تونس: حوار ثلاثي جدي اليوم لحسم توزيع المناصب القيادية بالدولة

الأحزاب المتصدرة لنتائج الاقتراع تخوض معركة الرئاسات الـ3

TT

تشرع أحزاب «النهضة» و«المؤتمر من أجل الجمهورية» و«التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات»، الفائزة بالمراتب الثلاث الأولى في انتخابات المجلس التأسيسي التونسي، اليوم، في إجراء حوار ثلاثي جدي للحسم في توزيع المناصب فيما بينها، والأدوار السياسية التي سيقوم بها كل حزب سياسي، وهو حوار يلعب فيه حزب المؤتمر «صمام الأمان» بين النهضة والتكتل، نظرا لوجود خلافات بين الطرفين يسعى المؤتمر إلى تجاوزها.

ويرى سمير بن عمر، عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أن الأسبوع الحالي سيكون محددا للاتفاق حول خارطة طريق بين مختلف الأحزاب السياسية، مؤكدا ضرورة تقاسم الأحزاب الثلاثة الرئاسات الثلاث، ويعني بذلك: رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، ورئاسة المجلس التأسيسي.

من جهته، قال المنصف المرزوقي، زعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية: إن الحوار الدائر يهدف إلى الاتفاق «في شأن خارطة الطريق الخاصة بالمرحلة المقبلة، وهي تتعلق بتنظيم السلطات العمومية وتحديد صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ومدة عمل المجلس التأسيسي».

واعتبر المرزوقي، في حديث إلى صحيفة «المغرب» التونسية، أن «من الطبيعي أن ينال حزب النهضة منصب رئاسة الحكومة باعتباره الفائز الأول في الانتخابات»، وذلك بعد إعلان «النهضة» نيته ترشيح أمينه العام حمادي الجبالي للمنصب.

ويتردد اسما المرزوقي ومصطفى بن جعفر مع أسماء أخرى لتولي منصبي رئيس المجلس التأسيسي ورئيس الجمهورية المؤقت، بيد أن المرزوقي قال «إننا غير مهتمين بأي منصب شكلي. سنرى كيف يتم التوافق على الصلاحيات، وعندها نقرر اختيارنا». ويؤشر هذا الكلام إلى رغبة المرزوقي في تدعيم صلاحيات رئيس الجمهورية في حال توليه هذا المنصب. وأشار المرزوقي إلى أن الحوار الذي بدأ ثنائيا «سيتواصل اليوم الاثنين بشكل ثلاثي» بين «النهضة» و«المؤتمر» و«التكتل».

وقال مصدر قريب من حركة النهضة لوكالة الصحافة الفرنسية أمس إن المشاورات «تكثفت في الساعات الأخيرة بين الأحزاب الثلاثة الرئيسية، وهي مستمرة»، رافضا الكشف عن تفاصيلها «لأن حسن سير التفاوض يتطلب التكتم، وحال الوصول إلى اتفاق سيتم إعلانه».

ويبدو أن حزب «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» هو الحاضر الغائب في هذه الفترة؛ فبن جعفر يفكر، بدوره، في رئاسة الحكومة، ويطرح رئاسة المجلس التأسيسي على المرزوقي، في حين يرشح الجبالي (النهضة) لرئاسة الجمهورية. بيد أن «النهضة» رفضت هذا المقترح، وهو ما يجعل المفاوضات التي ستنطلق اليوم متسمة بالعسر، وقد تدخل البلاد في دوامة جديدة من التجاذبات السياسية.

يُذكر أن المشاورات بين الأحزاب التونسية الثلاثة لم تتوصل إلى اتفاق حول توزيع المناصب فيما بينها، والأدوار السياسية التي سيقوم بها كل حزب سياسي.

في غضون ذلك، يتكتم حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» عن مشاريعه المستقبلية، ويبدو أن رئاسة الجمهورية لا تغري هذا الحزب، خاصة أنها رئاسة شرفية. وعلى الرغم من ذلك، قال المرزوقي: على رئيس الوزراء المؤقت الباجي قائد السبسي و«الوجوه القديمة في الحكومة» أن يتركوا المجال لغيرهم لخدمة تونس في المرحلة الانتقالية الجديدة، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وذكر المرزوقي، الذي أصبح حزبه القوة الثانية في البلاد بعد انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في تصريحات للصحيفة ذاتها: «نشكر السيد الباجي قائد السبسي على نجاحه في قيادة البلاد نحو الانتخابات، ويكفيه هذا الدور»، مشيرا إلى «وقوع حكومته في أخطاء عددناها في وقتها».

وتردد في تونس احتمال ترشيح السبسي (84 عاما) لتولي رئاسة الدولة في المرحلة الانتقالية الثانية منذ الثورة، خاصة بعد الشعبية التي نالها منذ توليه الحكومة المؤقتة في فبراير (شباط) الماضي. وأكد المرزوقي، وهو أيضا معارض تاريخي لنظام بن علي، رفضه بقاء «الوجوه القديمة» في السلطة خلال المرحلة المقبلة. وقال، ردا على سؤال بشأن تسريبات أشارت إلى احتمال أن يوافق حزب النهضة، الفائز الكبير، على بقاء بعض الوزراء لضمان استمرار الدولة: «هذا لا سبيل إليه. نريد حكومة وحدة وطنية بوجوه وكفاءات جديدة 100%».

وتلقى رئاسة حزب النهضة للحكومة المقبلة انتقادات كثيرة من أعداء الأمس، واعتبر الحزب الديمقراطي التقدمي أن حكومة «النهضة» لن تختلف كثيرا عن حكومة الحزب الواحد بعد أن انتقل الحكم من التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب بن علي) إلى حزب النهضة الذي رشح الجبالي لرئاسة الحكومة، وأعلن 3 أسماء أخرى لتقلد مناصب وزارية، من بينها، على وجه الخصوص: ترشيح سمير ديلو لوزارة الخارجية، إلى جانب التفكير في وزارتي الدفاع والعدل.

وعلى الرغم من أن أحمد نجيب الشابي، مؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي، أعلن، منذ مدة، عدم مشاركة حزبه في الحكومة إلى جانب حزب النهضة، فإن عصام الشابي، الأمين العام المساعد للحزب صرح بأن الحزب مستعد لتقديم مقترحات والتفاعل مع الحزب إذا اتصلت به قيادة الحزب، وهو ما قد يعتبر تغييرا في سياسة الحزب، وتعاطيه مع الواقع السياسي الجديد بعد أن أعلن هزيمته في انتخابات المجلس التأسيسي التي أجريت منذ نحو أسبوع. ويتنافس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية مع حزب النهضة على وزارتي الداخلية والعدل، ويرى «المؤتمر» أن هاتين الحقيبتين لهما حساسية خاصة بالنسبة للتوجه العام في تونس، وأن الاستقرار السياسي والأمني لا يمكن أن يكتب لهما النجاح دون احترام كامل لحقوق الإنسان والقيام بالإصلاحات الضرورية التي لا بد أن تمس المؤسسة الأمنية والجهاز القضائي.

ويرى المحلل السياسي جمال العرفاوي أن الأحزاب السياسية قد تتفق على الإبقاء على الحبيب الصيد، وزير الداخلية الحالي، في منصبه بعد نجاح المؤسسة الأمنية في تأمين العملية الانتخابية الأخيرة، وضمان حيادها لأول مرة تجاه الفرقاء السياسيين، كما أن تعاطي الوزارة مع الاحتجاجات الاجتماعية السلمية قد غيَّر من طباعها، وأن الإصلاحات الهيكلية التي تم الإعلان عنها قد تكون بدأت تعطي أكلها. ويدعو حزب النهضة (90 مقعدا) إلى تشكيل «حكومة ائتلاف وطني»، ويؤيده في ذلك حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (30 مقعدا). في المقابل، يدعو حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (يسار، 21 مقعدا) إلى «حكومة مصلحة وطنية».

ودعا حزب التجديد (الشيوعي سابقا) إلى «حكومة كفاءات وطنية من خارج الأحزاب». ويتجه هذا الأخير إلى تشكيل معارضة المرحلة المقبلة مع الحزب الديمقراطي التقدمي (وسط يسار)، وحزب آفاق تونس (ليبرالي).

وبعد انقضاء أجل الطعون في نتائج الانتخابات، سيدعو الرئيس التونسي المؤقت فؤاد المبزع المجلس التأسيسي المنتخب إلى الاجتماع. ويتولى المجلس التأسيسي اختيار رئيسه ونائبيه، والاتفاق على نظامه الداخلي ونظام مؤقت لإدارة الدولة، كما يعين رئيسا مؤقتا جديدا محل المبزع، الذي كان قد أعلن انسحابه من العمل السياسي. وبعد ذلك، يكلف الرئيس المؤقت الجديد من تتفق عليه الغالبية في المجلس بتشكيل حكومة جديدة للمرحلة الانتقالية الثانية منذ الإطاحة بنظام بن علي.

إلى ذلك، تركز المنابر الإعلامية في تونس على منصبي رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وتطرح الكثير من السيناريوهات والتسريبات بشأن الحقائب ومن قد يتولاها، لكنها تكاد تمر مرور الكرام على أبرز مناصب المرحلة الانتقالية الثانية، أي رئيس المجلس التأسيسي.