محمد العرابي وزير خارجية مصر السابق: سوريا دخلت في دوامة الدم.. ونظام الأسد فقد مصداقيته أمام شعبه

اعتبر في حواره مع «الشرق الأوسط» مقتل القذافي درسا للحكام الذين أصبحوا عبئا على شعوبهم

محمد العرابي وزير خارجية مصر السابق
TT

أزاح وزير خارجية مصر السابق محمد العرابي، الستار عن الكثير من الأسرار لمرحلة مصرية وعربية دقيقة، كان فيها شاهدا على تفاصيل لم تكن تخرج للعلن؛ ولكن تحكمت في القرار الدبلوماسي المصري خاصة تجاه ما حدث في ليبيا، وأزمة أكثر من مليون مصري كانوا موجودين هناك إبان احتدام الصراع المسلح بين كتائب القذافي والثوار.

وأوضح العرابي في حواره مع «الشرق الأوسط» في القاهرة أن نهاية القذافي بالشكل الذي انتهى إليه كانت محتمة، مؤكدا أنه على أي حاكم عربي أن ينسحب بمجرد شعوره أنه أصبح عبئا على شعبه، معتبرا النظام السوري تأخر في إصلاحاته وفقد مصداقيته أمام شعبه بعدما دخل في دوامه الدم التي أطاحت بثلاثة أنظمة عربية من قبله.

وكشف الرجل الذي حمل حقيبة خارجية مصر لوقت قصير جدا وعصيب، عن كواليس قرار تعيينه وزيرا للخارجية باتصال من الفريق سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، وتفاصيل اتصال هاتفي قدم فيه الاستقالة لرئيس الوزراء عصام شرف.. وفيما يلي تفاصيل الحوار:

* قتل القذافي وأعلنت ليبيا التحرير.. كيف ترى ليبيا القادمة من عباءة هذه المحنة؟

- أعتقد أن ما هو قادم سيكون الأصعب.. وإذا كانت المعركة العسكرية استمرت سبعة أو ثمانية أشهر بغرض تغيير نظام الحكم فإن الفترة المقبلة ستكون أصعب وتحتاج جهدا أكبر من الشعب الليبي وجيشه ومؤسساته.. صحيح أن نزيف الدم توقف؛ ولكن دائما الهدم أسهل من البناء.. والدولة الليبية في حاجة إلى البناء وهذا البناء سيتطلب جهدا كبيرا جدا، لأنه خلال الأربعين عاما الماضية لم يحدث أن أقيمت مؤسسة بشكل علمي في هذه الدولة، فالدولة الليبية تفتقر إلى محددات كثيرة من محددات الدولة العصرية، وبالتالي أرى أن هناك عبئا كبيرا وجهدا غير عادي ملقى على عاتق الشعب الليبي والقيادة الليبية؛ ولكن ما يطمئنني بشكل كبير أن مظاهر الاحتفال التي رأيناها جميعا عكست انسجاما شعبيا ونتمنى أن ذلك يستمر، لأنه لا شك أن مرحلة البناء عادة ما يكون فيها نوع من الفراغ ليس في السلطة ولكن في بنية الدولة، وهذا من الممكن أن يكون مدعاة لشهية بعض الأطراف للدخول إلى الدولة الليبية والتأثير على مجريات الأمور هناك بشكل يخدم مصالحها.

* تحديدا تقصد من؟

- أقصد «القاعدة» مثلا وبعض الجماعات المتطرفة.. فليبيا دولة غنية من ناحية الثروات الطبيعية وأصبحت غنية أيضا في السلاح.. الآن ينتشر بها كل أشكال الأسلحة، وهذا من الممكن أن يكون عاملا سلبيا في عملية إعادة البناء؛ ولكن أثق أن الشعب الليبي بعد عقود من المعاناة سيكون عنده من الحصانة والفطنة ما يجعله ينجو بنفسه من اشتعال الموقف الداخلي.

* ما هو تفسيرك لإعلان فاتورة العمل العسكري للناتو في اليوم التالي لمقتل القذافي؟

- طبعا.. الدول التي اشتركت في عمليات القصف أو الدول التي اشتركت بقوات أو الدول التي تدعي إنها ساهمت في عملية التحرير أعتقد أنها الآن لديها سرعة ورغبة في المطالبة بأن يكون لها قطعة من «الكعكة» القادمة. وهي «كعكة» التعمير والنفط وخلافه، لا يوجد شيء يقدم دون ثمن، سيكون هناك صراع من بعض الدول والقوى، لا سيما أن هناك تغيرا استراتيجيا يحدث الآن في منطقة شمال أفريقيا بشكل جذري قد يؤدي إلى تغير في العلاقات التقليدية بين بعض الدول.

* كيف ذلك؟

- بمعنى أن دولة مثل فرنسا كان لها ارتباط أو علاقة وثيقة مثلا بتونس.. وتونس الجديدة لها شكل جديد وهذا سيكون مدعاة للاستراتيجية الفرنسية لأن تدير بوصلتها باتجاه دولة في مرحلة البناء وهي ليبيا.. وتحاول أن يكون لها نفوذ أكبر في هذه الدولة باعتبار أنها من المشاركين في العمل العسكري للناتو.

* كيف كانت رؤيتك لمشهد القذافي الأخير.. خاصة أن هذه الرؤية تختلف عن المشاهد العادي بحكم عملك الدبلوماسي وما يحمله من تجارب قد يكون بعضها مع شخص القذافي نفسه؟

- هذا المشهد ينطوي على درس وعبرة، وهو أن من الذكاء لأي حاكم أنه عندما يشعر بأنه أصبح عبئا على شعبه أن ينسحب.. وهذه هي خلاصة المرحلة التي نعيشها الآن ويمكنك أن تلاحظ أن كل الحكام الذين تم التخلص منهم بشكل أو بآخر كان مرجعه أنهم وصلوا لمرحلة باتوا فيها عبئا على شعوبهم.. وهذه الشعوب تعاني من وجودهم والمفترض أن الحاكم يكون لديه من الرؤية السياسية أنه يرى في مرحله ما، في لحظة ما، أنه أصبح عبئا على أولاد بلده فعليه أن ينسحب.. وهذا من الواجب ومن القسم الذي أقسمه لخدمه بلده وخدمة شعبه فهذا القسم يملي عليه أن يبتعد عن السلطة.

* بعض الآراء ذهبت إلى أن مشهد القذافي الأخير قد لطخ الثورات العربية بالدماء.. فما هو رأيك؟

- لا أعتقد أنها وصلت إلى هذا المدى.. ولو كنت في موقف القذافي كان سيكون لدي اقتناع راسخ بأن هذه ستكون نهايتي إذا ما وضعوا الثوار أيديهم عليّ.. وهؤلاء ثوار ليس لديهم قائد عسكري؛ لكي يقول لهم افعلوا ذلك أو لا تفعلوا.. ولكن مجموعة من الشباب المتحمس الثائر، وأنا ضد ذلك ضد عمليه القتل بهذا الشكل.. كإنسان طبيعة لا أتقبلها مهما كان فعل من جرائم.. لأنه وقع في لحظه ضعف وفي أسر وتم قتله.

* وهل يعني هذا أن نهاية القذافي بهذا الشكل كانت محتمة؟

- من مجريات الأمور، ومن مستوى التسليح لدى الثوار، ومن الإصرار والبسالة التي ظهروا بها في المعارك التي جرت، كان لدي اقتناع كامل بأن القذافي سيتم قتله هو وعائلته.. بدليل أنه قام بإبعاد سيدات أسرته من ليبيا منذ البداية وهذا الإجراء ما كان ليقدم عليه إلا لوجود إحساس لديه بخطر داهم وكنت أرى أنه سيواجه هذا المصير.

* نعود إلى فتره توليك وزارة الخارجية والتي تزامنت مع انفجار الوضع على الأرض في ليبيا.. ما هي طبيعة وشكل الاتصالات مع الجانب الليبي ومع من كنت تتحدث لتأمين أوضاع جالية مصرية تتجاوز المليون ونصف المليون مصري في فتره كانت الدولة الليبية فيها غائبة؟

- لو تتذكر أن أول تصريح لي عندما توليت المهمة، أكدت فيه أن أول ملف سأفتحه هو ملف السجناء المصريين في ليبيا، وبنفس المنطلق الذي كنت أتحدث به عن مصير القذافي.. فإن هذا السجين المصري كان ملقى في زنزانة مسلوب الإرادة ولا حول له ولا قوة، ومعرض في أي لحظه أن يتم قصفه أو أن يتم قتله داخل السجن دون حتى أن يمتلك رفاهية المقاومة.. والحمد لله حققنا إنجازا وقتها في هذا الملف وأهالي السجناء توجهوا لنا بالشكر في شكل تظاهرة. وكنا نقوم وقتها بالاتصال بالطرفين سواء كان المجلس الانتقالي في ذلك الوقت أو الحكومة الليبية التي كانت في طرابلس، وكان وزير الخارجية ومدير المخابرات الليبية هما نقطة الاتصال بالنسبة لنا في الحديث بشأن المصريين الموجودين في السجون، وكان هناك تأكيد متواصل بأنني مصر على الإفراج عنهم وبشكل فوري وتحميل الحكومة الليبية مسؤولية حمايتهم وحماية أرواحهم لأنها كانت هي المسؤولة عن فرض القانون والنظام في الدولة، وكنت أنوي أن أكون في شرف استقبالهم على الحدود الليبية التونسية عندما يتم الإفراج عنهم.. ولكن الظروف لم تسمح، وإحقاقا للحق كان هناك استجابة من قبل الجانب الليبي الرسمي في ذلك الوقت، وأيضا من المجلس الانتقالي في بنغازي، صحيح حدثت بعض التجاوزات لكننا تمكنا قبل النهاية المحتمة للنظام الليبي أن نحصل على 29 سجينا كدفعة أولى ثم بعد ذلك أفرج عن 11 آخرين.

* معنى حديثك أن مصر فتحت قنوات الاتصال مع المجلس الانتقالي قبل أن تعترف به رسميا كممثل شرعي للشعب الليبي؟

- طبعا.. وأؤكد لك هذا.. وهم يعلمون ذلك جيدا، وكان لديهم تقدير لحساسية وضعنا عن باقي دول العالم بسبب وجود أكثر من مليون مصري، وبالتالي كان تحركنا الأساسي هو حمايتهم وعدم وضعهم في موضع انتقام من جانب أي طرف.. لذا كنا نتصل بالطرفين بنفس القوة وبنفس الصرامة أحيانا، أذكر مثلا أنني كنت صارما جدا في أحد الأحاديث مع مدير المخابرات الليبية عبد الله السنوسي، وكان معي في المكتب أهالي المصريين السجناء في ليبيا.. وأبلغنا الجانب الليبي أننا لن نسمح بأن يكون أولادنا فريسة لقصف الناتو أو أي قتل عشوائي أو منظم من جانب أي طرف دون أن يكون لهم ذنب في أي شيء. والحمد لله أننا تمكنا من إعادتهم لمصر.

* خرجت بعض التسريبات الإعلامية وقتها تقول إنك لجأت إلى المخابرات الروسية بسبب صعوبة الوصول والاتصال برجال القذافي.. فما حقيقة هذا الأمر؟

- كان وزير الخارجية الليبي في موسكو.. وكنا نستخدم كل الوسائل الممكنة للإفراج عن أولادنا، ففكرنا في الاستعانة بأصدقائنا الروس لأننا كنا أخذنا وعودا بالإفراج عن المصريين ثم حدث تباطؤ عندما تقدمت باستقالتي.. وعندما كلفت بالعودة إلى الوزارة مرة أخرى لتسيير الأعمال لحين تعيين وزير خارجية، قمت بمعاودة الاتصالات مرة أخرى بالمسؤولين الليبيين وقتها فأبلغوني أن وزير خارجيتهم موجود في موسكو، فوجدتها فرصة أن ندخل أصدقاءنا الروس في هذا الملف ليس من باب الضغط؛ ولكن كنا نريد أيضا أن نفهم المسؤولين الليبيين أن الروس معنا في هذا الأمر، وبالفعل اتصلت بنائب وزير خارجية روسيا وهو صديق شخصي لي منذ فترة طويلة.. وطلبت منه إبلاغ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف برسالة تحمل مطلبنا من الليبيين.. وبالفعل قاموا بإبلاغ الوزير الليبي.

* ماذا كانت طلبات القذافي من مصر في ذلك الوقت.. تردد أنه هدد بعدم حماية الدبلوماسيين وهل بالفعل طلب إغلاق الحدود المصرية الليبية؟

- هو كان له طلبات كثيرة ولكن لم يكن لديه من القدرة أن يهدد بعدم حماية الدبلوماسيين.. والدبلوماسيون المصريون قاموا بدور بطولي كبير في ظل غياب أي نوع من الحماية لهم من القوات الليبية. أحد شباب الدبلوماسيين احتمى خلف سيارته من تبادل إطلاق النيران.. وظل محتميا خلف سيارته لمدة ست ساعات متواصلة حتى تمكن من العبور.. وهؤلاء الدبلوماسيون ظلوا في موقعهم ولم يتركوه لأنهم يدركون حيوية دورهم في هذه الظروف للجالية المصرية وإجلائها وإعادتها إلى مصر.

* ماذا عن طلب غلق الحدود؟

- بالفعل طلب غلق الحدود.. ورفضت مصر الطلب لأنه أمر غير ممكن لأننا كنا نستعيد أبناءنا فلم يكن من المتصور أن نغلق الباب في وجههم ونغلق الحدود.

* وكيف كان رد فعله تجاه اتصالات مصر مع المجلس الانتقالي؟

- بالتأكيد كان هناك حالة من عدم الرضا عن الاتصالات الجارية بين مصر وبنغازي، ولكن نحن كانت لنا أولوية وهي تأمين المصريين بكافه الوسائل وفي الوقت نفسه نقيم علاقة «صحية» مع المجلس الانتقالي في بنغازي.

* عشرة أشهر مرت على بزوغ الربيع العربي.. بعض التحليلات تعبر عن حاله شيزوفرينا للحظة الراهنة، في الوقت الذي يحمل فيه هذا الربيع أحلاما بالديمقراطية والنهضة والحكم الرشيد يقابله على الوجه الآخر مخاوف من الفوضى وهواجس حول تعرض الأمن القومي العربي لكوارث في ظل مرحلة السيولة الراهنة.. كيف ترى ذلك؟

- هو تحليل له وجاهته.. نعم نحن مع الحلم بالديمقراطية الكاملة في المنطقة العربية؛ ولكن يجب أن ندرك من الآن أن الديمقراطية عبارة عن حرية ومسؤولية وليست حرية فقط لأنها لو حرية فقط يكون معنى ذلك أننا سنصل إلى الفوضى.. وشق المسؤولية هو شق أساسي وعميق في الديمقراطية.. والحلم السياسي القادم هو تحقيق الديمقراطية. خلال الفترة القليلة الماضية شاركت في عدد من المؤتمرات الاقتصادية خارج مصر، كان الجميع يحذرون ومنهم سياسيون كبار مثل هنري كيسنجر وكوفي أنان من غياب البعد الاقتصادي وأن الحديث كله في السياسة ويتساءلون متى ستنتبهون للاقتصاد.. لأن الاستقرار الاقتصادي هو الذي سيؤدي إلى الاستقرار السياسي ولا يستقيم أن تتحدثوا في الماضي فقط يجب أيضا أن تخططوا للمستقبل وهذا المستقبل عبارة عن شقين شق سياسي في طريقه للتحقيق وشق اقتصادي صعب جدا في تحقيقه.. وأرى أن العالم العربي أو ثورات العالم العربي أهملت الحديث عن الاقتصاد وهذا سيكون له مردود سلبي في المستقبل بلا شك.. مع أن هذه الثورات قامت في الأصل لوجود حالات بطالة وغياب العدالة الاجتماعية وعدم وجود فرص للعمل وعدم وجود توزيع عادل للثروة، وكلها أسباب اقتصادية.. المضمون السياسي للثورة في حرية الانتخاب وأن يكون هناك برلمان منتخب حر ورئيس جمهورية منتخب وهو جزء سهل تونس بدأت فيه ومصر تستعد له، ولكن أين التقدم الاقتصادي وأين معدلات النمو وأين الاستثمارات المباشرة ومن ثم خلق فرص عمل.. إذن فأنت قمت بثورة نتيجة أسباب معينة؛ ولكن لم تعالج هذه الأسباب بالثورة بل بالعكس أنت مازلت «محلك سر»، وقد تكون تراجعت.

* على ذكر انتخابات المجلس التأسيسي في تونس هل تراها نموذجا يحتذى به بالنسبة لمصر من حيث الشفافية؟

- في تونس هناك إدراك جديد في الدولة وهناك وعي جديد سيحول بين أي ممارسات قديمة كانت تتم في الماضي.. ومصر ستكون لها تجربتها ولها نموذجها.. في الفترة الأخيرة كثيرون لديهم انبهار بالتجربة التركية.. ولكن التجربة التركية ظهرت مع تحقيق اقتصادها لمعدلات نمو مرتفعة دفع بسياسة خارجية نشطة.. وهذا ما أقوله إن سياستك الخارجية ستكون نابعة من واقعك الداخلي.. لن يكون لديك سياسة خارجية نشطة والداخل عندك به بطالة 20 في المائة أو تضخم 12 في المائة ومعدلات النمو «صفر». الاقتصاد وقوته هو الذي سيدفع بوجود سياسة خارجية نشطة.. ولكن رغم تقديري للتجربة التركية أو أي تجربة أخرى، فإنني أؤكد أنه سيكون هناك تجربة مصرية مثل ما كانت 25 يناير مصدر إلهام للعالم سيكون لنا تجربتنا، وكل العالم يتحدث عن أن مصر تمتلك المقومات والإمكانات التي تؤهلها لتكون اقتصادا بازغا مثل ماليزيا أو البرازيل أو إندونيسيا أو تركيا، ومصر ليست أقل من هذه الدول.. ولكن هل نحن نمتلك الإرادة السياسية كشعب.. وأعتقد أن المرحلة المقبلة بالنسبة لمصر ستكون تحديا وأعتقد أننا سنعبرها.

* أود أن أسألك عن قرارين شخصيين ومدى رضاك عنهما الآن.. الأول هو قرار قبولك لمنصب وزير الخارجية في توقيت عصيب.. والثاني هو قرار تقديمك للاستقالة.. وهل كانت الاستقالة بمبادرة منك أم طلب منك تقديمها؟

- القراران راض عنهما تماما.. قرار قبولي منصب وزير الخارجية راض عنه تماما.. وقرار تقديمي للاستقالة أيضا قرار راض عنه تماما.. ولعلمك اتخذت القرارين في أقل من دقيقة.

* كيف؟

- عندما عرض علي المنصب من قبل رئيس أركان القوات المسلحة الفريق سامي عنان وكان ذلك في اتصال هاتفي مباشر.. قبلت في الحال طبعا ودون تردد لأنه تكليف يشرفني، ولكن، من اليوم الثالث لي في المنصب بدأت أرى أن هناك حملة غريبة لتشويهي فقلت الصبر والصمود لفترة، ولكن وصلت الأمور لمرحلة شعرت بها أن يدي مغلولة وأنا لن أرد عليهم لأنني أعرف نفسي جيدا وأعرف إمكانياتي فآثرت الانسحاب وكان قراري.. والدكتور عصام شرف كان شهما ونبيلا جدا معي فعندما أبلغته في الهاتف بتقديم استقالتي سألني هل هذه رغبتك.. قلت له نعم.. فقال لي أنت إنسان نبيل وفارس وأنا أقبل استقالتك.

* أول زيارتك عندما كنت وزيرا للخارجية كانت للمملكة العربية السعودية وهناك نسب إليك تصريح قلت فيه «السعودية الشقيقة الكبرى لمصر»، وهو ما أقحمك في اشتباك سياسي مصري داخلي فما هي أبعاد هذا الموضوع؟

- لم أقل التصريح بهذا الشكل والإنسان الظالم الذي قال إنني قلت هذا سمع التصريح وفهمه بشكل غلط، وطلع على الصحف بسرعة لا تتناسب مع خلفيته الدينية.. وهذا كان المدهش في التركيبة التي كانت موجودة في هذه الفترة بالذات، أن واحدا يطلق صيحة ما فالجميع يستمع إليها لمجرد أن يتحدث عن فلان في الحكومة ويجب النيل منه.. أما بالنسبة للسعودية فعلى الجميع أن يعلم أن هذه المنطقة كانت تقوم على تنسيق ثلاثي استراتيجي هو الذي كان يحمى كيان هذه الأمة وهو مثلث أضلاعه «مصر والسعودية وسوريا».. وعندما كنت نائبا للسفير المصري في تل أبيب أذكر أنه عندما كان يحدث اجتماع ثلاثي بين قادة هذه الدول كنت أرصد مدى القلق الذي ينتاب مختلف الأروقة السياسية في إسرائيل.. وهذه قناعة لدي ورأيتها بعيني.. وهي أن الدول الثلاث ولا أتحدث الآن عن الأنظمة السياسية ولكن أتحدث عن هذه الدول بقوتها ومكانتها السياسية والجغرافية والاقتصادية.. هذا التكتل هو الدرع الواقي للأمة العربية والنواة لأي تضامن أو مستقبل لهذه الأمة، وعندما تحدثت عن السعودية بقول إنها دولة «شقيقه كبرى» وعندما كنت في السعودية قال لي الأمير سعود الفيصل نفس الكلام بل قال ما هو أكثر عندما قال لي: «إن العالم العربي كالسفينة بلا ربان» لأن مصر في حالة عدم استقرار.

* بالنسبة للضلع الثالث لهذا المثلث وهو «سوريا» ترى هل سيصمد الأسد ويقمع الثورة أم أن الثورة ستحقق مطلبها بالإطاحة به؟

- الوضع في سوريا وصل لمرحلة صعبة جدا لأن مصداقية النظام أمام شعبه أصبحت ضئيلة جدا.. فإذا افترضنا أن هذا النظام سيقدم أو حتى بدأ في تنفيذ برامج إصلاحية طموحة أو جريئة.. هناك حالة عدم ثقة من الشعب فإذن لن تجد هذه البرامج تجاوبا من الشعب.. وحدث تأخر شديد في انتهاج نهج إصلاحي في سوريا بل على العكس دخلنا في «دوامة الدم»، وكلنا شاهدنا نتيجة هذه الدوامة عندما حدثت في تونس أو مصر أو ليبيا.