اليونان: تغيير هيئة الأركان العسكرية بعد مخاوف من حدوث انقلاب في خضم أزمة سياسية

انشقاق داخل الحزب الاشتراكي الحاكم يعزز أجواء القلق بين الرأي العام

يوناني يقرأ الصحف اليومية في كشك بالشارع التجاري الرئيسي إرمو، في أثينا، أمس(إ.ب.أ)
TT

أعلنت اليونان عن تغيير كل أعضاء هيئة الأركان العسكرية، في خضم أزمة سياسية تهدد بإسقاط الحكومة، إثر قرارها المفاجئ بتنظيم استفتاء حول الخطة الأوروبية لإنقاذ اليونان. وأعلنت وزارة الدفاع في بيان صدر مساء أول من أمس الثلاثاء، أن مجلس أمن الدولة الذي اجتمع برئاسة رئيس الوزراء جورج باباندريو بدل قائد هيئة أركان القوات المسلحة اليونانية وقادة أسلحة البر والبحرية والجو، وعزل 12 ضابطا في سلاح البحرية من مناصبهم.

وأكد مصدر في وزارة الدفاع لوكالة الصحافة الفرنسية أن الاجتماعات والتعديلات في القيادة كانت مقررة منذ وقت طويل ولا علاقة لها إطلاقا بالوضع السياسي.

ويتم تبديل هيئة الأركان في اليونان كل سنتين أو ثلاث سنوات. والقادة العسكريون الذين تم تبديلهم الأربعاء عينتهم الحكومة السابقة بقيادة المحافظين عام 2009، باستثناء رئيس هيئة أركان سلاح البحرية الذي عينته الحكومة الاشتراكية الحالية العام الماضي. غير أن أحزاب المعارضة هاجمت على الفور الحكومة على هذا القرار.

وتساءلت أحزاب المعارضة حول دوافع الحكومة وراء التغيير المفاجئ لرئيس هيئة أركان القوات المسلحة وقائدي البحرية وسلاح الجو، قائلة إنها تظهر أن الحكومة كانت على وشك الانهيار، في ظل مخاوف من حدوث انقلاب، وذلك وفقا لما ذكرته تقارير صحيفة.

وقال وزير الدفاع اليوناني بانوس بيجليتيس إن التعديل كان سيجرى منذ فترة وإن اجتماع مجلس الحكومة للشؤون الخارجية والدفاع الذي عقد الثلاثاء، كان من المقرر أن يعقد منذ أسابيع. وقال مصدر بوزارة الدفاع لوكالة الأنباء الألمانية إن الاجتماع لم تكن له صلة بالتطورات السياسية.

وقالت مارغاريتيس تزيماس، المكلفة المسائل الدفاعية في حزب الديمقراطية الجديدة (معارضة يمينية)، «لقد انتهى أمركم، اتركوا القوات المسلحة وشأنها»، واصفة تبديل القيادة بقرار «معارض للديمقراطية». كذلك تساءلت الأحزاب الأخرى عن دوافع الحكومة.

ورأى اليسار الديمقراطي أن «ذلك يعزز أجواء القلق وعدم الوضوح المخيمة بين الرأي العام».

وأدى إعلان باباندريو المفاجئ عن تنظيم استفتاء مطلع 2012 وتصويت على الثقة بالحكومة الجمعة، إلى إطلاق التكهنات حول رحيل رئيس الوزراء واحتمال إجراء انتخابات مبكرة مع تقلص غالبية الحكومة في البرلمان إلى 152 مقعدا من أصل 300.

وأوضح خبير في الحياة السياسية اليونانية أن رؤساء الوزراء اليونانيين، أيا كان انتماؤهم السياسي، يعمدون عادة إلى تبديل هيئة الأركان قبل تناوب سياسي بتعيين قادة يعتبرون موالين لتيارهم.

وفي ظل الأجواء السياسية والاجتماعية المضطربة، يحمل مثل هذا الاستفتاء الكثير من المخاطر التي تهدد بالانعكاس على الاتحاد النقدي بمجمله. وعلى أثر الإعلان عن تنظيمه، سجل تدهور في جميع الأسواق المالية. وعمت البلبلة صفوف القادة الأوروبيين وقد سعوا لإخماد الحريق الذي يهدد بالاندلاع.

ومن المقرر أن يجري الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي تستضيف بلاده قمة مجموعة العشرين، مكالمة هاتفية مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل عقد اجتماع أزمة حول اليونان.

وبعد أسابيع من التردد والبلبلة، بدا وكأن منطقة اليورو سوت جميع المشكلات تمهيدا لعقد قمة الدول الغنية والناشئة الكبرى التي يفترض أن تأتي تتويجا للرئاسة الفرنسية لمجموعة العشرين هذه السنة.

وكانت منطقة اليورو الخاضعة لضغوط شديدة من شركائها وفي طليعتهم الولايات المتحدة، وعدت بالحضور إلى (كان) مع حل ذي صدقية لاحتواء أزمة ديونها التي بدأت تلقي بظلها على نمو الاقتصاد العالمي. وكان الأوروبيون يأملون بالتالي الوصول إلى (كان) في أجواء من الارتياح بعيدا عن ضغوط الأسواق المالية.

غير أن القرار اليوناني قلب الأوضاع تماما، على الرغم من التصريحات المطمئنة التي صدرت في بروكسل، حيث أعلن رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي، ورئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو، في بيان «لدينا ثقة كاملة بأن اليونان ستفي بالالتزامات التي قطعتها لمنطقة اليورو والأسرة الدولية».

ووعد البيان الذي يبدو في ضوء التطورات الأخيرة مسرفا في التفاؤل، بوضع قرارات الأسبوع الماضي موضع التنفيذ «في أسرع وقت ممكن»، عقب دعوة باباندريو لإجراء استفتاء حول خطة الإنقاذ الثانية التي أقرها الاتحاد الأوروبي.

ومن جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية المتخصص بالشؤون اليونانية بجامعة دارمشتات الألمانية أن الخطوة التي أقدم عليها باباندريو خطوة تكتيكية ذكية منه.

وأوضح هوبرت هاينيلت لوكالة الأنباء الألمانية أن الاستفتاء محفوف بالمخاطر ولكنه قرار صحيح، «لأن رئيس الوزراء اليوناني يحتاج من ناحية المبدأ لتصويت اليونانيين لصالح تطبيق بنود خطة الإنقاذ بعد أن تقلصت أغلبيته في البرلمان».

وقال مارك تواتي، كبير الاقتصاديين بشركة مالية بباريس، إنه في حال إجراء الاستفتاء فإن أصوات الرافضين لخطة الإنقاذ سترجح، وأضاف أن أثينا «دخلت لعبة انتحارية قد تقود لخروجها من منطقة اليورو».

ويرى ديفيد تيسمار، أستاذ التمويل بكلية إدارة الأعمال «إتش إي سي» بباريس، أن على السياسيين بأوروبا الاستعداد لسيناريو محتمل لمغادرة اليونان لمنطقة اليورو، وأضاف أنه سيكون من الكارثي عدم التهيؤ لهذا الاحتمال.