زعيم «العريضة الشعبية» في تونس: العلاقة بالتجمع الدستوري تهمة كيدية

محمد الهاشمي الحامدي لـ «الشرق الأوسط»: توقف حواري مع بن علي عام 2001 ولم أتحدث معه إلا في الأسبوع الأخير من حكمه

محمد الهاشمي الحامدي (أ.ف.ب)
TT

قال محمد الهاشمي الحامدي، زعيم تيار «العريضة الشعبية» في تونس، الذي فاز بـ19 مقعدا في المجلس التأسيسي المنتخب يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتم إلغاء 6 منها، إنه شعر بالظلم الشديد يوم أسقطت الكثير من قوائم «العريضة الشعبية»، وشعر بظلم أكبر حينما ردد الصحافيون الحاضرون يوم إعلان إسقاطها النشيد الوطني ابتهاجا بذلك، مشيرا إلى أنه شعر أيضا أن «العريضة الشعبية» ليس مرغوبا فيها في المجلس التأسيسي، وبالتالي رأى أن الانسحاب منه أفضل.

وتحدث الحامدي، وهو إعلامي ومالك قناة «المستقلة» التي تبث من لندن، عن الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عقب إسقاط قوائم «العريضة الشعبية»، وقال إن استخدام البعض حق الاحتجاج السلمي لارتكاب أعمال عنف وحرق أزعجه جدا. وشدد على القول: «هذا خط أحمر لا أقبل به أبدا، ومهما كانت المبررات. مصلحة البلاد وأمنها واستقرارها أهم من جميع قوائم العريضة الشعبية».

إلى ذلك، اعتبر الحامدي، في حوار أدلى به لـ«الشرق الأوسط» أن تهمة العلاقة بالتجمع الدستوري الحاكم سابقا هي تهمة كيدية سخيفة ضد «العريضة الشعبية».

وفي ما يلي نص الحوار.

* ما بين إلغاء المقاعد الستة لـ«العريضة الشعبية» وقرار انسحابكم من المجلس التأسيسي، ثم التراجع عن هذا القرار، يبدو أن هناك مياها كثيرة مرت تحت الجسر، فماذا وقع بالضبط حتى تراجعتم؟

- أستأذنك أولا في توجيه التحية لجريدة «الشرق الأوسط» وقرائها الكرام. لي ذكريات جميلة مع هذه الصحيفة التي عملت فيها بين 1988 و1991، محررا لصفحتها اليومية عن الدين والتراث، أيام كان الزميل عثمان العمير رئيسا للتحرير. وجوابا على سؤالك، أقول: إنني شعرت بالظلم الشديد يوم أسقطت الكثير من قوائم «العريضة الشعبية»، وشعرت بظلم أكبر لما ردد الصحافيون الحاضرون النشيد الوطني ابتهاجا بإسقاط قوائمنا. فشعرت أنه ليس مرغوبا فينا في المجلس التأسيسي، وقدرت أن الانسحاب منه أفضل. بعد ذلك بيوم اتصل بي الأخ كمال الجندوبي، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وبعد محادثة مطولة، استجبت لطلبه باستخدام الترتيبات المتاحة في المرسوم الانتخابي لمعالجة الموضوع. بطبيعة الحال، أنت تعلم أنه كانت هناك احتجاجات شعبية على إسقاط قوائمنا، وقد أزعجني جدا أن يستخدم البعض حق الاحتجاج السلمي لارتكاب أعمال عنف وحرق. هذا خط أحمر لا أقبل به أبدا ومهما كانت المبررات. مصلحة البلاد وأمنها واستقرارها، أهم من جميع قوائم «العريضة الشعبية». مذهبي ومنهجي في السياسة التونسية مستمد من قول الله تعالى: «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم»، وقوله عز وجل: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».

* ألم يكن قرار التراجع راجعا إلى خوفكم من انفراط عقد «العريضة الشعبية»، وعدم موافقة نوابكم الفائزين على الانسحاب؟

- لا، أغلبية نواب العريضة الشعبية ثقات مخلصون ثابتون على العهد. ثم وبصراحة شديدة، الناس جميعا يعرفون أن الشعب منح أصواته أساسا لبرنامج «العريضة الشعبية» الذي أعلنت عنه يوم 3 مارس (آذار) الماضي. لو انسلخ منها 5 أو 6 نواب أو أكثر من ذلك فالناس يعرفون أنهم صوتوا لـ«العريضة الشعبية»، ولبرنامجها الذي يتعهد بإجازة دستور ديمقراطي، واعتماد نظام الصحة المجانية، ومنحة بطالة لنصف مليون عاطل عن العمل، وإنشاء ديوان للمظالم، وديوان الزكاة، ووزارة لعمالنا في الخارج، وبإعادة العمل بنظام الأوقاف، وإنشاء مؤسسة القيروان العالمية للسيرة النبوية، ومؤسسة علمية في القصرين لصناعة أول كومبيوتر وأول سيارة وأول طائرة في تونس.

* بعد اتخاذكم القرار هل ظل كل النواب منضبطين؟

- الأغلبية بقيت منضبطة.

* كم هو عدد النواب المتململين؟

- 6 مترشحين ناجحين أعلنوا انسحابهم أمس (أول من أمس) من تيار «العريضة الشعبية». وسيقوم أنصار تيار العريضة الشعبية داخل البلاد برفع الأمر للقضاء للدفاع عن أصوات الناس الذين صوتوا للعريضة.

* لقد اتهمت عريضتكم بأنها ضمت مرشحين كانوا ينتمون إلى التجمع الدستوري الحاكم سابقا. ما حقيقة الأمر؟

- مترشح واحد فقط، يقول هو شخصيا عن نفسه إنه لم يكن قياديا في التجمع، ومع ذلك فقد عرض الاستقالة من القائمة قبل نحو عشرة أيام من الانتخابات ولم تقبل استقالته. ثم إن هناك لائحة مسبقة بجميع التجمعيين الممنوعين من الترشح، ولا تقبل قائمة في الانتخابات إلا إذا كان أعضاؤها غير موجودين في هذه القائمة. جميع قوائمنا حصلت على الوصل النهائي للمشاركة من الهيئة، مما يدل على أن تهمة العلاقة بالتجمع تهمة كيدية سخيفة ضد «العريضة الشعبية».

* ما قصة علاقتك بالرئيس السابق زين العابدين بن علي؟ وهل ما زالت تربطك علاقات مع بعض القيادات السابقة للتجمع الدستوري؟

- أعيش في المنفى منذ ربع قرن، ماتت أمي، رحمها الله، قبل ثلاث سنوات ولم أستطع أن أحضر دفنها، حاورت الرئيس السابق عام 1998، وقلت له إن نهج العفو والحوار والوفاق الوطني أفضل له وللبلاد من نهج التشدد والانغلاق والكبت. وتوسطت للإفراج عن 700 سجين ورفع أحكام المراقبة الإدارية عن 4000 من الإسلاميين. وفي 2001 توقف الحوار فأطلقت برنامج «المغرب الكبير» الذي زلزل أركان الظلم بشهادة الصحف الفرنسية ووكالات الأنباء العالمية. بعد ذلك، لم أتحدث مع الرئيس السابق لغاية الأسبوع الأخير من حكمه. في هذه الأثناء ناصحته بالرسائل مخلصا، ودعوت للحوار والمصالحة الوطنية في السر والعلن. وفي الأسبوع الأخير من حكمه حدثته عن شكاوى الشعب من الفساد والبطالة، وطلبت منه إعلان العفو التشريعي العام وتنظيم مؤتمر سياسي شامل لا يستثني أحدا. هو كان ينوي التنازل للحزب الديمقراطي التقدمي وحزب التكتل وحركة التجديد بضمها لحكومة جديدة والدعوة لانتخابات مبكرة. وأنا نصحته بالتنازل للشعب بأسره. لم أنتمِ يوما للتجمع، ولم أعمل في حكومة بن علي وزيرا ولا سفيرا. في البرلمان اليوم نواب من أحزاب محسوبة جهرا وعلنا على التجمع، ولا أحد يحتج عليهم بكلمة. القصد واضح إذن، إنه التشويش على النجاح الذي حققته «العريضة الشعبية» بإطلاق الإشاعات الكاذبة. حيل بالية وقديمة لا تنفع أصحابها بشيء.

* أثير لغط كبير حول تمويل حملتكم الانتخابية. كم كلفتكم هذه الحملة ماديا، وما هو مصدر التمويل؟

- لا يوجد لغط، هناك إجماع في تونس على أن «العريضة الشعبية» أفقر الأحزاب، والناس جميعا يتساءلون: كيف استطاعت «العريضة الشعبية» أن تحقق النجاح الذي حققته رغم فقرها؟ يقولون: كيف استطاعت «العريضة الشعبية» أن تحقق النجاح الذي حققته رغم حرماني من التعريف بها في جميع القنوات الفضائية والإذاعية التونسية منذ 14 يناير (كانون الثاني) لغاية يوم الانتخابات، باستثناء ثلاث دقائق فقط مرة واحدة في إذاعة خاصة؟ أخي، «العريضة الشعبية» لخصت أشواق الشعب للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وقدمت برنامجا عمليا لتحقيق أهداف الثورة التونسية بشكل فوري، برنامج فيه هدي محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، وفيه دروس التجربة البريطانية العريقة في احترام حقوق الإنسان، وفي نظام الرعاية الاجتماعية. هذا سر جاذبية «العريضة الشعبية».

* أنت قيادي سابق في «النهضة»، ومبدئيا أصبحت «العريضة الشعبية» القوة الثانية في البلاد بعد التحالف الثلاثي بين «النهضة» و«المؤتمر» و«التكتل». فلماذا استبعدتم من التحالف من «النهضة». هل ذلك راجع إلى خلافات سياسية عميقة أم أن ذلك هو نتاج خلافات شخصية محضة؟

- لطالما ضيع العرب والمسلمون كثيرا من المصالح الحيوية والأساسية والبلدان بسبب خلافات وانقسامات غير مبررة. لا أعرف سببا منطقيا واحدا للتوتر في العلاقة بين «النهضة» و«العريضة الشعبية». ربنا عز وجل يقول لنا: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، ويقول لنا: «فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم». وأنا دائما أمد يد المحبة والوحدة والتعاون للإخوة في حركة النهضة، ولبقية الأحزاب. قلت ذلك من قبل، وأكرره اليوم، وأرجو أن تشهد لي هذه الكلمات في سجل التاريخ التونسي والإسلامي، وأهم من ذلك قطعا، عندما تنصب موازين الحق والعدل يوم القيامة.

* تدور أحاديث حول عدم ممانعة «النهضة» التنسيق مع تيار العريضة الشعبية في حالة إقصائكم شخصيا منها، ما صحة ذلك؟

- منك أسمع الخبر.

* هل جرى بينك وبين الغنوشي أي اتصال في الآونة الأخيرة خاصة بعد اتخاذكم قرار الانسحاب؟

- لا.

* متى ستعود للاستقرار النهائي في تونس أم أنك ستظل تتنقل بين تونس ولندن؟

- لم أحدد موعدا للعودة. لا أطلب سلطة ولا جاها في تونس، ولا أريد منافسة أحد على كرسي أو منصب أو مغنم. في الوقت الراهن أرى أن علي أن أنتظر تراجع حملة الكراهية والسب الشديدة التي أتعرض لها يوميا تقريبا من بعض الأوساط السياسية ومن بعض وسائل الإعلام.

* لقد خلق فوزكم في الانتخابات الأخيرة المفاجأة في تونس. فهل تعتقدون أن فوزكم كان بمثابة رمية بلا رام؟

- برنامجنا ينحاز للفقراء والمظلومين، ويقدم الإسلام، دين التوحيد والعدل ومكارم الأخلاق، برنامجا عمليا للحرية والعدالة الاجتماعية، ويستفيد في نفس الوقت من التجارب الغربية المعاصرة في الحكم والعدل، وكل هذا برأيي يصب في نصرة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. هذا ما أرجوه. والله تعالى وعد جميع عباده المؤمنين بالنصر إن نصروه: «يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم».

* أعلنتم أنكم ستؤسسون حزبا سياسيا. هل سيحمل نفس الاسم الحالي «العريضة الشعبية»؟

- طلبت من أنصاري تأسيس حزب سياسي يسهل تأطير أنصار «العريضة الشعبية»، وقد حصلنا على الترخيص له في شهر يوليو (تموز) الماضي. سنعمل على توظيفه في هذه المرحلة لتنظيم عمل أنصار العريضة في الجهات. أما الانتخابات المقبلة فسنشارك فيها إن شاء الله باسم «العريضة الشعبية» وليس باسم الحزب.

* الملاحظ في وسائل الإعلام التونسية أن هناك استعداء شخصيا تجاهك أكثر من استعداء «العريضة الشعبية»، ما تعليقكم؟

- عندما أرى شراسة الحملة الإعلامية التي أتعرض لها من بعض الأحزاب والكتاب والصحافيين في تونس أحس أنني مثل من دخل غابة مليئة بالذئاب المتوحشة. لقد نصبت لي المشانق الإعلامية في تونس منذ إعلان فوز العرائض الشعبية، وأحس بالظلم الشديد.

* بعد أن دخلت «العريضة الشعبية» للمؤسسة التشريعية التونسية، وأصبح بإمكانكم الحصول على حصة في الإعلام التونسي الذي اشتكيتم كثيرا من تعتيمه عليكم، ما هو تصوركم للحملة الانتخابية التي تنوون خوضها مستقبلا (الرئاسات، والبرلمانيات والبلديات)، وما هو دور قناة «المستقلة» في ذلك خلال المرحلة المقبلة؟

- مبدئيا، سأسعى لتكون «العريضة الشعبية» حاضرة في جميع المواعيد الانتخابية المقبلة، وهدفنا هو الحصول على أغلبية تمكننا من تنفيذ برنامجنا وفي مقدمته الصحة المجانية ومنحة البطالة والتنقل المجاني للمتقاعدين وإنشاء ديوان المظالم وديوان الزكاة ووزارة العمال التونسيين في الخارج. حملتنا الإعلامية ستقوم على الصدق والشفافية والالتحام بالفقراء والمستضعفين. أما قناة «المستقلة» فهي فضائية مستقلة، تفتح فضاءها لجميع التيارات التونسية بحياد وموضوعية. في الشهور الماضية دعت القناة قادة الأحزاب الكبرى جميعهم، وتركت مقاعدهم واضحة وفارغة في الاستوديو. هم من تجاهل الدعوة ورفض قبولها.

* أعلنتم خلال الحملة الانتخابية الأخيرة أنكم في حالة فوزكم برئاسة الجمهورية، سوف تنتقلون للعيش في الأحياء الهامشية، وأنك لن تقيم في قصر قرطاج الرئاسي، ألا ترى أن في ذلك ديماغوغية تروم فقط دغدغة عواطف الطبقات الشعبية والمعدمة؟

- أريد أن أقتدي بسنة الرحمة المهداة للعالمين سيدنا محمد خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام. وضعي المادي اليوم ميسور ولله الحمد. أما إذا حكمت فيجب أن أكون قريبا من الفقراء والمساكين. أريد إحياء سنة الخلفاء الراشدين في الحكم، وخاصة سيرة عمر بن الخطاب في العدل والزهد. هذا التلميذ المتألق من تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم حكم فعدل فأمن فنام. حتى لو تركت الاعتبار الأخروي جانبا وهو الأهم في الموضوع، فإن المجد الدنيوي للحاكم إنما يكون بالعدل والاقتراب من الشرائح الشعبية. وكلمة السر عندي لتنمية تونس، وكل البلدان العربية هي: العدل أولا، والعدل ثانيا، والعدل ثالثا.