الهنود يحاربون البيروقراطية برسائل الهاتف الجوال

برنامج بسيط لكنه واعد لتبليغ شكاوى المواطنين وتحسين الخدمات العامة

شفيق خان المنسق الميداني لبرنامج «سامادان» يقدم شروحات حول استخدامه لقرويين (واشنطن بوست)
TT

السواد الأعظم من سكان هذه القرية الواقعة وسط الهند لديهم شكاوى، فهم لا يرون الكهرباء سوى 3 ساعات يوميا، والطريق إلى القرية مليء بالحفر، ومعاشات الأرامل تصل متأخرة، أما برنامج الغذاء المدرسي فعادة ما يكون الطعام فيه شحيحا.

يقول القرويون إنهم يبعثون برسائل، ويتصلون بخط الشكاوى الحكومي وينتظرون خارج مكاتب المسؤولين طلبا للمساعدة لكن دون مجيب. ويقول موكيش تشاندرافانشي، وهو مزارع يبلغ من العمر 30 عاما: «لم تجد شكاوانا آذانا صاغية من الحكومة».

لكن برنامجا بسيطا يخص الرسائل النصية القصيرة للهواتف الجوالة قدم خط اتصال مباشرا بين القرويين والحكومة، حيث يكفل البرنامج الجديد الذي قام بتطويره ناشطون ومسؤولون محليون وشركة تكنولوجيا معلومات التأكيد على وصول الشكاوى في الحال ويتلقى السكان المحليون بانتظام تحديثات حول كيفية وتوقيت حل مشكلتهم.

ويشير مطورو البرنامج إلى أن الخدمة الجديدة التي تم تدشينها في مقاطعتين بولايتين، ستعمل على الحد من فرص تجاهل المشكلة من خلال محاسبة المسؤولين، بيد أنهم أوضحوا أن مثل هذه التكنولوجيا لا تضمن الحل، لكنها قادرة على تغيير شكل العلاقة بين المواطنين والحكومة في بيروقراطية مغرورة تعج بالفساد واللامبالاة، بحسب المحللين.

ويقول شفيق خان، وهو منسق ميداني للبرنامج، الذي يدعي «سامادان» أو «القرار»، وهو يشرح كيفية استخدامه للقرويين تحت شجرة وارفة: «جميع من في القرى هذه الأيام يملكون هواتف جوالة في جيوبهم، وإذا ما تمكنا من تحويل هذه إلى خطوط اتصال مباشرة مع الحكومة، فستكون لدينا القوة لكي تسمع شكوانا».

ومن خلال برنامج «سامادان»، سيتمكن الأفراد من الدخول إلى شبكة الإنترنت لمتابعة المرحلة التي وصلتها مشكلاتهم والمعوقات التي واجهتها وتقييم أداء المسؤولين في هذه المناطق. ويمكن للبيانات أن تستخدم للتعرف على العوائق النظامية في تقديم الحكومة للخدمات.

وحتى الشهر الجاري تلقى البرنامج ـ الذي تلقى دعما من حملة الأهداف الإنمائية للألفية التابع للأمم المتحدة ـ 530 شكوى عبر الرسائل النصية القصيرة مثل «مضختي اليدوية لا تعمل» و«عامل الصحة غير متواجد»، و«جسر القرية انهار بفعل الأمطار».

وتقوم الجمعيات الأهلية وشركات تكنولوجيا المعلومات، بشكل متزايد باستخدام تكنولوجيا حشد المصادر للمساهمة في رفع كفاءة الحكومة، وتمكين الأفراد حتى من حشد المتظاهرين. والهواتف الجوالة المتواجدة في كل مكان من خلال 750 مليون مستخدم في الهند، ومنتديات إنترنت مفتوحة المصادر يتم توظيفها لضمان جمع القمامة في موعدها أو الإبلاغ عن الرشاوى والمساعدة في تعلم اللغة الإنجليزية أو العثور على وظائف وتقديم تقارير عن الحوادث والتحرش الجنسي في الشوارع.

ويقول شيف فيسفاناثان، وهو أستاذ علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية في معهد ديروبهاي آمباني لتكنولوجيا المعلومات والاتصال في غانديناغار: «الوصول إلى التكنولوجيا يغير مفهومنا الديمقراطي والهاتف الجوال هو دلالة على التغيير. فالأفراد يطالبون بالمحاسبة الحكومية، وسرعة تقديم الخدمات أمر لا غنى عنه».

لكن ليس بمقدور الجميع في لونديا في ولاية ماديا براديش الاستفادة من خدمة الشكاوى الجديدة، ففي الوقت الذي قام فيه بعض القرويين باستخراج هواتفهم الجوالة والبدء في كتابة رسائل نصية في اجتماع توضيحي، لم يكن بمقدور بعض الرجال والسيدات من كبار السن الذين قالوا إنهم أميون بالمشاهدة في صمت من بعد.

لكن تطبيقات خدمة حشد المصادر لا تقوم فقط على الرسائل النصية، ففي مدينة حيدر آباد جنوب الهند، على سبيل المثال، تستخدم الحكومة المحلية نظام التموضع العالمي وكاميرات الهواتف الجوالة لإدارة المشكلات المتراكمة للقمامة، حيث يقوم مشرفو الصحة العامة على التقاط صور لحاويات القمامة التي تفيض بالقمامة ويتم تحميل الصور في نفس الوقت. ويشير المسؤولون إلى أن هذا سيساعد في محاسبة عمال النظافة العاملين في هذه المناطق.

وفي نيودلهي أنشئ موقع جديد يحث النساء على الإبلاغ عن التحرش والمساعدة في رسم خريطة للأحياء التي يعتبرونها غير آمنة. كما يوجد برنامج للهاتف الجوال يدعى «فايت باك» سيتم تدشينه في نوفمبر (تشرين الثاني) مقابل دولارين شهريا، مرتبط بالموقع ويمكن السيدة من إرسال رسالة تحذيرية إلى صديقاتها من هاتفها الذكي إذا ما تعرضت للتحرش. ويذهب هذا التحذير إلى صفحتها على الـ«فيس بوك» ويحدد موقعها على خرائط «غوغل».

ويقول هندول سنغوبتا، المؤسس المشارك لجمعية، واي بول، برنامج شبكة العمل الأهلية لتحسين الإدارة الذي أدرج المناطق غير الآمنة بمعلومات تم جمعها من أكثر من 100000 امرأة. وقد عرض سنغوبتا مؤخرا البرنامج على الكثير من النساء في مركز تجاري مزدحم في العاصمة، وسأل النساء «هل تذهبن إلى قسم الشرطة إذا ما تعرضتن للتحرش؟» وقالت جميعهن «لا». وتقول رينا شارما، 31 عاما، وبائعة أدوات تجميل: «أشعر بالعجز إذا ما قام أحدهم بالصفير أو علق تعليقا بذيئا أو لمسني في حافلة أو مكان عام، لكني أتجاهل ذلك وأحافظ على هدوئي لأنني لا أرغب في استفزازهم. هذا هو ما تعلمناه من عائلاتنا». ويقول سانديب سيدو، مدير الخدمة العالمية في شركة «كونفاس إم»، شركة التفاعل التكنولوجي التي أنتجت برنامج «فابت باك» «ستتوافر هذه الخدمة في البداية على الهواتف الذكية، وستتدرج في النهاية لتصل إلى الهواتف الجوالة رخيصة التكلفة أيضا».

وتساعد بعض هذه المبادرات، التي تشمل تطبيقات الهواتف الجوالة التي دشنتها شركة «كانفاس إم»، 400 مليون من العمالة الهندية المهاجرة على الإبلاغ عن فرص جديدة. ويقول جاديش ميترا، الرئيس التنفيذي لشركة «كانفاس إم»: «نحن نساعد الفقراء في قاع الهرم على استغلال فرص العمل التي تنتج عن الازدهار الاقتصادي القائم في الهند».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»