مخاوف تنتاب المصريين من عودة القبضة الأمنية الدامية

بعد مقتل مواطن برصاص الشرطة وملابسات وفاة سجين في «طرة»

TT

«الظاهر إن اللي فيه داء مش هيبطله».. هكذا قال مصطفى عبد الله ويعمل تاجرا، تعليقا على مقتل شاب برصاص ضابط شرطة مصري في مدينة الشيخ زايد (نحو 24 كيلومترا جنوب غربي القاهرة). وأضاف عبد الله «الشرطة بعد أن توارت خجلا من أفعالها قبل وأثناء ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، عادت لنفس الممارسات وبقوة. مقتل هذا الشاب ليس الدليل الوحيد، فقد سبقه مقتل شاب في سجن طرة جراء التعذيب، إضافة إلى حوادث مشابهة كثيرة».

عبد الله كان يشاهد برنامجا يعرض لواقعة مقتل الشاب معتز أنور سليمان الذي قتله ضابط شرطة بدون سبب ظاهر حتى الآن.

شهود العيان قالوا إن الشاب القتيل كان يستقل سيارته برفقة اثنين من أصدقائه فجرا عندما اعترضت سيارة شرطة طريقه، وترجل منها شخصان يرتديان ملابس مدنية وطلبا منه تراخيص السيارة فطلب منهما إثبات الشخصية لأنهما يرتديان ملابس مدنية، فأطلق أحدهما النار على السيارة من الأمام فحاول معتز الهرب إلا أن الضابط أطلق الرصاص بشكل مكثف على السيارة فقتل معتز وأصاب أحد أصدقائه.

وأضاف شهود العيان بقولهم إن الضابطين قاما بنزع اللوحات المعدنية للسيارة وألقاها أحدهما في الصحراء القريبة من موقع الحادث، إلا أن خفيرا عثر عليها وسلمها للنيابة، وحمل الضابطان جثة القتيل إلى مستشفى قريب وتركاه في الاستقبال، بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة، وبعد قليل تجمع عشرات الأشخاص وأحرقوا سيارة الشرطة التي كان يستقلها الضابطان.

وفيما حررت أسرة معتز وأصدقاؤه محضرا يتهم الضابطين بقتل معتز، حرر الضابطان محضرا آخر قالا فيه إنهما اشتبها في سيارة مسرعة تسير بدون لوحات معدنية وفشلا في استيقافها وبعد مطاردة اضطرا لإطلاق النار عليها.

وتقول أسرة معتز إن محامي أحد الضابطين طلب إحالته لمستشفى الأمراض العقلية والنفسية لبيان سلامة قواه العقلية والنفسية.

ورغم أن اللواء مروان مصطفى المتحدث باسم وزارة الداخلية المصرية قدم اعتذارا لأسرة الشاب القتيل، فإن الأسرة رفضت تقبل عزاء الشرطة في ابنها، ودعت إلى وقفة احتجاجية مساء اليوم (الثلاثاء) في مدخل مدينة الشيخ زايد.

حادث مقتل معتز ليس الوحيد خلال الأسبوع الماضي، فالسجين عصام عطا الذي يقضي عقوبة السجن لمدة سنتين لفظ أنفاسه داخل سجن طرة، بطريقة أعادت إلى أذهان المصريين واقعة مقتل الشاب السكندري خالد سعيد الذي حكم على شرطيين سريين الأسبوع الماضي بالسجن لمدة 7 سنوات بتهمة استعمال القسوة أثناء القبض عليه مما أدى إلى وفاته.

وتحدث نشطاء عن تشابه طرق التعذيب قبل الثورة وبعدها، في إشارة إلى ارتباط مقتل سعيد في 2010 وعطا قبل أيام، بقول الشرطة إن السبب هو المخدرات، رغم نفي مصدر بوزارة الداخلية تدخل الشرطة في طريقة مصرع عطا.

وأصيب عطا بقيء دموي تعددت الروايات حول سببه. وتقول أسرة عطا إنه توفي نتيجة التعذيب داخل السجن لأن مسؤولي السجن ضبطوا معه شريحة هاتف جوال يتصل من خلالها بأسرته، وإنه تم تعذيبه بأن أدخلوا خرطوما للمياه في فمه وآخر في فتحة الشرج مما أدى إلى وفاته، إلا أن تقرير الطب الشرعي أكد عدم تعرض عصام لأي نوع من التعذيب، وقال إن سبب الوفاة يرجع لـ«ابتلاع» عصام لفافتين إحداهما تحتوي على مخدر الحشيش والأخرى تحتوي على 10 كبسولات من دواء مخدر (الترامادول)، وهي اللفافة التي تمزقت فتفاعلت الكبسولات الدوائية في معدته وأصابته بتسمم دوائي. إلا أن الداعية الإسلامي أبو يحيى المتهم في قضية أحداث إمبابة الطائفية، والذي يقضي فترة الحبس الاحتياطي بسجن طرة أيضا، كشف في تسجيل مصور أذاعه موقع جريدة «الوفد» الإلكتروني، عن أن السجناء يتعرضون لتعذيب من قبل إدارة السجن، عن طريق إجبار السجناء على شرب مياه مخلوطة بمسحوق غسيل عقب عودتهم من الجلسات القضائية ليجبروهم على القيء وإفراغ محتويات المعدة خوفا من أن يكون السجناء قد ابتلعوا أي نوع من أنواع المخدرات خلال وجودهم في المحاكم.

وقال أبو يحيى إنه عندما اعترض على هذه الممارسات وحرض السجناء على رفضها، عزلته إدارة السجن في عنبر الخطرين، مع عدد من المدانين بالقتل والتجسس.

من جهته، نفى مصدر أمني بمصلحة السجون ما يردده بعض نشطاء حقوق الإنسان وأسرة عطا بشأن تعذيبه، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «الأساليب القديمة التي كانت سائدة في وزارة الداخلية لن تعود»، معتبرا أن اتهام مسؤولي السجن بتعذيب عطا ما هو إلا نوع من الأحكام المسبقة.

وأضاف «تقرير الطب الشرعي أظهر الحقيقة، وهي أن جسد القتيل خال من أي علامات أو آثار للتعذيب وهو ما يبرئ ساحة ضباط السجن من تهمة التعذيب»، مشيرا إلى أن السجناء عادة ما يبتلعون كميات من المخدرات بعد تغليفها جيدا خلال الزيارات أو حضورهم جلسات المحاكمة، ثم يتقيأون عند عودتهم لإخراجها وبيعها داخل السجن، وتابع: «تقرير الطب الشرعي أثبت أن هذا هو سبب الوفاة».

ويعتبر مقتل الشاب السكندري خالد سعيد في شهر يونيو (حزيران) عام 2010 إحدى الشرارات الرئيسية التي اندلعت بسببها ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، إذ حاول شرطيان سريان القبض على خالد سعيد خلال وجوده في أحد مقاهي الإنترنت، واستخدما القسوة والعنف معه مما أدى إلى وفاته، وقالت الشرطة إنه توفي نتيجة الاختناق إثر محاولته ابتلاع لفافة بها مخدر البانجو، وأظهر آخر تقرير للطب الشرعي أن اللفافة وضعت في حلقه وهو فاقد الوعي بعد ضربه.