فوز «الديمقراطية» في تونس يسكت الليبراليين

راشد الغنوشي: الحركة لا تريد أن تحول التونسيين إلى منافقين عبر تظاهرهم بما لا يفعلون

شاب يتوسط مجموعة من المحتجين الذين خرجوا أمام مقر الهيئة العليا للانتخابات احتجاجا على نتائجها الأولية في تونس الثلاثاء الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

رغم فرح مناصري «النهضة» بفوزهم الكاسح في انتخابات المجلس التأسيسي التي دارت في تونس في الـ23 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فقد أثار فوز الحزب الإسلامي الذي يتزعمه راشد الغنوشي الكثير من التساؤلات لدى التونسيين حول عدة مسائل، أهمها حرياتهم الشخصية، ومجال حرية المرأة، وكيفية عمل القطاع السياسي مستقبلا. لكن الأجواء التي تميزت بها الانتخابات من نزاهة وعدم وجود تجاوزات ومخالفات تذكر جعلت الكثير من الذين يحملون أفكارا تتناقض مع توجهات «النهضة» وخصوصا الليبراليين يلتزمون الصمت، معبرين عن قبولهم بنتائج «الصندوق» و«إرادة الشارع التونسي».

وتبرر الأوساط المتحررة مخاوفها بأن الحزب الذي فاز بـ90 مقعدا من المجلس الذي يبلغ عدد مقاعده 217 «يعلن شيئا ويخفي أشياء»، حسب ما يقوله نشطاء في مجال حقوق المرأة ومبدعون، وأنه بعد الانتخابات سيسعى المتشددون إلى فرض إسلام أكثر أصولية داخل المجتمع التونسي العلماني والمدني. وسبق وأن حذرت الحركات النسائية العلمانية في عدة مناسبات من أنها ستقود معارضة شرسة ضد الحزب إذا ما سعى يوما للحد من حقوق المرأة التونسية التي تعتبر الأكثر تحررا في العالم العربي والإسلامي.

وتطرح في تونس بعد فوز «النهضة» الكثير من التساؤلات حول حقوق المرأة ومكاسبها، فقد تميزت المرأة التونسية ومنذ السنوات الأولى لقيام الجمهورية وخروج البلاد من الاستعمار بتحررها وحصولها على الكثير من القوانين التي دعمها الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، وعززها نظام بن علي السابق.

ويحاول راشد الغنوشي وعدد من قياديي النهضة منذ انطلاق الحملة الانتخابية وحتى بعد فوز حزبهم طمأنة الشعب التونسي، وكرر زعيم الحزب في مناسبات متتالية أن عمل حزبه «يقوم على مبدأ الحرية في الفكر والعقيدة واللباس والتعبير».

وقد أكد الغنوشي في مختلف تصريحاته أن الحركة لن تكره أي أحد على ارتداء الزي الإسلامي، وأنها وكما قال في حوار تلفزيوني مع قناة «حنبعل» الخاصة: «لا تريد أن تحول التونسيين إلى منافقين عبر تظاهرهم بما لا يفعلون». وأضاف في نفس الحوار أنه من حق التونسي والتونسية أن يلبسوا ما يشاءون وأن يمارسوا حياتهم بالشكل الذي يرونه مناسبا لهم «لأن تلك أمور شخصية».

كما تحدث الغنوشي في ندوة صحافية عقدها مؤخرا في تونس عن «التزام تونس بتثبيت انتمائها إلى محيطها المغاربي والعربي والإسلامي، وبتعزيز روابطها مع الاتحاد الأوروبي كشريك استراتيجي، ومع صديقتها الولايات المتحدة الأميركية، وباحترام تعهدات تونس مع الاتفاقيات الدولية، وبدعم الأمن والسلم العالميين».

ويطمئن الغنوشي وبشكل مستمر التونسيين إلى أن القطاع السياحي سيحظى باهتمام كبير في برنامج حركة النهضة، ويتخوف التونسيون من وضع ضوابط لهذا القطاع قد تجعله يتراجع، وهو القطاع الأكثر أهمية في البلاد من ناحية توفير مواطن الشغل وتوفير العملة الصعبة.

ويعتبر الملاحظون أن حزب النهضة قد مثل القوة السياسية الأكثر تنظيما في تونس. وقد فاجأ الجميع بأنه جمع مناصريه وتمكن من تنظيم صفوفه في وقت قياسي لم يتجاوز تسعة أشهر.

وتقوم حركة النهضة بمشاورات مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الوسطي، وحزب التكتل من أجل العمل والحريات اليساري، وهي الأحزاب التي احتلت المرتبتين الثانية والثالثة بعد «النهضة»، لتشكيل الحكومة الائتلافية وتكوين حلف موحد داخل المجلس التأسيسي. ورغم اختلاف الآيديولوجيات بين الأحزاب الثلاثة فإن زعماءها أبدوا استعدادا للتعاون في ما بينهم.

وقال المرزوقي زعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية إن الحوار الدائر مع حزب النهضة وحزب التكتل الديمقراطي يهدف إلى الاتفاق «بشأن خارطة الطريق الخاصة بالمرحلة القادمة، وهي تتعلق بتنظيم السلطات العمومية وتحديد صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الحكومة ومدة عمل المجلس» التأسيسي، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

ويتردد اسما منصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر مع أسماء أخرى لتولي منصبي رئيس المجلس التأسيسي ورئيس الجمهورية المؤقت.

وقد زار تونس عدد من الوفود الأجنبية والعربية الممثلة لمنظمات حقوقية ودول كان أهمها الوفد الليبي والوفد المصري الذي أكد أعضاؤه في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» أنهم استفادوا من التجربة التونسية ويتمنون أن تمر الأمور خلال الانتخابات المصرية بنفس السلاسة.

وقد اتفق الملاحظون العرب والأجانب على نجاح انتخابات المجلس التأسيسي من الناحية التنظيمية التي أشرفت عليها لجنة خاصة وهي «الهيئة العليا للانتخابات»، التي تميزت حسب الملاحظين بالحياد والنزاهة. لكن لم تخلُ تصريحات المراقبين من الإشارة إلى وجود بعض التجاوزات القانونية يوم الانتخابات في بعض مراكز الاقتراع، وكذلك بالنسبة لطريقة سير الحملة وعمل بعض الأحزاب.

ويبلغ العدد الإجمالي لمقاعد المجلس الوطني التأسيسي 217 مقعدا موزعة على الدوائر الانتخابية حسب التقدير السكاني بمعدل مقعد لكل 60 ألف ساكن. وتتوزع هذه المقاعد على 199 مقعدا بـ27 دائرة انتخابية داخل التراب التونسي و18 مقعدا موزعة على الدوائر الانتخابية في الخارج.