السلطة بأي شكل من الأشكال، فقال إن الرسائل تتحدث عن تسليم السلطة لإسرائيل. وقال إن الحديث عن تسليم السلطة أو إعادتها لإسرائيل، «يفهم منه وكأن السلطة أعطيت إلينا كهدية ونحن نرد الهدية إليها». وعبر المصدر عن رفضه لمثل هذا التوجه حتى وإن كان قد طرح من باب التهديد فقط، مشيرا إلى أن الكثير من الذين يتداولون مثل هذه الأفكار لا يقدرون أبعاد مثل هذه الخطوة.

وكانت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، الصادرة باللغة العبرية، قد نسبت إلى مسؤول فلسطيني، وصفته بالكبير، القول إن السلطة الفلسطينية أعدت خطة حبيسة الأدراج لحل السلطة خلال عدة أشهر إذا ما فشلت في مساعيها للحصول على عضوية في الأمم المتحدة.

وحسب هذا المسؤول، فإن إعداد هذه الخطة تم بناء على طلب أبو مازن، وإنها تقضي بنقل المسؤولية عن شؤون الصحة والتربية والسياحة إلى إسرائيل، وفي نهاية هذه العملية، ستتولى إسرائيل أيضا المسؤولية الأمنية عن المناطق الفلسطينية.

وأشار المسؤول إلى أن فكرة حل السلطة الفلسطينية قد عرضت على أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، وحظيت بتأييدهم. وأكد المسؤول الفلسطيني مع ذلك أنه لم يتخذ بعد أي قرار بهذا الصدد.

ولكن عضو اللجنة المركزية في حركة فتح، محمود العالول، قال لوكالة «معا» الفلسطينية الخاصة، إن خيار حل السلطة غير وارد، وإن «المقصود هو دعوة نحو وصف الحالة بأنها سلطة بلا سيادة ومسلوبة الصلاحيات وتحت سيطرة الاحتلال الذي صادر ولاياتها وصولا إلى إفراغ محتواها»، وأضاف العالول: «إن هناك دعوة، ليس لحل السلطة، بل دعوة لوصف حالتها وكيفية النضال من أجل استعادة سيادتها والاشتباك مع الاحتلال وعدم الرضا عن الوضع الراهن». وأمام هذا الوضع الصعب للسلطة، كما يقول، تبحث القيادة عن حلول.. حل السلطة ليس أحدها».

وكشف العالول أنه يجري البحث في الكثير من الأفكار.. فهناك من يفكر في وصاية دولية، وهناك من يفكر في خيارات لها علاقة بمقاومة الاحتلال، وهناك من يفكر في دولة واحدة, وهناك من يفكر بالخلاص من كل الالتزامات السابقة، وهناك تفكير بإعادة القضية إلى مرجعيات جديدة، كالأمم المتحدة.

وردا على سؤال إن كان خيار حل السلطة بيد أبو مازن، أكد العالول: «نعم، إذا أردنا ذلك يصبح خيار حلها بيدنا.. لا سيما أننا بدأنا نتجه باتجاه التمرد على الاستسلام للخيارات الدولية، لأنها لا ترى الوضع الفلسطيني بشكل أساسي، ولديها أولويات أخرى». وأضاف: «هذا التفكير ليس تكتيكا بل هو جاد، لأننا لن نقبل بأن تكون هناك سلطة مسلوبة الصلاحيات، لكن لا يعني ذلك أننا نتحدث عن حلها».

لكن العالول لا ينكر أن وضع السلطة الفلسطينية صعب جدا في هذه الظروف في ظل انسداد الأفق والمتغيرات في العالم العربي والعالم بأكمله. فقال: «نحن نتألم لذلك، نحن نبحث في آفاق الخروج من ذلك، حيث استطعنا أن نعيد البريق للقضية الفلسطينية من خلال التوجه للأمم المتحدة، على الرغم من الوضع العربي الصعب والأزمة المالية العالمية».

واستدرك: «لو لم نفعل ذلك وانتظرنا لأن تكون الظروف مواتية لانتظرنا سنوات طويلة جدا من أجل إعادة ترتيب أوضاع المنطقة».

وعما يقصده أبو مازن عندما قال إنه سيبحث مستقبل السلطة مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، قال العالول: «يقصد أنه سيطرح على مشعل الواقع الراهن وأفق الخروج منه ووضع استراتيجية وطنية للمستقبل».