كيسنجر يطالب إدارة أوباما بالتفاوض مع دول المنطقة قبل الانسحاب من أفغانستان

قال إن واشنطن قلصت من قدرتها على التوصل لتسوية بسبب الإعلان غير المبرر لرحيل القوات الأميركية

كيسنجر في ندوة معهد وودرو ويلسون بواشنطن أول من أمس («الشرق الأوسط»)
TT

طالب وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر إدارة الرئيس أوباما بالتفاوض مع الدول المجاورة لأفغانستان، قبل الدخول في مفاوضات مع حركة طالبان حول إنهاء الحرب التي استمرت لعشر سنوات، والانسحاب من أفغانستان في عام 2014 بحيث يكون التفاوض في إطار إقليمي متعدد الأطراف.

وأشار كيسنجر إلى أن دولا مثل باكستان والهند والصين وروسيا وإيران لها مصلحة مشتركة في منع تنظيم القاعدة من استعادة مواقعه وملاذه الآمن في أفغانستان، ولديها أيضا رغبة في استغلال الفراغ السياسي في أفغانستان وتعزيز نفوذها بعد رحيل القوات الأميركية. وقال كيسنجر «إن أمل الولايات المتحدة في كسب هذه الحرب ليس واقعيا، لأن باكستان تقوم بإيواء مقاتلي طالبان».

ودعا كيسنجر الرئيس أوباما إلى تأجيل سحب القوات الأميركية لأطول وقت ممكن، وطالب بعدم مغادرة القوات الأميركية لأفغانستان إلا بعد انتهاء عملية التفاوض وليس في بدايتها، وقال «إذا كنت تتفاوض بينما قواتك تنسحب، فأنت لست في موقف تفاوضي جيد، ويجب الإبقاء على قدرتنا على العمل لأطول فترة ممكنة، لأن خصومنا يهدفون إلى إخراج القوات الأميركية من أفغانستان». وأضاف «ليس لي اعتراض على التفاوض مع حركة طالبان من حيث المبدأ، لكن لا بد أن يكون غرض المفاوضات هو إنهاء الحرب، والتفاوض مع الدول المجاورة، لأنهم لديهم اهتمام كبير في إخراج أميركا من أفغانستان، واهتمام أقل في مساندة الأهداف الأميركية بعد الانسحاب، ويجب أن يتم النظر لهذه الدول وإعطاؤهم حوافز للتعاون مع الولايات المتحدة لمنع التطرف والإرهاب. ورأيي أن ذلك هو أفضل طريقة للاستمرار في إنهاء الحرب». وأوضح وزير الخارجية الأسبق خلال مشاركته في ندوة أقامها معهد وودرو ولسون أول من أمس بعنوان «أفغانستان نهاية اللعبة الإقليمية»، أن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان سيكون له تأثير كبير على الدول المجاورة لأفغانستان أكثر من تأثيره على الولايات المتحدة.

وقال السياسي المخضرم في نقد مستتر لسياسات الرئيس أوباما «إن واشنطن قلصت من قدراتها على التوصل لتسوية في أفغانستان بسبب الإعلان غير المبرر لموعد رحيل القوات الأميركية» وأضاف «إنه تسلسل خاطئ للأحداث، فالخطوة الأولى في رأيي يجب أن يتم التفاوض مع الدول المحيطة مثل باكستان والهند وإيران وهي دول تسعى لتحقيق أكبر قدر من النفوذ في أفغانستان بعد رحيل القوات الأميركية عنها، والخطوة الثانية هي المفاوضات مع طالبان ولكن في إطار مفاوضات متعددة الأطراف الإقليمية».

وقال كيسنجر مقارنا بين الوضع الأميركي في فيتنام والوضع الأميركي في أفغانستان «إننا نواجه صعوبة كبيرة، وهي الالتزام بالذين يعتمدون علينا والذين لا يجب تركهم، وهي مشكلة رأيناها في فيتنام والعراق. والسؤال هو: كيف نخرج من الموقف الحالي دون انهيار للموقف الأميركي، ويجب أن يبحث صانعو السياسة في واشنطن كيف سيكون لهم قوة مؤثرة بعد الانسحاب».

وأوضح وزير الخارجية الأميركي الأسبق أن الخروج من حرب مثل الحرب الأفغانية صعب للغاية وقال «القوات القتالية لحلف شمال الأطلسي ستغادر أفغانستان في عام 2014 وستصبح الحاجة إلى إيجاد تسوية في بلاد تشهد حركات تمرد، أمرا أكثر إلحاحا من أي وقت مضى» وأشار كيسنجر إلى أن «أفغانستان دولة صعبة وهي ليست دولة وإنما أمة تتحد فقط ضد الوجود الأجنبي، وخلاف ذلك تحكمها اتجاهات دينية وسياسية مختلفة».

وقال كيسنجر، الذي عمل في منصب وزير الخارجية في الفترة من 1973 إلى 1977، إنه عندما كان يتفاوض بعد حرب فيتنام، كان السؤال الذي طرحه خصومه في ذلك الوقت هو: ما الذي يجعلك تعتقد أنك ستكون ناجحا مع تخفيض قواتك؟ وقال كيسنجر: لا توجد إجابة جيدة لهذا السؤال. وأضاف «إن الإدارات الأميركية المتعاقبة دخلت في حروب تتعدى أهدافها قدرة الشعب الأميركي في تحقيق توافق حولها حتى يتم تحقيقها. وفي حالة أفغانستان فإن الأمر يشمل محاولة زرع حكومة تمثل بعض المبادئ الديمقراطية الأساسية مثل حقوق المرأة والتعليم».

وقال نائب وزيرة الخارجية لأفغانستان وباكستان فرانك روجيرو، إن الولايات المتحدة تأمل أن يدعم مؤتمر اسطنبول المصالحة السياسية في أفغانستان وانتقال السيادة إلى الحكومة الأفغانية، وأوضح أن الاستراتيجية الأميركية تقوم على مبدأ «اقتل، تفاوض، ابنِ» مؤكدا قيام واشنطن بفتح أبواب للحوار مع حكومة كرزاي ومع حركة طالبان.

فيما طالب أستاذ العلوم السياسية بجامعة تافت، فالي نصر، بالتركيز على كل من إيران وباكستان، موضحا أن العلاقات بين الولايات المتحدة وهاتين الدولتين متوترة. وقال «معظم دول المنطقة بدأت تخطط لحقبة ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وهما (إيران وباكستان) على استعداد لتقديم كل المساعدة لرحيل القوات الأميركية عن أفغانستان، لكنهما ليستا على استعداد للتعاون لتنفيذ استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة».

وحذر الباحث بمعهد وودرو ولسون، راجيف كاندراسيكران، من خطورة التفاوض مع حركة طالبان وحدها، مما سيجعل إسلام آباد تقف ضد الحوار، وطالب بأن تكون خطة الولايات المتحدة واضحة على المدى الطويل، وأن تعطي حوافز لكل من إيران وباكستان لتكونا أكثر تعاونا.

يذكر أن البيت الأبيض قد طلب من وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» تقديم توصيات لخطط انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في 2014 وتحديد حجم وأعداد القوات في خلال عام 2013، مما يشير إلى اتجاه لخفض أعداد القوات بعدد أكبر من العدد المقرر سحبه في سبتمبر (أيلول) 2012 (33 ألف جندي)، وتسعى إدارة أوباما إلى التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الأفغانية بقيادة حميد كرزاي خلال مؤتمر دولي تستضيفه مدينة بون الألمانية أوائل ديسمبر (كانون الأول) بما يلزم الجانبين بوجود عسكري أميركي في أفغانستان بعد 2014.

وكشفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في أعقاب زيارتها لباكستان الأسبوع الماضي، عن استراتيجية أميركية جديدة تقضي بإجراء حوار مباشر مع حركة طالبان ومجموعة حقاني لمعرفة مدى نيتهم وصدقهم لإجراء مفاوضات من جانب، وتشديد الضغط العسكري على مجموعة حقاني الموالية لطالبان والتي تعمل في الأراضي الجبلية على الحدود الباكستانية الأفغانية من جانب آخر. وتنسق واشنطن مع إسلام آباد لدفع حركة طالبان للجلوس على طاولة المفاوضات إلى جوار ممثلي الحكومة الأفغانية لمناقشة مستقبل أفغانستان بين شتى الفصائل السياسية في البلاد وتحقيق عملية تسوية سياسية في أفغانستان، وإقناع الدول المجاورة بدعم القرارات السياسية لتطوير أفغانستان اقتصاديا، من خلال المشروع الأميركي المعروف باسم «طريق الحرير الجديد» الذي يهدف إلى إقامة حرية تبادل تجاري بين دول المنطقة في إطار خطة لترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة. وتأتي الاستراتيجية الأميركية الجديدة وسط تصاعد في وتيرة الهجمات ضد الأميركيين في كابل كان آخرها هجوم انتحاري يوم السبت الماضي وأسفر عن مقتل عشرة أميركيين.