نتنياهو يواجه حملة الاحتجاج الداخلية بقصف غزة

الجيش يريد الميزانية.. ورئيس الحكومة ووزراؤه يريدون الحرب

TT

التدهور الأمني في الجنوب، كان بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وحكومته، مطابقا لما يقوله المثل عندنا: «العتمة جاءت على قد يد الحرامي».

فهذه الحكومة تعيش، حاليا، في زهو بالغ، بفضل «عدة إنجازات» حققتها، ولكنها في الوقت نفسه تواجه أخطارا غير قليلة. الزهو ناجم عن تنفيذ صفقة شاليط، التي رفعت شعبيتها إلى أرقام خيالية. وحسب آخر استطلاعات الرأي، تحظى الحكومة اليوم بقمة التأييد الشعبي لها، فيما المعارضة، بقيادة تسيبي ليفني، تنهار وتخسر 40 في المائة من قوتها. الولايات المتحدة تبدو عاجزة عن ممارسة ضغوط جدية عليها في الموضوع الفلسطيني، مما جعل الحكومة تبادر إلى عدة مشاريع استيطان إضافية. ووزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، يشن هجوما عدائيا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويتهمه بأنه العقبة أمام مفاوضات السلام، ويعرب عن رغبته في التخلص منه، ويقول إنه يجب أن يستقيل ويغيب عن الساحة السياسية. ونتنياهو ومعه إيهود باراك، يديران حملة لجمع التأييد لتوجيه ضربة عسكرية على إيران.

الأمر الوحيد الذي يخنق هذه الحكومة هو قرار شباب ثورة الخيام بأن يستأنفوا حملتهم الاحتجاجية من أجل العدالة الاجتماعية. فدعوا إلى مظاهرة قالوا إنهم يريدون لها أن تكون ضخمة مثل مظاهرة الشهر الماضي، التي شارك فيها أربعمائة ألف مواطن، وبدأت النقابات تستعد لإضراب عام يشل الاقتصاد.

فهذه الحملة، هي التي تقض مضاجع نتنياهو ووزرائه منذ انطلاقتها قبل ثلاثة أشهر. فقد استقطبت جماهير واسعة من جميع الأطياف السياسية. والحلول التي اقترحها نتنياهو لإسكات هذه الحملة رفضت جميعها من طرفهم، وهم يطالبونه بتغيير جذري للسياسة الاقتصادية والاجتماعية يتم عن طريق إلغاء ميزانية الدولة المقررة، وبناء موازنة جديدة تعكس التغيير المنشود.

نتنياهو يشعر بأن السبيل الوحيد لإجهاض هذه الحملة هو في «الهرب إلى الحرب»، كما فعل من قبله رؤساء حكومات سابقون. ولكنه يواجه رفضا للحرب من الجيش وغيره من الأجهزة الأمنية. فهناك يقررون الحرب وفقا لحسابات أخرى وليس لحسابات حزبية. وأهم هذه الحسابات، كيف سيواجهون لجنة التحقيق المقبلة. فقد أطاحت لجان التحقيق، في الماضي، برؤساء أركان الجيش لتحميلهم مسؤولية الفشل. وعندما يجري الحديث عن حرب على إيران البعيدة، يريدون أن تكون حربا مشتركة مع الولايات المتحدة وليس حربا تقتصر على إسرائيل. ويوضحون أن الحرب المقبلة ستكون شاملة في المنطقة.

ويدور النقاش علنيا في الشارع الإسرائيلي حول أخطار هذه الحرب، حاليا، خصوصا بعد أن اقتنع الجيش بأن نتنياهو وباراك قررا العمل على إطلاق شرارة هذه الحرب في أقرب وقت ممكن. فهذه الحرب هي السبيل الوحيد لصد موجة الاحتجاج، فضلا عن أنها تحقق لنتنياهو ولليمين ولتجار الحروب الكثيرين في إسرائيل أهدافا أخرى. وقد ثبت هذا الأمر عدة مرات في الأشهر الثلاثة الماضية، أبرزها خلال الهجوم المسلح الذي نفذته عناصر مصرية قرب إيلات في شهر أغسطس (آب) الماضي. ففي حينه أعلن شباب ثورة الاحتجاج عن تجميد نشاطاتهم. وعند صفقة شاليط توقفت كل أعمال الاحتجاج ولم تعد تذكر في الصحف بسطر واحد.

وقد أعيد تكرار هذه التجربة هذا الأسبوع. فعندما حصل التدهور الأمني، بقي الجمهور في البيوت. والمظاهرة التي دعا إليها شباب الاحتجاج، وكان مقررا لها أن تستقطب على الأقل 100 ألف متظاهر، بدت مظاهرة غير ناجحة وشارك فيها أقل من 20 ألف شخص. والنشاطات التي كانت مقررة ليوم أمس في الجنوب، وبينها مظاهرة كبيرة في بئر السبع بمشاركة نقابة الأطباء، تم تجميدها بسبب القصف الصاروخي. ووسائل الإعلام المتعاطفة جدا مع حملة الاحتجاج، اضطرت إلى إنزال الموضوع عن قمة الأبحاث، ليحتل مكانه موضوع التدهور الأمني. فهذه هي إسرائيل، الموضوع الأمني يتغلب على كل المواضيع الأخرى. ونتنياهو مثل رؤساء الحكومات الآخرين، يعرف هذه الحقيقة ويستغلها حتى النخاع، رغم أنه في معظم الحالات لم تكن هناك محفزات أمنية حقيقية. فما أن أطلق رجال «الجهاد الإسلامي» صاروخا، حتى سارعت قوات الجيش إلى الرد على طريقة «الصاع صاعين»، وتدهورت الأوضاع بشكل حاد.

وجنبا إلى جنب مع هذه الجهود، يسعى نتنياهو إلى تجنيد الجيش إلى أجندته أيضا. فهو كان قد قرر تقليص الميزانية العسكرية بنحو 2.3 مليار دولار في غضون سنتين. والجيش يعارض ذلك ولكنه لا يستطيع منع الحكومة، وسبيله الوحيد هو أن يشعل الجبهة العسكرية، حتى تتخلى الحكومة عن نيتها في التقليص.

فهكذا، استغل الطرفان صاروخ «الجهاد الإسلامي»، ليحقق كل منهما قسطا من أجندته الذاتية. الجيش يريد الميزانية.. ونتنياهو ووزراؤه يريدون الحرب وصد حملة الاحتجاج.