زامبيا تشهد تغييرا استثنائيا عبر صناديق الاقتراع وحّد بين قبائلها السبعين

الرئيس السابق بعد هزيمته: عليك التوقف عن الرقص حين تتوقف الموسيقى

TT

وقف غاي سكوت في ذلك اليوم في وسط برلمان زامبيا، حيث توجد دمية لأسد وفهد محشو على الأرض، وأخذ يقول: «هذه البلاد هي محل حسد أفريقيا». وأخذ زملاؤه يصفقون ويصيحون ويهنئون أنفسهم على الإنجاز نادر الحدوث في القارة، وهو الانتقال السلمي للسلطة بعد هزيمة الرئيس الحالي الذي أنفق ملايين الدولارات من أجل إعادة انتخابه والاحتفاظ بمنصبه. على نحو ما، كان ذكاء من سكوت تسليط الضوء على هذه الدرجة غير العادية من الاستقرار والتناغم. سكوت هو نائب رئيس زامبيا، وهو ذو بشرة بيضاء، ويصف نفسه بالمسؤول «الأكثر بياضا» في دول أفريقيا جنوب الصحراء، ويبدو أنه على صواب.

وفي الوقت الذي تتسم فيه العلاقات بين البيض والسود بالحساسية في بعض الدول الأخرى، ففي زيمبابوي يُطرد البيض من المزارع وفي جنوب أفريقيا يناضل السود من أجل الحصول على حقهم في غناء «أطلق النار على البوير»، وهو لفظ يطلق على المستوطنين البيض، تقلد سكوت ثاني أهم منصب في زامبيا دون مشكلات. وقال بول بوندا، طالب ويعمل سائق سيارة أجرة في لوساكا العاصمة، بينما ترتسم على وجهه ابتسامة: «نحن لا نحب سكوت فحسب، بل نعشقه». على عكس الكثير من الدول في القارة الأفريقية، نجت زامبيا من مجاعات مزمنة وحروب أهلية وسياسات عرقية أو عنصرية خطيرة. وتعد خسارة رئيس أفريقي في انتخابات تنافسية والتقاعد بهدوء بجانب حوض السباحة أمرا غير معتاد، لكن كان هذا هو بالضبط ما فعله روبيا باندا.

قال باندا الذي تولى الرئاسة عام 2008، بينما يلعب أطفاله حوله: «هناك تعبير دارج في قريتنا، هو أن عليك التوقف عن الرقص حين تتوقف الموسيقى». إنها بلد ذات مساحة كبيرة نسبيا على شكل حبة فول سوداني وتتميز بسمات استثنائية على نحو آخر. وتثير فكرة الارتباط بالصين، التي وقعت اتفاقيات كثيرة للتعدين في القارة وتنفق المليارات للارتباط بالحكام الأفارقة، غضب الحكومة الجديدة. في كينيا يعمل الصينيون مع هيئة استخبارات قومية. وشحنت الصين أسلحة إلى زيمبابوي، بينما كانت تعذب المعارضين لديها. وفي جنوب أفريقيا يتمتع الصينيون بنفوذ كبير حتى إنهم ضغطوا على الحكومة لرفض منح التأشيرة للدلاي لاما الذي دعم النشطاء المناهضين لسياسة التمييز العنصري لسنوات.

لكن في الوقت الذي يقول فيه الكثير من القادة الأفارقة إنهم يرحبون بالصين ويفضلون طريقتها في التجارة عن الغرب، دعا مايكل ساتا، الرئيس الجديد لزامبيا، خلال حملته الانتخابية بوضوح إلى حماية العمال من استغلال الصين لهم. مع ذلك يحرص على عدم التهديد بطرد الصينيين الذين يديرون مناجم النحاس والفحم ومزارع الدجاج والمصارف. ما وصفة زامبيا للاستقرار إذن؟ وكيف حققت هذه الدولة بهدوء أمرا كان بعيد المنال في أكثر الدول الأفريقية؟

يشير سكان زامبيا إلى تاريخهم. فقد وصف إغناتيوس بواليا، مؤرخ في جامعة زامبيا، بلده بأنها رقعة تجمع خليطا من المهاجرين الهاربين من الحروب المندلعة في أنحاء أخرى من أفريقيا مثل الكونغو وأنغولا وجنوب أفريقيا منذ مئات السنين، مما أدى إلى بغضهم للصراعات. وتتضمن ثقافة زامبيا آلية تصالح تسمى «أبناء عمومة القبائل»، التي تسمح لبعض الجماعات العرقية إهانة الآخرين على سبيل الدعابة مما ينفس عن الصراعات والعداوات العرقية. يقول بواليا: «نحن مرنون». أما في ما يتعلق بالعلاقات بين الأعراق، يقول الكثير من الزامبيين إنها لا شيء، لأنها كانت تحت الانتداب البريطاني ولم تكن مستعمرة، لم يغزُ المستوطنون البيض البلاد كما فعلوا في كينيا وجنوب رودس (زيمبابوي حاليا) وجنوب أفريقيا. يعيش أقل من 50 ألف أبيض من 14 مليونا في هذه البلاد بحسب تقديرات المحللين. وقال لوبيندا، مشرع مخلط: «لا تكمن المرارة في ذلك».

إنها بلدة كبيرة تتعدى مساحتها مساحة تكساس وأرضها خصبة وبها أنهار ونحاس. بلغ إنتاج زامبيا العام الماضي من النحاس أكثر من مليار رطل، مما جلب لها مليارات الدولارات. كان أول رئيس لزامبيا هو كينيث كاوندا، وكان ذا ميول اشتراكية وهدم مناجم النحاس، لكن يعود له فضل تبني سياسات وحدت بين قبائل زامبيا السبعين. عندما تم الضغط على كاوندا عام 1991 من أجل إجراء انتخابات تعددية، مُني بالهزيمة. وبعد 27 عاما من البقاء في السلطة سلمها. لم يتخلّ الحزب الحاكم في كينيا عن السلطة إلا بعد أحد عشر عاما، وشهدت الانتخابات جرائم قتل بحسب أوامر الحكومة. ولم تشهد تنزانيا وبتسوانا، اللتان تصنفان مع زامبيا من جهة الاستقرار، تسليما كاملا للسلطة بعد، حيث لا تزال الجماعات السياسية نفسها هي التي تحكم منذ الاستقلال. كان يُعرف عن خليفة كاوندا الفساد وسرقة أرباح النحاس وساهم في إحداث الفجوة بين الفقراء والأغنياء. بات الإرث واضحا الآن، حيث تصطف في بعض شوارع لوساكا منازل فخمة وأشجار الجاكراندا رائعة الجمال التي تتساقط أوراقها فتلتصق بسطح الشارع الأسفلتي وكأنها قطرات زرقاء زاهية. ولا يبعد عن هذا المشهد مشهد آخر من العشوائيات التي لا تحتوي على تلك الأشجار أو أي نوع آخر من الأشجار، بل على أطنان من القمامة والمنازل الإسمنتية. هذا البون الشاسع الظالم بين العالمين كان دافعا لساتا، العضو السابق في اتحاد التجارة والوزير السابق. لقد كان بطل الأحياء الفقيرة ووعد بتقسيم الثروة في زامبيا. ورد باندا من خلال إنفاق مبلغ ضخم على حملته الانتخابية الأخيرة وتصدق بأقمشة ودراجات وسلع أخرى في أنحاء البلاد.

ومع بدء الانتخابات بدأ الاستقرار الذي تتطلع إليه زامبيا يتأرجح مثل العملة. وأثار تأخر الإعلان عن النتائج بعض أعمال الشغب وتم إضرام النار في المباني. وقال سكوت: «لقد أوشك الأمر على الانفجار». لكن في منتصف يوم 23 سبتمبر (أيلول) أقرّ باندا بهزيمته. وقال السفير الأميركي مارك ستوريلا: «لقد كانت انتخابات جيدة جدا. ما حدث هنا سيشجع الآخرين»، يبد أن الهدوء قد عاد، حيث يتجول سكوت في موكب بوجهه الأبيض خلف الزجاج اللامع. ويريد ساتا توفير فرص عمل وإعادة توزيع أرباح النحاس مما يثير قلق وتوتر بعض رجال الأعمال.

في اليوم التالي وقف سيريل غوترونيتش، وهو تاجر نحاس من جنوب أفريقيا، في بهو القصر الرئاسي وهو يحمل صندوقا ضخما مغلفا بغلاف للهدايا. وقال هامسا وهو يوضح أن الهدية التي يحملها تمثال من شركة التعدين الخاصة به للرئيس الجديد: «لا نعرف بالضبط ما الذي تعنيه هذه الانتخابات بالنسبة لرجال الأعمال، لكنها مذهلة بالنسبة للمنطقة».

إن ساتا ليس ساذجا، فهو يعرف الكثير عن اقتصاد الدولة والنحاس. لقد دخل الغرفة متبخترا في حلته ذات الصفين من الأزرار وألقى نظرة على الأشخاص الذين ينتظرون منذ ساعات. وقال مشيرا إلى صندوق غوترونيتش: «أنت، تعالَ معي». وغاب الاثنان عن الأنظار، وكان غوترونيتش ينوء بحمل الصندوق.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»