«الجامعة» تعلن موافقة سوريا على الخطة العربية لإنهاء الأزمة.. والشيخ حمد بن جاسم يحذر: المهم التنفيذ

سعود الفيصل لـ «الشرق الأوسط»: ترحيب سوريا بالبيان قرار حكيم وطيب > دبلوماسيون عرب: هناك بدائل سياسية قاسية إذا استخدمت دمشق سياسة اللف والدوران

الشيخ حمد بن جاسم والعربي يتحدثان خلال الجلسة العربية الطارئة في القاهرة أمس (إ.ب.أ)
TT

أعلنت الجامعة العربية أمس موافقة النظام السوري على الورقة العربية لحل الأزمة في سوريا، التي تتضمن وقفا فوريا لأعمال العنف والمظاهر المسلحة وإطلاق سراح المعتقلين وبدء حوار مع المعارضين بعد أسبوعين، إلا أن الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء وزير خارجية دولة قطر، ورئيس مجلس وزراء الخارجية العرب، حذر من القاهرة أمس بأن المهم «تنفيذ الجانب السوري لهذا الاتفاق».

ووصف الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» على هامش المؤتمر الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة أمس، ترحيب سوريا بالمبادرة العربية بـ«القرار الحكيم والطيب». وقال: «سوف نعمل معا من أجل تسوية الأزمة ومنع التدخل الأجنبي». وعما إذا كانت هناك ضمانات لتنفيذ سوريا القرار والتزامها به، قال الفيصل: «سنعمل معا، والحوار مستمر من خلال عمل اللجنة الوزارية، وقد تقرر ترك الاجتماع مفتوحا للتداول حول ما تحقق، وكله يصب في مصلحة سوريا والشعب السوري والحفاظ على وحدتها واستقرارها وحقن الدماء ومنع أي مشكلات تؤدى إلى تصعيد الموقف».

وأصدر وزراء الخارجية العرب بيانا أمس في ختام اجتماعهم الطارئ لمناقشة تطورات الأوضاع في سوريا، أبدوا فيه ترحيبهم بموافقة الحكومة السورية على خطة العمل العربية المقترحة واعتمادها، بعد التأكيد على ضرورة الالتزام بالتنفيذ الفوري والكامل والدقيق لما جاء بها من بنود.

وقرر الوزراء العرب قيام اللجنة الوزارية العربية بتقديم تقارير دورية إلى المجلس حول مدى إحراز التقدم في عملية التنفيذ، وتكليف اللجنة بمواصلة مهمتها في إبداء المشاورات والاتصالات مع الحكومة والمعارضة السورية. ولضمان عملية التنفيذ، تم رصد مبلغ مالي للأمانة العامة لتغطية الأنشطة ذات الصلة بالمهام الموكلة إليها بموجب هذه الخطة، مع إبقاء المجلس في حالة انعقاد دائم لمتابعة الموقف والتطورات.

وحصلت «الشرق الأوسط» على خطة العمل بناء على ما تم الاتفاق عليه، التي تتضمن وقف كل أشكال العنف من أي مصدر وحماية المواطنين السوريين، والإفراج عن المعتقلين بسبب الأحداث الراهنة، وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة، وفتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام الدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا للاطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور من أحداث.

وبحسب القرار، فإن الخطة العربية تنص على: «أولا: وقف كافة أعمال العنف من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين. ثانيا: الإفراج عن المعتقلين بسبب الأحداث الراهنة. ثالثا: إخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة. رابعا: فتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا للاطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور فيها من أحداث».

وينص القرار كذلك على أنه «مع إحراز تقدم ملموس في تنفيذ الحكومة السورية لتعهداتها الواردة في البند السابق، تباشر اللجنة الوزارية العربية القيام بإجراء الاتصالات والمشاورات اللازمة مع الحكومة ومختلف أطراف المعارضة السورية من أجل الإعداد لانعقاد مؤتمر حوار وطني خلال فترة أسبوعين من تاريخه». ولم يحدد القرار مكان الحوار الذي كانت هناك خلافات حوله مع إصرار النظام السوري على أن يكون هذا الحوار في دمشق، وتمسك المعارضة بانعقاده خارج سوريا.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن يوسف الأحمد مندوب سوريا لدى الجامعة أعلن في كلمته بالاجتماع عن ترحيب بلاده بالمبادرة العربية، وطلب دعما عربيا لسوريا لتنفيذ ورقة الاتفاق، مقدما الشكر للدول العربية وطالب الإعلام بوقف حملاته ضد سوريا. كما علمت «الشرق الأوسط» من مصادر بالاجتماع أن الرئيس السوري سيعلن مبادرة الأسبوع المقبل تتعلق بتفاصيل الحوار الذي دعت إليه اللجنة العربية الوزارية المعنية.

ونقلت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، عن السفير الأحمد قوله في اجتماع مجلس الجامعة العربية إن «بنود الورقة العربية تنطلق من ثوابت راسخة في الموقف السوري برفض العنف وتحريم الدم السوري وانتهاج الحوار الوطني ودعم الإصلاح». وأضاف السفير الأحمد: «سوريا قابلت الجهد العربي بإيجابية ومرونة وانفتاح انطلاقا من قناعتها بحتمية أن يكون الدور العربي مبنيا على الحرص على أمن سوريا واستقرارها». وتابع يقول، بحسب «سانا»، أن «الحل والخيار سوريان وبدعم عربي مخلص ينطلق من رفض مطلق للتدخل الأجنبي ولأي خيار يأتي من خارج حدود سوريا. القيادة السورية كانت منذ اللحظة الأولى مدركة لحجم الأزمة وأسبابها وتعاملت معها على أساس القناعة بوجود مطالب مشروعة ومحقة للشعب السوري».

من جانبه، أعرب الشيخ حمد بن جاسم عن سعادته بموافقة سوريا على الورقة العربية، وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للجماعة نبيل العربي، عقد في نهاية الجلسة، إن «الاتفاق واضح وسنكون سعداء بالتنفيذ، المهم تنفيذ الجانب السوري لهذا الاتفاق، لأنه يساعد على تهدئة الأوضاع وحل الأزمة، ونتمنى أن يكون هناك تطبيق جدي بالنسبة لوقف العنف والقتل، وإطلاق سراح المعتقلين، وإخلاء المدن من الآليات المسلحة».

وأضاف الشيخ حمد: «إننا سنكون سعداء أكثر بأن يطبق هذا الاتفاق فورا، وعندما نقول فورا لا نأمر ولكن من منطلق الأخوة والحرص، ولذا نتطلع إلى وقف العنف، وإطلاق سراح المعتقلين، ولمسنا أن الجانب السوري يريد التعاون».

وردا على إلحاح الصحافيين بشأن الضمانات لتنفيذ الاتفاقات، قال الشيخ حمد: «الاتفاق هو أن لا أجيب عن أسئلة، ولكن سوف أقول إجابة عامة، وهي أن الاتفاق نفسه هو الضمان»، ملمحا إلى أنه إذا لم تنفذ حكومة سوريا الاتفاق سوف تجتمع الجامعة العربية وتتخذ قرارات. وقال: «لا نريد التهديد بشيء، ولكن مجلس الجامعة العربية في حالة انعقاد دائم وفي حال عدم الالتزام، ستدعوه اللجنة للاجتماع والقرار سيكون لمجلس الجامعة العربية».

من جانبه، قال العربي إن الهدف من القرار «هو إيجاد حل عربي للأزمة السورية»، لافتا إلى أن الاتفاق يتضمن وقف كل أعمال العنف وإطلاق المعتقلين، وفتح المجال أمام المنظمات العربية المعنية، ووسائل الإعلام العربية والأجنبية لرصد الأحداث، مشيرا إلى أن اللجنة الوزارية المشكلة مكلفة بإجراء المشاورات لتنفيذ الخطة.

وكانت مصادر دبلوماسية عربية ومسؤولون بالجامعة العربية، قالوا لـ«الشرق الأوسط» قبل انعقاد الجلسة، إن تعليق أو تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية خلال جلسة أمس، «أمر غير وارد». وقالت المصادر رفيعة المستوى إن الجامعة العربية «لن تسمح بتطبيق النموذج الليبي مرة أخرى، ولن تقبل أي تدخل عسكري في سوريا»، ولكنهم أشاروا إلى أن «الجامعة لديها وسائل سياسية كثيرة يمكن استخدامها في حال ماطلت دمشق».

وأشارت مصادر دبلوماسية مطلعة إلى أن «سوريا وضعت تعديلات على ما يتعلق بسحب كل مظاهر التسلح من الشارع السوري، تتعلق بجمع السلاح بما في ذلك العناصر المسلحة وكذلك الحوار مع المعارضة، حيث ترى سوريا أنها سوف تختار قائمة الحوار وأن يفتتح الحوار الأول داخل دمشق».

وأكد الدبلوماسيون العرب لـ«الشرق الأوسط» أنهم «أمام معادلة صعبة»، قائلين: «نريد تحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والإصلاح، وفي الوقت نفسه، نريد أن تظل سوريا دولة قوية في البوابة الشرقية لجناح الأمة العربية، خاصة بعد ما حدث في العراق وازدياد النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة».

ويقول مراقبون إن الجامعة العربية لا تمتلك من الوسائل والأدوات السياسية ما يمكنها فرض قراراتها على النظام السوري، لكن الدبلوماسيين العرب قالوا إن الدول العربية لديها وسائل سياسية كثيرة يمكن استخدامها إذا ماطل النظام السوري واستخدم سياسة «اللف والدوران» لكسب الوقت؛ منها سحب السفراء، ووقف الزيارات، ومقاطعة القيادات العليا السورية، والطلب من روسيا والصين ممارسة ضغوط على النظام السوري للإسراع في تنفيذ إصلاحات تتماشى مع مطالب الشعب الثائر، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية شفافة تحت رقابة دولية، أو فتح حوار عربي مع أطياف المعارضة السورية، أو الاعتراف بالمجلس الوطني.

وقال الدبلوماسيون قبل إعلان سوريا قبولها المبادرة: «إننا نتوقع قبول الجانب السوري الورقة العربية مع طلبه تعديل بعض البنود، وهذا يمكن التعاطي معه، لكن في إطار من الحرص على أن يكون الهدف هو التنفيذ وليس المماطلة وكسب الوقت، لأن هذا سيفقد ثقة الشعب السوري في الحل العربي وسيطالبون بالحل الدولي». وأكد الدبلوماسيون العرب أن «الغرب يعلم جيدا أن التدخل العسكري في سوريا قد يكون مكلفا لأن الأسد سيضطر لخلط الأوراق وضرب تل أبيب بالصواريخ من سوريا ومن جنوب لبنان بمساعدة إيران وحزب الله، وهو ما قد يحدث تأييدا شعبيا عربيا واسع النطاق لنظام الأسد». وأضافوا أن الغرب يعلم أن الدول العربية لن تؤيد الحل العسكري، «وبالتالي سيفكرون في طرق أخرى منها الاغتيالات السياسية وإحداث الاضطرابات في سوريا وداخل صفوف الجبس وتسليح المعارضة».

وفي حين تزداد المطالب الشعبية في سوريا بفرض حظر جوي أو تدخل عسكري لحماية المدنيين السوريين، كشفت المصادر أن الحلول السياسية ستبقى هي الأسلوب الوحيد والأمثل لمعالجة الأزمة في سوريا.

وقبل أيام، انتقدت دمشق رسالة موجهه إليها من اللجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا، بحجة أنها احتوت على معلومات ترى دمشق أنها بنيت على تقارير إعلامية غير دقيقة، وهو ما جعل المصادر تتوقع أن يعلن الجانب السوري قبوله بالورقة العربية لحل الأزمة، شريطة أن يتم تخفيف مما تعتبره دمشق حملات إعلامية منظمة من جانب بعض الفضائيات العربية ضد النظام السوري.

من جهة أخرى، قللت المعارضة السورية في القاهرة من أهمية الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية، وقال مأمون الحمصي، منسق الجالية السورية في مصر: «نحن نعلم، بكل أسف، حجم الضغوط التي يمارسها النظام السوري على الدول العربية، لكن الرهان الآن على الشعب السوري في الداخل». وأشار الحمصي إلى أن الشعب السوري لا ينتظر نتيجة من اجتماع الجامعة العربية، مشيرا إلى أن الشعب السوري مستمر في ثورته السلمية وعازم على تقديم مزيد من الشهداء حتى يتحقق مطلبه في سقوط النظام.

وكشف الحمصي أن الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد اتصالات بين المعارضة السورية في مختلف الدول لعقد مؤتمر جامع بإحدى الدول العربية للاتفاق على خارطة طريق موحدة للتحرك في مواجهة النظام والعمل على إسقاطه، مؤكدا أن «المعارضة السورية في الخارج مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى بتوحيد مواقفها والتسامي على المصالح الذاتية الضيقة، وتغليب مصلحة الشعب والوطن من أجل البحث عن سيناريوهات بديلة لإسقاط النظام».

من جهته، قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لـ«الشرق الأوسط»، إن العراق «من أول الدول التي طالبت الحكومة السورية والقيادة بالاستفادة من هذه الفرصة العربية ومبادرتها، وبالفعل تجاوبوا معها بحكمة ووافقوا على المبادرة». وأضاف أن المبادرة «ممكنة في التنفيذ والتطبيق، والشعب السوري هو من سيحكم على التنفيذ، وقد طلبنا من رئيس الوفد السوري خلال الاجتماع ضرورة أن تترجم هذا المبادرة إلى أعمال». وعما إذا كان العراق مرتاحا لنتائج أعمال اللجنة والقرار الذي صدر، قال زيباري إن «هذه فرصة لا يمكن الاستغناء عنها لكل من يريد حلا عمليا وواقعيا للأزمة السورية».