محمد بن عيسى: ملك المغرب توقع المطالب الشعبية التي حركت الشارع ولم يتفاجأ بها

وزير خارجية المغرب السابق: الحراك الاجتماعي قد يستمر زمنا ويصبح ظاهرة مألوفة

محمد بن عيسى (وسط) خلال محاضرته في مركز أكسفورد الإسلامي مؤخرا («الشرق الأوسط»)
TT

قال محمد بن عيسى، وزير الخارجية المغربي السابق أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، إن الملك محمد السادس توقع المطالب الشعبية التي حركت الشارع المغربي، ولم يتفاجأ بها، مشيرا إلى أنه تجاوزها بإجراء تعديل دستوري، هو قاعدة أي إصلاح، والأول في محتواه ومقاصده في العالم العربي.

وأوضح بن عيسى، الذي كان يتحدث مؤخرا في محاضرة بعنوان «الحراك الاجتماعي العربي: تداعياته ومآله»، ألقاها في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية البريطاني، أن الدستور الجديد فوض صلاحيات تنفيذية واسعة لرئيس الحكومة، وفق معادلة جديدة، لتقاسم السلطة وتوازنها بين المؤسسة الملكية والهيئات المنتخبة، كما حدد آليات المراقبة والتحكيم لكي لا يحدث شطط.

وأشار بن عيسى إلى أن الخطوات الإصلاحية الواسعة التي بدأ تطبيقها في المغرب لم ترض سائر فئات المحتجين، وخاصة المرتبطين بتنظيمات يسارية متطرفة أو الملتفين حول حركات دينية سلفية، معتبرا ذلك رفضا أو ممانعة عابرة، يندرجان ضمن المزايدات السياسية المألوفة، خاصة أن الإرادة الشعبية، المعبر عنها بواسطة الاستفتاء الدستوري، حسمت بما يشبه الإجماع وصوتت لصالح الاستقرار والتحالف مع عاهل البلاد في إطار ميثاق بيعة جديدة.

وأشار بن عيسى إلى أن ملك المغرب أصغى إلى نبض الشارع وأدرك التطلعات العميقة للشعب، وانتهى إلى قناعة مفادها أن المطالب المرفوعة لا تتعارض مع توجهاته في التحديث. فخطا الخطوة الكبرى، بصرف النظر عن مطالب الشارع الذي كانت له فضيلة التسريع بمسلسل الإصلاح.

إلى ذلك، أوضح بن عيسى أن الحراك الاجتماعي قد يستمر زمنا ويصبح ظاهرة مألوفة، بوسائل تعبير مختلفة ومتطورة، بيد أنه قال: إنه لن يستمر بمثل الفوضى والزخم المخيف الذي طبعه خلال الأيام الأولى، وإن الحراك سيتجه أكثر نحو المنحى السلمي، وإن الدينامية الجديدة ستتيح اختبار قدرة الأنظمة على استيعاب أهداف الحراك بالتحاور معه وليس إسكاته بالقوة والقمع.

وتحدث بن عيسى عن التغيير الذي حدث في مصر، وقال: إنه شكل مفاجأة وحالة استثنائية. بعدما جرى تصنيف البلاد زمنا ضمن «الدول المستقرة» رغم أزمتها الاقتصادية المزمنة، ما جعل محللين، مصريين وأجانب، يستبعدون فرضية تكرار «سيناريو تونس» نظرا لاتساع الرقعة الجغرافية في مصر، وتماسك مؤسسة القوات المسلحة القابضة، في حقيقة الأمر «بزمام السلطة بواجهة مدنية، منذ انقلاب يوليو (تموز) 1952»، مشيرا إلى أنه ربما كانت تلك «الطمأنة» وراء استهانة السلطات بأحداث 25 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وقال بن عيسى إن توالي الأحداث وترتيب وقوعها، في مصر قبل سوريا، وبعد تونس، يسائل الباحثين والمحللين، عربا وأجانب، ويفرض عليهم مراجعة أساليب التحليل وإعادة تقييم مؤشرات استقرار أنظمة الحكم وعدمه، التي طالما اعتمدت لفهم حركية التحولات العميقة التي تجتاح المنطقة العربية، بما فيها تلك الدول التي تعطي الانطباع بالهدوء وثبات الأوضاع.

واعتبر بن عيسى أن البطء أو العجز عن توقع الزلزال الكبير المفاجئ في مصر من قبل المحللين والمهتمين يدل، من وجهة نظره، على تراجع الاهتمام الأكاديمي في الغرب، وضعف مواكبة أوضاع الشرق العربي وتطور أحواله وهياكله العامة من قبل مراكز الأبحاث والدراسة والاستطلاع، بل ربما يشير أيضا إلى تقاعس أجهزة الاستخبارات التي من بين مهامها استباق الأحداث والتنبؤ بها قبل وقوعها. ولاحظ بن عيسى أن أجزاء من العالم العربي تتعرض لرياح تغيير تقوده قوى اجتماعية مستعجلة، تريد اقتلاع ما يعرقل طريقها من حواجز، ساعية بجرأة محيرة أحيانا من أجل استبدال نظم سياسية تراها متجاوزة وعتيقة ومستبدة وتعويضها بأخرى لم تتبلور ملامحها.

وفي هذا السياق، قال: إنه يحق التساؤل عن طبيعة هوية الأفكار والآيديولوجيات التي تستهوي الشباب الغاضب في العالم العربي؟ وما هي ملامح ومواصفات «الفاعلين والقادة» الذين يوجهون ويرسمون الطريق لهذا الخضم البشري الهائل؟

ولاحظ بن عيسى كذلك أن الموجودين في الساحات غير مكترثين بما إذا كانت الثورات تقترن في ذهن الرأي العام بالفوضى العارمة واحتمال مواجهة أوضاع صعبة وخطيرة، ليس أقلها انهيار بنيات السلطة القائمة، وانتشار الفوضى، وما يرافق ذلك من انفجار الهويات، وبروز الأقليات وتصفية الحسابات، فضلا عن انقسام حاد وعميق في الرأي.

وأوضح أن العالم العربي تجتاحه الآن «ثورات» شعبية اتسمت في بداياتها بالعفوية والنزعة السلمية. ولم تتحكم فيها زعامات تقليدية، ذات «كاريزما» جاذبة تلهب الحشود بالخطابة. إنها، وهذا تطور في حد ذاته مثير للتساؤل، تكتلات جماهيرية، تصدر عنها ردود فعل غاضبة وجارفة مثل الطوفان. لم تحدد سقفا معلوما ونهائيا لمطالبها وأجندتها كما لم تعلن الانتساب لمرجعية فكرية بعينها. وتحدث بن عيسى عن موقف الغرب من ثورات «الربيع العربي»، وقال: إن ما يقلق ويدعو إلى الحيرة، هو احتضان الغرب وحماسه المريب لمسلسل الثورات العربية المتلاحقة. وتساءل: لماذا يؤيدها أكثر من العرب المعنيين بها، من خلال مواقف رسمية وتحريض إعلامي؟ وما هي مصلحته القريبة والبعيدة في ذلك؟ ألا يخشى انقلاب تلك الثورات عليه بعد أن تستقوي؟ ولماذا لا نتصور، يضيف بن عيسى، انتقال عدوى الحراك الاجتماعي إلى الدول الغربية نفسها؟ خاصة وقد ظهرت مؤشرات في إسبانيا وإسرائيل، حيث قال الشباب إنهم متأثرون بالربيع العربي؟

وفي سياق ذلك، قال بن عيسى إن كثيرين يتساءلون وبقلق: متى كان الغرب، المستعمر السابق، متعاطفا مع قضايانا العادلة وأهمها قضية فلسطين؟ أليس هو الداعم لأنظمة متطرفة رعت مصالحه في الماضي والحاضر؟