السلطان قابوس يفتتح مجلس عمان

دعا إلى محاربة الفساد وإصلاح التعليم وتشجيع لغة الحوار ونبذ العنف

السلطان قابوس لدى افتتاحه المجلس العماني (أ.ف.ب)
TT

أكد السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، أن قوانين الدولة وأنظمتها كفلت لكل عماني التعبير عن رأيه والمشاركة بأفكاره البناءة في تعزيز مسيرة التطور التي تشهدها البلاد في شتى الميادين. كما أكد على إيمانه الدائم بأهمية تعدد الآراء والأفكار وعدم مصادرة الفكر. وذلك في إشارة منه إلى الأوضاع والمظاهرات التي شهدتها بلاده في فبراير (شباط) الماضي دون أن يسميها.

وأوضح السلطان قابوس في كلمته أمس في افتتاح الفترة الخامسة لمجلس عمان الذي يتكون من مجلس الدولة المعين ومجلس الشورى المنتخب لعام 2011 بحصن الشموخ بولاية منح بمحافظة الداخلية، أن «حرية التعبير لا تعني بحال من الأحوال قيام أي طرف باحتكار الرأي ومصادرة حرية الآخرين في التعبير عن آرائهم فذلك ليس من الديمقراطية ولا الشرع في شيء، فمواكبة العصر لا تعني فرض أي أفكار على الآخرين».

وقال إنه لا يمكن السماح باحتكار الرأي وفرضه على الآخرين ولا يمكن في الوقت ذاته السماح بالتطرف والغلو من جانب أي فكر كان، لأن في كل ذلك إخلالا بالتوازن الواجب بين الأمور الذي على أساس منه تتخذ القرارات الحكيمة التي تراعي مصالح الجميع، موضحا أن ديننا الحنيف يمتدح المؤمنين بقوله في محكم كتابه «وأمرهم شورى بينهم»، وهذا أيضا ما تقضي به قوانين العصر الذي نعيشه.

وأضاف «نحن نؤمن دائما بأهمية تعدد الآراء والأفكار وعدم مصادرة الفكر لأن في ذلك دليلا على قوة المجتمع وعلى قدرته على الاستفادة من هذه الآراء والأفكار بما يخدم تطلعاته إلى مستقبل أفضل وحياة أسعد وأجمل».

وقال السلطان في كلمته إن الشورى في بلاده أخذت «النهج المتدرج الذي اخترناه لإقامة بنيانها وإعلاء أركانها على قواعد ثابتة ودعائم راسخة تضمن لها التطور الطبيعي الذي يلبي متطلبات كل مرحلة من مراحل العمل الوطني وبما يستجيب لحاجات المجتمع ويواكب تطلعاته إلى مزيد من الإسهام والمشاركة في صنع القرارات المناسبة التي تخدم المصلحة العليا للوطن والمواطنين».

وأكد السلطان قابوس خلاله كلمته على أهمية القضاء على الفساد وأن على الأجهزة الرقابية أن تقوم بدورها المنوط بها حيال ذلك.

وأكد أن الفكر متى ما كان متعددا ومنفتحا لا يشوبه التعصب كان أقدر على أن يكون الأرضية الصحيحة والسليمة لبناء الأجيال ورقي الأوطان وتقدم المجتمعات وأن التشدد والتطرف والغلو على النقيض من ذلك، موضحا أن سياسة السلطنة قائمة على تحقيق التوازن في الحياة.

ودعا السلطان قابوس إلى السماحة وحسن المعاملة ونبذ الأحقاد ودرء الفتن والتمسك بالأعراف والقيم القائمة على الإخاء والتعاون والمحبة بين الجميع، وغرس هذه السجايا والقيم الرفيعة في نفوس النشء منذ نعومة أظفارهم في البيت والمدرسة والمسجد والنادي وغيرها من محاضن التربية والتثقيف، لحمايتهم من مهاوي الأفكار الدخيلة التي تدعو إلى العنف والتشدد والكراهية والتعصب والاستبداد بالرأي وعدم قبول الآخر وغيرها من الأفكار والآراء المتطرفة التي تؤدي إلى تمزيق المجتمع واستنزاف قواه الحيوية وإيراده موارد الهلاك والدمار.

وقال إن بناء الدولة العصرية التي تعهد بإقامتها اقتضى بذل جهود كبيرة في مجال إنشاء البنية الأساسية التي هي عماد التنمية الشاملة وركيزتها الأولى، وإن توفير هذه البنية في شتى ربوع السلطنة أتاح الفرصة للتطور العمراني ومهد لإقامة مشاريع اقتصادية وتجارية وصناعية ومنشآت تعليمية وثقافية وصحية واجتماعية متنوعة.

وأكد السلطان قابوس بن سعيد على أن كل أمة ترغب في الحياة عليها أن تشمر عن ساعد الجد وأن تعمل بلا كلل أو ملل وفي إخلاص وتفان وحب للبذل والعطاء مستغلة طاقاتها أو مهاراتها مستثمرة مواردها وإمكاناتها من أجل بناء حاضر مشرق عظيم والإعداد لمستقبل زاهر كريم.

كما أكد على الاهتمام المستمر بتنمية الموارد البشرية. وقال إن الإنسان هو حجر الزاوية في كل بناء تنموي وهو قطب الرحى الذي تدور حوله كل أنواع التنمية وإن غايتها جميعا هي إسعاد وتوفير أسباب العيش الكريم له وضمان أمنه وسلامته.

وقال السلطان قابوس إن المرحلة المقبلة سوف تشهد اهتماما أكبر ورعاية أوفر تهيئ مزيدا من الفرص للشباب من أجل تعزيز مكتسباته في العلم والمعرفة وتقوية ملكاته في الإبداع والإنتاج وزيادة مشاركته في مسيرة التنمية الشاملة، داعيا في كلمته إلى إجراء تقييم شامل للمسيرة التعليمية في بلاده من أجل تحقيق التطلعات والاستفادة من فرص العمل المتاحة في القطاعين العام والخاص.

وعن الأوضاع الخارجية، قال السلطان قابوس في كلمته «قد عرفت السلطنة دائما بانتهاجها سياسة واضحة المعالم تقوم على أساس التعاون مع الجميع وفق مبادئ ثابتة تتمثل في الاحترام المتبادل وتشجيع لغة الحوار ونبذ العنف في معالجة الأمور وصولا إلى مجتمعات يسودها التآخي والاستقرار مما يكفل للشعوب مواصلة مسيرتها التنموية وإنجاز أهدافها في التقدم والرخاء في مناخ يتسم بالأمن ويخلو من الاضطرابات ويشجع على تنفيذ الخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية وفقا للأولويات التي تقررها المصلحة العامة».

وأضاف: «ونحن في السلطنة وعلى الرغم من الأزمات التي تجتاح العالم وما تشكله من صعوبة في التنبؤ بحدودها ومداها الزمني وانعكاساتها السلبية على اقتصادات الدول، فإننا نسعى جاهدين للتقليل من تلك الآثار بانتهاج سياسات اقتصادية متوازنة حفاظا على ما تحقق من مكتسبات ودعما للخطط الإنمائية في مجالاتها المتعددة، عاقدين العزم على استكمال بنيان الدولة العصرية القائمة على أسس متينة تضمن لها استمرار تنمية الموارد الطبيعية والبشرية ونشر العلم والثقافة والمعرفة وتوفير الأمن والاستقرار وتوطيد قواعد العمل المؤسسي، مما يؤدي بعون الله إلى مزيد من النماء والرخاء والعيش الكريم لكل المواطنين».