تأجيل محاكمة مبارك لنهاية ديسمبر المقبل لحين الفصل في طلب رد المحكمة

مساع لاحتواء أزمة القضاة والمحامين.. والنائب العام يحقق في الاتهامات المتبادلة

مجموعة من مؤيدي الرئيس السابق الذين يطلقون على أنفسهم «أبناء الرئيس مبارك» أمام محكمة جنايات القاهرة أمس التي أجلت النظر في القضية حتى نهاية ديسمبر المقبل (أ.ف.ب)
TT

بينما تقرر أمس تأجيل محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، في قضية قتل المتظاهرين، إلى نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تجري الآن مساع حثيثة بقيادة كبار وشيوخ القضاة والمحامين في مصر، من أجل حل الأزمة المستمرة منذ شهر تقريبا بين «طرفي العدالة» حول مشروع قانون السلطة القضائية الذي يرفضه المحامون. ويقول المراقبون إن الأزمة تصاعدت ككرة الثلج حتى وصلت إلى حد مواجهات عنيفة استخدم فيها السلاح، واقتحم خلالها مئات المحامين دار القضاء العالي بوسط القاهرة، وقد أمر النائب العام أمس بالتحقيق في الاتهامات المتبادلة بين الجانبين.

وأصدرت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار أحمد رفعت، أمس، قرارا بتأجيل محاكمة مبارك، ونجليه والعادلي و6 من كبار مساعدي الوزير الأسبق، في قضية قتل المتظاهرين، إلى جلسة 28 ديسمبر المقبل، لحين الفصل في طلب رد المحكمة التي تنظر القضية، وهو الطلب الذي قدمه عدد من المحامين عن المدعين بالحق المدني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، بذريعة أن المستشار رفعت سبق له أن انتدب للعمل في رئاسة الجمهورية، أثناء فترة تولي الرئيس السابق.

ولم تستغرق جلسة المحاكمة أكثر من 10 دقائق، حيث تيقن قاضي المحاكمة، من حضور جميع المتهمين بالنداء عليهم، ثم قرر التأجيل. ولم يشهد مقر المحاكمة بأكاديمية الشرطة بضاحية القاهرة الجديدة، حضور عدد كبير من المتظاهرين، سوى مجموعة صغيرة من مؤيدي الرئيس السابق الذين يطلقون على أنفسهم «أبناء الرئيس مبارك».

إلى ذلك، يبذل كبار ومشايخ القضاة والمحامين في مصر جهودا حثيثة من أجل حل الأزمة التي تصاعدت بين الجانبين بعد رفض المحامين تمرير مشروع القانون الخاص دون الأخذ بوجهة نظرهم. وأمر المستشار عبد المجيد محمود النائب العام أمس بالتحقيق في واقعة إطلاق الرصاص أمام نادي القضاة، خلال الأحداث التي شهدتها مظاهرات القضاة والمحامين يوم الجمعة الماضي، وبإحالة ملف القضية إلى نيابة شمال القاهرة لبدء التحقيق فيها. كما أمرت النيابة بحبس اثنين من البلطجية ألقي القبض عليهما أمام نادي القضاة أثناء قيامهما بإلقاء الحجارة والزجاجات على النادي، ومن المنتظر أن تستكمل النيابة التحقيقات خلال الساعات المقبلة.

ويقول محامو مصر إن مشروع تعديل قانون السلطة القضائية، فيه انتقاص كبير من كرامة ومهنة المحاماة والحصانة الممنوحة لهم طبقا للقانون، وطالب المحامون بتمثيلهم من خلال مجلس منتخب في مناقشات تعديل هذا القانون. لكن الحكومة المصرية أكدت أن القانون لن تتم مناقشته أو إصداره إلا من خلال المجلس التشريعي المنتخب المقبل.

وعقد القضاة الجمعة الماضي جمعية عمومية في دار القضاء العالي بوسط القاهرة، نددوا فيها بالاعتداءات المتكررة ضد المحاكم والقضاة وما ترتب عليها من منعهم من ممارسة عملهم، مطالبين بضرورة أن تكون هناك ضمانات واضحة لتأمينهم، كما هاجموا المجلس العسكري والحكومة لعدم اتخاذهما قرارا واضحا وحزما لوقف الاعتداءات على القضاة من جانب المحامين.

لكن عددا من المحامين حاصروا دار القضاء ومنعوا القضاة من الخروج، واشتبك محامون مع القضاة، فقام مجهولون بإطلاق أعيرة نارية في الهواء. كما اقتحم السبت الماضي عدد من المحامين دار القضاء العالي، وأصدر المحامون بيانا ألقوه في الدار استنكروا فيه «تحدي القضاة لكافة السلطات في الدولة بإصرارهم على تمرير مشروع القانون الخاص بهم وتمسكهم بما لا يحق لهم فيه من توريث المواقع القضائية وحرمان المتفوقين من حقهم في التعيين بالهيئات القضائية».

وأعلن المرشح السابق لرئاسة نقابة المحامين رجائي عطية، عن قيامه بعقد جلسات تصالح مستمرة بين الكثير من كبار المحامين وشيوخ القضاة من أجل التوصل لحل لأزمتهم، مؤكدا أن الهدف هو وقف تفاقم الفوضى الأمنية في مصر.

وقال عطية إن اجتماعاته من أجل وأد الفتنة التي زرعتها قلة مندسة لإثارة الفتنة بين القضاة والمحامين، وإنه سيعلن عن انتهاء هذه الأزمة خلال أيام، مؤكدا أن الأزمة لم تعد تخص القضاة والمحامين فقط، ولكنها امتدت إلى أمن مصر وأمن السلطة، وشدد على أنه لا مصلحة للمحامين في هدم القضاء لأن انهيار القضاء يعني انهيار الدولة.

ودعت «لجنة الشريعة الإسلامية» بنقابة المحامين، جناحي العدالة لتضافر الجهود حتى تجتاز مصر المرحلة الصعبة التي تمر بها، مشيرة إلى ضرورة البعد عن التعصب، وقالت اللجنة في بيان لها إن «مشروع القانون حسب تصريح المسؤولين لن يصدر في غيبة البرلمان»، ودعت المحامين والقضاة إلى التجرد من الهوى، والعودة إلى الاحترام. وأوضح البيان أن السبيل الوحيد حتى نقطع الطريق على كل ذي قصد سيئ ينال من مصر هو الحوار العاقل الموضوعي.

من جهته، أكد نقيب المحامين السابق سامح عاشور أن حل هذه الأزمة ليس في يد الحكومة أو المجلس العسكري بل في يد القضاة أنفسهم، الذين عليهم أن يوقفوا من استفزازاتهم للمحامين وعدم تصدير أزماتهم لهم.

وأوضح عاشور لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك مزايدات انتخابية واستفزازات واضحة من جانب القضاة، يجب أن تتوقف من أجل انتهاء الأزمة، التي لا مبرر لها، مؤكدا أنه على القائمين على الدولة النظر إلى فعل القضاة وليس رد الفعل من جانب المحامين. وتساءل عاشور ما هو مصير المزورين الذين زوروا انتخابات مجلس الشعب الماضية وما زالوا داخل منصة القضاء؟

وقال المستشار حسام الغرياني رئيس المجلس الأعلى للقضاء، إن العدالة في مصر تقف على المحك فهي الضمان الحقيقي للمرور من هذه الفترة الانتقالية، فالسلطة التنفيذية والتشريعية سقطت ولم يتبق غير السلطة القضائية والجيش، مشيرا، خلال مؤتمر عقد في القاهرة أمس، إلى أن السلطة القضائية تواجه 3 تحديات متشابكة وصعبة تحاول تكبيلها، أولها أن الثوار في مصر حينما أسقطوا النظام لم يعلقوا له المشانق بل تركوه للقضاء، والثاني هو أن الشعب في الميادين أقام محاكمات صورية دون انتظار القضاء، في حين أن القاضي يحكم بالقانون، أما الثالث فهو استقلال القضاء الذي ينادي به الشعب، لكن القضاء يحمل فوق عبء العدالة عبء الانتخابات، وهو ما لا يحمله القضاء في أي بلد آخر.