مجموعة «احتلوا لندن» في مواجهة مع كاتدرائية سانت بولس بعد أسبوع من الإغلاق القسري

هيئات حكومية محلية تقوم بإجراءات قانونية لإجلاء محتجين

عميد كاتدرائية سانت بول غرايم نولز يخاطب المتظاهرين خارج الكاتدرائية في وسط لندن، بعدما واجه انتقادات بسبب التحركات لطرد المحتجين من معالم لندن (أ.ف.ب)
TT

من المتوقع أن يبدأ محامو كاتدرائية سانت بولس، التي صممها المهندس المعماري كريستوفر رين وتسيطر على الأفق في لندن، وهيئات حكومية محلية إجراءات قانونية خلال الأسابيع المقبلة لإخلاء محتجين استلهموا تحركهم الاحتجاجي من حركة «احتلوا وول ستريت». ولكن يواجه المحتجون في لندن عدوا غير معتاد: إنها الكاتدرائية. وقد ذكرت كاتدرائية سانت بولس في بيان لها يوم الجمعة: «للأسف أصبح من الضروري القيام بإجراء قانوني، وتقوم الكاتدرائية بهذه الخطوة بتردد كبير، وما زالت ملتزمة بالتوصل إلى حل سلمي».

ولم يستهدف المحتجون يوما المبنى البارز داخل لندن الذي عقد فيه قران الأمير تشارلس وديانا سبنسر عام 1981. ولكن عندما منعتهم الشرطة التي تحمي بورصة لندن، أقاموا مخيما في الكاتدرائية المجاورة.

وفي إشارة على الانقسامات الكبيرة داخل الكنيسة بشأن كيفية التعامل مع الاحتجاج، استقال كاهن كبير في الكاتدرائية يدعى غيلز فراسر هذا الأسبوع قائلا إنه يخشى من أن عمليات الترحيل قد تؤدي إلى «أعمال عنف باسم الكنيسة». واستقال قسيس يوم الجمعة، ويوم السبت أعربت أكثر من 20 شخصية دينية عن دعمهم خلال خطابات استمرت أكثر من ساعتين.

وعلى الجانب الآخر، دعا رئيس كاتدرائية سانت بولس المتظاهرين للتحرك سلميا. وعرض أسقف لندن، وهو ثالث أرفع عضو في الكنيسة الإنجليزية، مناظرة مع المتظاهرين إذا تفرقوا. وكتب أسقف كانتربري السابق جورج كيري في «ديلي تليغراف» أن الوضع أصبح كارثة تهدد بتقويض سمعة المسيحية.

وتأتي أخبار سعي الكنيسة ومؤسسة مدينة لندن، اللتين تمتلكان سويا الأرض الموجودة خارج سانت بولس، إلى استصدار أحكام قضائية قبل دقائق من إعادة فتح الكاتدرائية يوم الجمعة بعد إغلاقها لمدة أسبوع بسبب مخاوف مرتبطة بالصحة والأمان. وبعد أن أعاد المتظاهرون ترتيب شكل خيامهم، افتتحت أبواب الكنيسة ظهيرة يوم الجمعة وسط ترحيب كبير من المتظاهرين، وكان البعض منهم يقف إلى جوار لافتة كتب عليها «ماذا سيفعل المسيح؟» وما زالت قبة الكاتدرائية وصالات العرض فيها مغلقة بسبب مخاوف من الإخلاء.

ويقول نشطاء إن قرار إغلاق كاتدرائية سانت بولس، التي يقال إنها خسرت أكثر من 150000 دولار في صورة تبرعات، كان مفاجئا. وكانت آخر مرة أغلقت فيها الكنيسة خلال الحرب العالمية الثانية – رغم أنه كان حينها لمدة 4 أيام.

ويقول أليكسي إلفنبين (23 عاما)، وهو موسيقي حر: «لا يعرف أحد لماذا أغلقوا الكاتدرائية. ربما حدث ذلك الأمر تحت ضغوط سياسية». وأضاف إلفنبين: «يرغب الجميع في أن يقول إننا كلفناهم الكثير من المال. ولكن: لا. إنهم من كلفوا أنفسهم الكثير من المال. ولم نقم بشيء غير أننا منحناهم المزيد من السياحة».

وقد تستمر هذه المواجهة، حيث تقول سلطات إن الإجراءات القضائية قد تستغرق عدة أشهر. وفي هذه الأثناء تبدي مدينة الخيام المتعددة الألوان إشارات على أنها تستوطن المكان. ولدى المجموعة مكتبة وخيمة شاي وخيمة للصلاة وسوق ملابس وصحيفة يطلق عليها «أوكيوبيد تايمز أوف لندن» و«جامعة مدينة الخيام». ويقول عامل بأحد المطابخ إنه يطعم نحو 500 شخص كل يوم.

وفي أول تعليق له على الأمر قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يوم الجمعة: «لا أفهم لماذا يجب أن تشمل حرية التظاهر حرية وضع خيمة في أي مكان ترغب فيه داخل لندن». ويشكك البعض في عدد المحتجين الذين يظلون موجودين على مدار الساعة، ويستخدم صحافيون كاميرات متطورة حساسة للحرارة لتصوير عدد الخيام التي بها شيء يشع حرارة في منتصف الليل.

وجاء عنوان بالصفحة الأولى من «تايمز أوف لندن» يقول: «سانت بولس، الساعة 11:12 مساء، خيمة واحدة بها أحد»، وأرفق مع العنوان صورة لخيام مظلمة ووهج حراري برتقالي يشع من خيمة واحدة فقط وسط الكثير من الخيام. ورد المتظاهرون بمقطع فيديو أعد لإثبات أن الكاميرات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء غير قادرة على رصد أجسامهم داخل الخيام.

ويخشى البعض من أن يكون العالم بصدد أن يشهد تصاعدا مستمرا في الغضب والاحتجاج والتوترات السياسية التي ربما تستمر سنوات أو حتى عقودا، وقال جاك غولدستون أستاذ السياسة العامة بجامعة جورج ميسون في العاصمة الأميركية واشنطن وهو خبير في علم السكان «قد تظل هذه الأحوال معنا لفترة طويلة».

وأضاف: «هناك جيل ضج من أن تملي عليه الدول الغنية الغربية أو أثرياء الغرب ما عليه أن يفعله. في مصر أسقطوا حكومة لكنهم قد لا يعجبهم من حل محلها وربما يسقطونها أيضا. ستكون فترة صعبة».

وقالت واحدة من المحتجين تدعى جين مكينتاير لـ«رويترز»: «الناس يقولون إن صبرهم نفد.. نريد ديمقراطية حقيقية وليست ديمقراطية قائمة على مصالح الشركات الكبرى والنظام المصرفي».

وكان احتجاج لندن واحدا بين سلسلة من الحركات المماثلة التي شهدتها مناطق مختلفة من العالم وكان أكبرها في روما حيث اشتبك متظاهرون مع شرطة مكافحة الشغب.

وكان وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ قد قال: إن لديه قدرا من التعاطف مع الناس الذين يشعرون باستياء من المشكلات الاقتصادية العالمية. وقال لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي):« لكن الاحتجاج لن يكون الحل. الحل هو سيطرة الحكومات على ديونها وعجزها. يؤسفني القول: إن الاحتجاج في الشوارع لن يحل المشكلة».

وقالت متحدثة باسم المحتجين إن شرطة لندن التي اتهمها المحتجون باستخدام القوة المفرطة خففت من وجودها في موقع الاعتصام بناء على طلب من أحد رجال الدين بالكاتدرائية.

وقالت الشرطة إنها ستتابع كيفية تطور الاحتجاجات ورفضت التعقيب على ما إذا كانت ستتخذ أي إجراء لإزالة خيام الاعتصام.

وشارك مئات الآلاف في تجمع نظمته النقابات العمالية في مارس (آذار) احتجاجا على إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة الائتلافية في حين شارك آلاف الطلبة في الاحتجاجات على خطط لرفع رسوم الدراسة الجامعية في العام الماضي. وانتهت تلك المظاهرات بأحداث فوضى وعنف.

وفي العالم الغربي أسفرت الأزمة في البداية عن احتجاج مظاهره المادية أقل مما توقع كثيرون. لكن الأمر يبدو في تصاعد. فقد شهدت اليونان وإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا بعضا من أسوأ الاضطرابات منذ عشرات السنين.