مقتل «المئات» من متمردي الحركة الشعبية في معارك مع الجيش السوداني

مواجهة بين البشير وزعيم حزب معارض.. ومظاهرات في كسلا والمعارضة تلوح بإسقاط النظام

المتحدث باسم الجيش السوداني خلال مؤتمر صحافي (رويترز)
TT

أعلن والي جنوب كردفان، أحمد هارون، أن المئات من متمردي «الحركة الشعبية - فرع شمال السودان» قتلوا أمس، في معارك مع الجيش السوداني اندلعت إثر هجوم شنه المتمردون على مدينة تلودي، شرق عاصمة الولاية التي تدور فيها منذ أشهر مواجهات بين الحكومة السودانية والمتمردين.

وقال هارون للصحافيين: «إن المئات من جنود الحركة الشعبية قتلوا اليوم (أمس) في هجومهم على مدينة تلودي الذي صدته القوات المسلحة»، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أمس.

وكان العقيد الصوارمي خالد سعد، المتحدث باسم الجيش السوداني، قد قال أمس: «إنه صباح اليوم (أمس) حاول المتمردون مهاجمة مدينة تلودي بأكثر من 700 مقاتل و12 ضابطا، بهدف الاستيلاء عليها».

وأضاف العقيد سعد أن «القوات المسلحة كانت ترصد وتتابع، وانتظرت هؤلاء الغزاة الذين جاءوا إليها من ثلاثة محاور، بمعدات وآليات كبيرة وكثيرة، ولكن في ظرف ساعة تمكنت القوات المسلحة والدفاع الشعبي (قوات شبه نظامية) والخدمة الوطنية، من صد هذا الهجوم ودحره تماما، ومنيت قوات التمرد بخسائر كبيرة في الأرواح والمعدات». وتابع: «شهد هذا الأسبوع تزايدا في نشاط الجيش الشعبي في جنوب كردفان».

ولم يحدد العقيد سعد عدد القتلى أو الجرحى الذين سقطوا في أي من الجانبين.

من جهته، قال قمر دلمان، المتحدث باسم الحركة الشعبية، في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الفرنسية، أمس: «هاجمنا مدينة تلودي بعدد 600 جندي من ثلاثة محاور، وسيطرنا على معسكر للقوات الحكومية في منطقة الخزان الواقع غرب المدينة، وما زالت المعارك تدور في معسكرين آخرين للقوات الحكومية في المدينة، وغير صحيح أنه قتل منا المئات».

وأضاف: «استخدمت القوات الحكومية الطيران الذي لم يستطع الاقتراب من القوات العسكرية، فقام بقصف مناطق المدنيين، ما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين».

وتدور مواجهات بين الحكومة السودانية ومتمردي «الحركة الشعبية - فرع شمال السودان» في ولاية جنوب كردفان المتاخمة لحدود السودان مع دولة السودان الجنوبي منذ الخامس من يونيو (حزيران) الماضي.

وكان الكثير من السكان الأصليين لجنوب كردفان من قبائل النوبة قاتلوا في صفوف المتمردين الجنوبيين أثناء الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه (1983 - 2005).

من جهة أخرى، يزداد تصاعد التوتر في السودان منذ إعلان استقلال دولة الجنوب في يوليو (تموز) الماضي، مما أدى إلى مواجهة بين الرئيس السوداني، عمر البشير، ورئيس الحزب الاتحادي الأصل، محمد عثمان الميرغني، في اجتماع مشترك بينهما الأسبوع الماضي، حسب تسريبات صحافية في الخرطوم، في الوقت الذي فشل فيه حزب المؤتمر الوطني الحاكم في استقطاب قوى المعارضة، خاصة الحزبين الكبيرين: الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي، والاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة الميرغني، اللذين رفضا المشاركة في الحكومة الجديدة، أعلنت قيادات في الحزب الحاكم عزمها على دفع مذكرة إلى البشير يطالبونه بتشكيل الحكومة بشكل سريع، باعتبار أن المفاوضات مع قوى المعارضة وصلت الحد، في غضون ذلك لوحت المعارضة بأنها ستقود تغيير حكم البشير من الشارع، أسوة بالربيع العربي.

ونقلت صحيفة «الأخبار» الصادرة في الخرطوم أمس، عن الرئيس السوداني، عمر البشير، قوله إنه أبلغ رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، محمد عثمان الميرغني، أن دخول حزبه في الحكومة المقبلة رهين بحسم وضع نائب رئيس الحزب، علي محمود حسنين، الذي يتخذ من لندن منفى اختياريا له، والقيادي التوم هجو. وقال البشير للميرغني، بحسب الصحيفة: «لقد تحدثت إلى الميرغني شخصيا في موضوع حسنين وهجو، كما أبلغت قيادات حزبي بأنه لا يستقيم عقلا أن يكون لدينا حزب يشغل بعض قياداته مناصب دستورية في الدولة، وفي ذات الوقت تتنقل قيادات أخرى في الخارج تدعو وتحشد لإسقاط النظام». وأضاف أنه رفض تبريرات الميرغني بشأن حسنين.

وأضاف: «على الميرغني وحده أن يختار الآن بين التبرؤ مما يدعو إليه حسنين في لندن، والانضمام إلى الحكومة إذا أراد، أو الانحياز لما يدعو له نائبه حسنين حتى تتمايز الصفوف»، مشيرا إلى أن الشيء ذاته على القيادي في الحزب الاتحادي، التوم هجو، الذي كان يشغل منصب مستشار مالك عقار، والي النيل الأزرق المقال رئيس الحركة الشعبية في الشمال.

على صعيد آخر، أعلن الدكتور الحاج آدم يوسف، نائب الرئيس السوداني الأمين السياسي للمؤتمر الوطني الحاكم، أن الأمانة السياسية ستدفع بتوصية إلى البشير تطالب بتشكيل الحكومة بعد أن وصلت المفاوضات مع القوى السياسية المعارضة إلى الحد، مؤكدا أن حزبه لن يستمر إلى ما لا نهاية في حواره مع القوى السياسية بشأن تشكيل الحكومة الجديدة التي كان يفترض أن تعلن بعد انفصال الجنوب في يوليو (تموز) الماضي.

وقال آدم لدى مخاطبته المؤتمر التنشيطي للمؤتمر الوطني في ولاية القضارف شرقي البلاد: «لقد دعوناهم بصدق، وما زلنا ندعوهم لوضع أيدينا بعضها في بعض، وإذا رفضوا فإن المسيرة ستستمر». وقال إن حزبه بذل غاية ما يستطيع في الاتصال مع القوى المعارضة، ودعاها بعد انفصال الجنوب للمشاركة في إدارة البلاد ووضع دستور دائم، والاتفاق على موعد لتحديد الانتخابات المقبلة، متهما جهات خارجية، لم يسمها، بأنها حرضت المعارضة على عدم المشاركة في الحكومة في المرحلة المقبلة، باعتبار أن ذلك يقوي المؤتمر الوطني، واستنادا إلى الثورات العربية. وقال إن كل القوى السياسية التي حاورت حزبه التزمت بالشريعة كمنهج للحكم، وإن حزبه لا يخشى النوازل بقدر ما يخاف معصية الله، وقال: «لم نفاوض القوى السياسية نتيجة ضعف أو خوف من خطر يداهم».

من جانبه جدد الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة المعارض، الذي يزور القاهرة هذه الأيام، عدم مشاركة حزبه في الحكومة التي يسعى المؤتمر الوطني الحاكم إلى تشكيلها، وقال إن الحكومة المزمع تشكيلها ليست حلا لمشكلات السودان، وإنها ستولد ميتة. وأضاف: «لأنها لن تعدو أن تكون استنساخا للوضع الحالي»، لكنه توقع تغيير الأوضاع الحالية في بلاده بعد أن وصف الحالة بأنها وصلت إلى حافة الهاوية، محذرا من أن التغيير إن لم يتم بصورة سلمية، فإنه سيحدث بوسائل خشنة، وستكون تداعياتها خطيرة على السودان، وقد تؤدي إلى تشظيه وتدويل شؤونه، كما حدث في يوغوسلافيا السابقة. وقال إن المخرج بهندسة نظام جديد تشارك فيه كل القوى السياسية والجماعات المسلحة من أجل حل مشكلة دارفور، التي قال إن اتفاق الدوحة لم يحلها، إلى جانب إيجاد علاقات سلمية مع دولة السودان الجنوبي، والتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، معتبرا توحيد القوى المسلحة في ظل استقطاب إثني حاد، سيؤدي إلى استنساخ الوضع الذي كان في روندا وبورندي، الدولتين الأفريقيتين اللتين شهدتا حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي. وقال إن سيناريو الانتفاضة الشعبية يدعمه حجم البطالة الذي يصل إلى مليون نسمة، ومعدلات الفقر المرتفعة. وأضاف: «وهو ما يجعل السودان مؤهلا للتغيير بشدة مثل دول الربيع العربي».

وكانت قوى المعارضة السودانية قد لوحت، أمس، بأنها ستخرج إلى الشارع لتغيير النظام الحاكم، وأنها لن تتفاوض مع المؤتمر الوطني حول تشكيل الحكومة الجديدة، مطالبة بإطلاق سراح 200 من المعتقلين السياسيين، ووقف المضايقات على كوادرها، وقال عضو اللجنة القانونية في تجمع قوى الإجماع الوطني التي تقود المعارضة، كمال عمر، في مؤتمر صحافي، إن لجنته ستلجأ إلى المؤسسات القانونية الرسمية، ومنظمات المجتمع المدني، مستنكرا صمت المجتمع الدولي عما وصفه بانتهاكات حقوق الإنسان في السودان.

وكان شهود عيان قد نقلوا إلى وسائل الإعلام أن مئات من الطلبة نظموا مظاهرة معارضة للحكومة في مدينة كسلا، في شرق السودان، أول من أمس، محتجين على الفقر وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهتف المتظاهرون ضد الحكومة، وسبق أن شهدت المدينة احتجاجات مماثلة في الأسبوعين الأخيرين قبيل زيارة البشير وضيفيه: أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والرئيس الإريتري، اسياس افورقي، لافتتاح طريق قاري يربط السودان بإريتريا.