النشوة تتحول إلى سخط نتيجة توقف الثورة المصرية

مصادر الدخل لم تسهم في دعم الاقتصاد المتعثر.. والسياحة خسرت 3 مليارات دولار

TT

كانت الجولة حول الهرم الأكبر على ظهر جمل جزءا من التجربة الفريدة التي كان فرج أبو غنيمة يوفرها لزبائنه في السابق عشرات المرات يوميا، لكنه اضطر مؤخرا إلى بيع ثلاثة من جماله الخمسة إلى الجزار.

فالسياح الذين كانوا يتوافدون إلى هنا بالملايين سنويا، باتوا الآن يفدون بشكل متقطع، حتى إن عربتي الخيل اللتين يملكهما تقفان منذ عدة أيام دون عمل، ولم يعد لديه سوى ثلاثة من بين 15 موظفا في إسطبل خيول العائلة ومتجر العطور. وقال أبو غنيمة، مشيرا إلى الحيوانات التي برزت عظامها والتي تقف ساكنة حول ساحة خضراء صغيرة في قريته، التي تقع على مرمى حجر من أبو الهول: «نحن نجني بالكاد ما يكفي لإعالة أنفسنا، ناهيك عن الخيول والجمال. كانت الثورة جميلة، لكن أحدا لم يتوقع النتائج».

مضت أكثر من ثمانية أشهر على سقوط نظام حسني مبارك، لكن نشوة الربيع السياسي في مصر تحولت إلى موسم للسخط. وهناك تشاؤم واسع النطاق من أن مصر تعيش فترة أخرى من الركود، وأن اقتصادها آيل إلى السقوط في الوقت الذي ترفض فيه حكومة تصريف الأعمال التحرك أو تفشل فيه.

لا تزال السياحة، دعامة الاقتصاد التي يعتمد عليها ما يقدر بنحو 15 مليون شخص، تشهد حالة من الفوضى. فالإضرابات المتكررة بشأن الأجور وحقوق العمال تزيد من تقويض الخدمات الحكومية المتضررة منذ أمد بعيد من وسائل المواصلات إلى المستشفيات.

وتحولت الإضرابات الجماعية إلى شغب طائفي، كذلك الذي وقع في 9 أكتوبر (تشرين الأول) والذي انتهى بمقتل 27 شخصا بعد رد عسكري قاسٍ، أثار مخاوف عامة من أن الفوضى باتت وشيكة.

كان المفترض أن تعطي الانتخابات البرلمانية التي تقرر بدؤها في الثامن والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) والتي ستقام في ثلاث جولات تنتهي في العاشر من يناير (كانون الثاني) إحساسا بالإنجاز، وتلخيص الانتفاضة في نظام اقتصادي وسياسي أكثر عدلا وأقل فسادا. لكن مع بداية الحملات الانتخابية بشكل جدي هذا الأسبوع، انتشر أكثر من 55 حزبا و6600 مرشح على 498 مقعدا في مجلس يسوده الارتباك.

ويغني رامي عصام، شاعر الثورة الشاب، وهو يجيب عن الأسئلة بين أغاني الغيتار في ميدان التحرير، حيث تخرج بعض المظاهرات المحدودة أغلب أيام الجمعة.

غنى عصام للمطالب التي لم تنجز للثورة «الحرية».

رد الجمهور بالعربية «غائبة» «الحكم المدني - غائب - الثورات المضادة - غائبة» اعتقل عصام في مارس (آذار) الماضي عندما نشر صورا على الإنترنت للجروح والرضوض البالغة التي قال إنه أصيب بها من قبل الجنود الذين اعتقلوه.

وقام عصام بتغيير الأنشودة التي استهدف بها حكومة مبارك للتنديد بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقال: «نحن لم نحقق أيا من مطالبنا، وكل أحلامنا ضاعت».

على الجبهة الاقتصادية، كانت أهم مصادر الدخل لدى مصر لا تزال ثابتة، كانت فيه السياحة الاستثناء الأبرز. أما دعائم الاقتصاد الأخرى مثل مبيعات الغاز والنفط وعائدات قناة السويس والحوالات من العاملين في الخارج، فهي إما مستقرة أو في تزايد بحسب إحصاءات البنك المركزي.

لكن مصادر الدخل هذه لم تسهم بالكثير في دعم الاقتصاد المتعثر. وإجمالا، فقد توقف النشاط الاقتصادي لشهور، وسط توقعات بتراجع النمو القوي الذي وصل في عام 2010 إلى 7 في المائة إلى ما دون 2 في المائة هذا العام، فيما ارتفعت معدلات البطالة من 9 إلى 12 في المائة على الأقل. أما الاستثمارات الأجنبية فلا تكاد تذكر.

ويرى عمر العزبي، رئيس الهيئة المصرية للسياحة، التي خسرت ما يقرب من 3 مليارات دولار «إن هذا الصخب الثوري أثر بشكل كبير على السياحة، فزيارة ما يقرب من 15 مليون سائح لمصر في عام 2010 كانت رقما قياسيا، لكن الأعداد تقلصت بنسبة 42 في المائة خلال شهر سبتمبر (أيلول) من هذا العام، ومتى تبدأ أعداد السياح في الارتفاع تعود إلى التراجع بشكل حاد مرة أخرى بعد أعمال الشغب المتكررة».

وفي إطار سعيها الحثيث لتغيير هذا الوضع، حاولت هيئة السياحة تسويق الثورة، وأضاف العزبي: كان الناس سعداء من أجلنا بشأن ما حدث، لكنهم قالوا «لا تحدثونا عن الثورة، فلن تستطيعوا الترويج لمصر عبر ميدان التحرير».

بيد أن جانبا من اللوم في الضائقة التي يمر بها الاقتصاد المصري اليوم تتحمله حكومة تصريف الأعمال التي تقدم تقارير إلى المجلس العسكري الحاكم. حيث يبدي الوزراء - الذين يضعون في اعتبارهم أن الكثير من رجال الأعمال الذين خدموا في ظل حكومة مبارك يقبعون في السجن في اتهامات بالفساد - ترددا في التوقيع على مشروعات جديدة.

ويقول هشام فهمي، الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة الأميركية في مصر، التي تضم نخبة من الشركات المصرية والدولية «لقد صار الروتين العادي أكثر تعقيدا».

وفي كل المحادثات تقريبا التي تخوض في السياسة والتي يكون الموضوع الرئيسي فيها السبب في عدم حدوث تغيرات جذرية في مصر، خاصة لدى مقارنتها بالتحولات التكتونية التي تشهدها ليبيا وتونس، حيث أقصت الثورات فيها طغاة جثموا على صدورها فترات طويلة. كانت الإجابة تسير في اتجاهين رئيسيين.

يؤكد المجلس العسكري ومناصروهم أن المظاهرات المتكررة والإضرابات التي يقوم بها الناشطون الذين لا يمثلون قطاعا كبيرا من الشعب تقوض كل محاولات استعادة الاستقرار والاقتصاد. حتى إن تلفزيون الدولة الرسمي أنتج أغنية بشأن ذلك، وتقول كلمات الأغنية «إن كانت لك مطالب، خلي مصالح مصر الأول».

فيما يتهم الناشطون الجنرالات بانتهاج قواعد لعبة مبارك للبقاء في الحكم، مشيرين إلى فرض الجيش تدابير صارمة لإسكات منتقديه، وحظر الإضرابات واستهداف المنتقدين مثل علاء عبد الفتاح المدون الشهير الذي سجن من قبل المدعي العام العسكري هذا الأسبوع خمسة عشر يوما بتهمة التحريض. وكان الظهور المفاجئ في الآونة الأخيرة لملصقات للمشير محمد حسين طنطاوي والشعار «مصر فوق الجميع»، قد عزز الشكوك الدائرة على نطاق واسع بأن الجنرالات يرغبون في أن يكون هو الرئيس الخامس لمصر منذ تولي القوات المسلحة السلطة في مصر عام 1952. ويتوقع أن تجرى الانتخابات الرئاسية بعد عام على الأقل.

وقد أنكر الجنرالات أي علاقة لهم بهذه الحملة، لكن الناشطين أدركوا أن إسقاط نظام مبارك كان الجزء السهل وأن عليهم أن يضغطوا بشكل أكبر لإحداث تغييرات جذرية في الوقت الذي يحظون فيه بالدعم.

وتقول الدكتورة منى مينا، طبيبة الأطفال القبطية، التي ساعدت في قيادة الأطباء على مستوى البلاد للعمل من أجل وقف تدهور الخدمات الصحية «غالبية من شاركوا في الثورة اكتفوا بسقوط مبارك، عندما احتفلوا وتركوا التحرير قبل أن يقيموا سلطة من بينهم لمراقبة التحولات التي طالبت بها الثورة».

ويقول محمد صابر، 30 عاما، مهندس شارك في مظاهرات التحرير يوم الجمعة الماضية «نحن على استعداد للعيش على الماء والتمر ثمنا لحريتنا».

ورد عليه طارق علي، مدير التصدير لشركة تصنيع الجبن «إذا أردت أن تعيش على الماء والتمر، حسنا، كله أنت وحدك».

صرخ صابر بالقول «فلول»، الكلمة الشهيرة التي تصف أزلام النظام السابق.

*خدمة «نيويورك تايمز»