المجلس السوري يسعى لاستنساخ النموذج الليبي في مواجهة نظام الأسد

رئيس مجلس ثوار طرابلس لـ «الشرق الأوسط» : سنقدم خبراتنا للإطاحة بالنظام السوري

مظاهرة طلابية في شارع بحلب أمس (موقع أوغاريت)
TT

بدا أمس أن المجلس الانتقالي السوري، المناهض لنظام حكم الرئيس بشار الأسد، يسعى لاستنساخ تجربة نظيره الليبي ضد العقيد الراحل معمر القذافي، حيث يجري مسؤولون من المجلس على رأس بعثة شبه سرية محادثات مع مختلف القوى الوطنية والمجلس الانتقالي الليبي بهدف الحصول على مساعدات عسكرية ولوجيستية تمكن المتظاهرين في سوريا من مواجهة القمع الدموي لنظام الأسد.

والتقى وفد المجلس الانتقالي السوري مع عدد كبير من قادة الثوار والكتائب الأمنية بالإضافة إلى مسؤولين في المجلس الوطني الليبي في العاصمة الليبية طرابلس وغيرها من المدن الليبية، بهدف الحصول على دعم الثوار الليبيين لمحاولات المجلس السوري الإطاحة بنظام الأسد.

وقال عبد الله ناكر الزنتاني رئيس مجلس ثورا طرابلس لـ«الشرق الأوسط» عقب لقائه مع وفد المجلس السوري بطرابلس، إن الوفد السوري طلب الحصول على مساعدات عسكرية ومادية ونصائح بشأن كيفية مواجهة القمع الذي تمارسه السلطات السورية ضد المتظاهرين العزل في مختلف المدن السورية.

وأضاف «طبعا طلبوا كل أنواع المساعدات التي يمكن الحصول عليها، سلاح ومال ومقاتلين. نعتقد أنه يجب على المجتمع الدولي والدول العربية أن تساند مساعي هؤلاء الرامية إلى الخلاص من نظام الأسد».

ولفت الزنتاني إلى تعاطف الثوار الليبيين مع ما يتعرض له الشعب السوري حاليا من عمليات قتل ممنهجة ودموية لإجهاض الثورة الشعبية ضد النظام الحاكم في دمشق، لكنه اعتبر أن كل أساليب مواجهة هذه المظاهرات ستبوء بالفشل.

وتابع «نصيحتنا لـ(الرئيس السوري) بشار الأسد أنه يجب عليه أن يرحل، ويتخلى عن السلطة طواعية بدلا من أن يجد نفسه في نهاية المطاف معذبا ومهانا ومقتولا مثل القذافي».

واعتبر أن الآلة العسكرية الضخمة التي كان يمتلكها القذافي لم تفلح في إنقاذ نظامه من ثورة الشعب الليبي العارمة ضده، مضيفا: «أظن الأمر ينطبق أيضا على سوريا، في نهاية المطاف لن ينجح السلاح في مواجهة الشعب الذي خرج للشوارع، ولن تصلح أساليب القمع والتعذيب والقتل لإرهاب السوريين.. على الرئيس السوري أن يتعظ مما جرى حوله في مصر وتونس وليبيا».

وقال الزنتاني إنه يعتقد أنه يتعين على الأسد أن يكون حيكما بعض الشيء ويوفر على نفسه وشعبه عذابات الخلاص منه، أو تكبيده فاتورة بشرية ومادية باهظة للخلاص من نظامه السياسي.

وتابع: «عليه أن يتوقف عن القتل وأن يتخذ قرارا فوريا بالمغادرة، كما فعل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. السلاح والقتل لن يمكناه من التشبث بالسلطة ضد إرادة الشعب السوري إلى الأبد، هذا عبث يجب أن يتوقف فورا».

واعتبر الزنتاني أن تعاطف الثوار الليبيين مع أشقائهم السوريين مبرر للغاية، فالأوضاع متشابهة إلى حد ما في الحالتين السورية والليبية. وقال «نحن بدأنا مظاهرات سلمية وتحولت إلى مواجهات اضطررنا إليها لمواجهة نظام القذافي وكتائبه الأمنية وقواته العسكرية، نفس الشيء يحدث الآن في مخلف الأراضي السورية.. الناس تخرج بصدور عارية ويستقبلهم النظام بالقتل والضرب في المليان من دون تفاهم».

وحث المجتمع الدولي والدول العربية على مساعدة السوريين بشتى الطرق والوسائل الممكنة لتفادي المزيد من المجازر الدموية البشعة.

وأضاف «شرحنا لوفد المجلس السوري تجربتنا في كيفية الحصول على دعم الدول العربية والمجتمع الدولي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والإدارة الأميركية، وعرضنا عليهم خبراتنا الحديثة والمتواضعة».

وشدد الزنتاني على أنه يجب على الليبيين أيضا عبر مجلسهم الانتقالي مساعدة الشعب السوري للتخلص من نظام حكم الأسد، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «عليه (الرئيس السوري) أن يفهم أن الشعب فاق ولن يقبل استمرار الذل والمهانة أكثر من ذلك، لا عاصم من ثورة الشعب السوري سوى الرحيل وإنهاء هذا النظام».

لكن الزنتاني قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط»: «لا نقدم أنفسنا كأوصياء على ثورات الربيع العربي.. لكن نقدم خبراتنا لمن يطلبها، خاصة أنها أحدث تجربة يعرفها التاريخ العربي المعاصر والحديث للتخلص من طاغية بحجم القذافي».

وقال الزنتاني «ثمة تماثل كبير بين ما يحدث الآن في سوريا وما جرى سابقا في ليبيا، الشبيحة في الشوارع السورية هم عناصر اللجان الثورية والكتائب الأمنية للقذافي في ليبيا.. هناك قبائل وتمازج عشائري كما هو الحال في بلادنا أيضا».

ومثل اعتراف المجلس الوطني الانتقالي الليبي بشرعية نظيره السوري أول اعتراف من نوعه داخل المنطقة العربية والشرق الأوسط في مواجهة نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

لكن وبينما حسم الليبيون مبكرا في شهر مارس (آذار) الماضي خيارهم بشأن ضرورة فرض منطقة حظر جوي على نظام القذافي والاستعانة بحلف شمال الأطلسي (الناتو) لمنع قوات القذافي من قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية لمعظم المدن الليبية، ما زال السوريون على خلاف فيما بينهم حول الاستعانة بخدمات الناتو أو غيره من الأطراف الأجنبية.

ويخشى المعارضون السوريون من أن يستغل النظام الحاكم في دمشق اللجوء إلى الاستعانة بالناتو ضده لتشويه سمعتهم وخلط الأوراق لدى الرأي العام المحلي.

لكن ومع تصاعد وتيرة القتل اليومية في مختلف شوارع المدن السورية، يبدو أن قادة المعارضة السورية في الخارج سيتعين عليهم إعادة حساباتهم مرة أخرى لتكرار النموذج الليبي.

وقال مسؤول في المجلس الانتقالي الليبي لـ«الشرق الأوسط»: «بالتأكيد نحن مستعدون لمساعدة الأشقاء في سوريا، لكن كيف ومتى هذا هو السؤال».

وكان المسؤول الذي طلب عدم تعريفه يشير إلى صعوبات فنية جمة تعترض طريق وصول المساعدات المطلوبة من ثوار سوريا، لعل أبسطها بعد المسافة الجغرافية بين البلدين وعدم توافر أسطول بحري ليبي لنقلها بالإضافة إلى قدرة النظام السوري على منعها من الرسو على شواطئه.

ويفكر بعض السوريين في تركيا كنقطة لوصول الدعم الخارجي على أن ينقل لاحقا عبر الحدود التركية - السورية المشتركة إلى داخل الأراضي السورية.

وقال المسؤول الليبي لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن التغلب على هذه العوائق الجغرافية إذا تم تأسيس شبكة دولية وإقليمية لنقل المساعدات إلى قلب سوريا، سيكون أمرا صعبا ومكلفا للغاية ومحفوفا بالمخاطر».

ولا ينسى الليبيون كيف أن نظام الأسد اتخذ موقفا مناوئا من الثورة الشعبية التي اندلعت ضد القذافي في السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي.

واتهم مسؤولون من القيادات العسكرية للثوار النظام السوري بدعم نظام القذافي عسكريا عبر تزويده بأسلحة ومقاتلين مرتزقة بالإضافة إلى توفير بعض المعلومات الاستخباراتية ضد المعارضين الليبيين في الخارج.

وقال أحد هؤلاء لـ«الشرق الأوسط»: «نشعر أن لدينا أيضا ثأرنا الشخصي من نظام الأسد، في السابق اعتقلنا عسكريين وطيارين سوريين كانوا يعملون في جيش القذافي ضد الشعب الليبي».

وبعدما فقد القذافي أذرعه الإعلامية تحت وطأة العمليات العسكرية للثوار المدعومين بقصف جوي عنيف من مقاتلات حلف الناتو، أخذت قناة «الرأي» التي تنطلق من العاصمة السورية دمشق على عاتقها مهمة أن تكون صوت القذافي للعالم.

وقبل مقتل القذافي وإسقاط نظامه السياسي، رفضت السلطات السورية أكثر من طلب من الثوار الليبيين لإغلاق هذه القناة، التي يمتلكها المعارض العراقي مشعان الجبوري، واعتبروها معادية لهم وتحرض على قتلهم وتروج لداعيات القذافي السوداء.

ومع أن الأمين العام لحلف الناتو آندريه فوغ راسموسن الذي زار العاصمة الليبية طرابلس أول من أمس قال إنه لا يوجد نية لدى الناتو للتدخل في سوريا أو فرض حظر جوي بالقوة على النظام السوري، إلا أن الكثير من المعارضين السوريين يعتقدون أن هذا الموقف الرسمي قد يتغير مستقبلا.

وقال عبد الله الزنتاني رئيس مجلس ثوار طرابلس لـ«الشرق الأوسط»: «على السوريين أن يستفيدوا من تجربتنا.. المجتمع الدولي لن يتدخل إلا إذا دفعوا الثمن مثلنا، نحن قاتلنا القذافي وقدمنا آلاف الشهداء والقتلى ووضعنا المجتمع الدولي في وضع محرج ومؤسف.. لذلك تدخل الناتو في نهاية المطاف».

وأضاف «إذا كنت تريد من أحد أن يساعدك، فعليك أولا أن تبرهن للآخرين أن التهرب من مساعدتك هو عمل لا أخلاقي وغير إنساني، يجب أن يستوعب السوريون نتائج الثورة الليبية ويطبقوها وفقا لما يرونه وحسب أوضاعهم».

إلى ذلك، دعت التحضيرية للهيئة الوطنية لدعم الثورة السورية إلى اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس، بمشاركة أكثر من 50 شخصية سورية معارضة، في مؤتمرها التأسيسي لإطلاق برنامج ومجموعة عمل لدعم الثورة السورية في كفاحها لإسقاط النظام وبناء دولة مدنية ديمقراطية.

وقالت اللجنة في بيان لها إن الاجتماع سيعقد يومي السبت والأحد المقبلين، مشيرة إلى أن الجلسة الافتتاحية ستكون مفتوحة أمام وسائل الإعلام، وتتخللها كلمة عبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري، ثم تليها جلسات وورش عمل مغلقة.