إقرار عام بأن الانتخابات الأميركية ستعطل عملية السلام

بيكر: مفاوضات السلام شبه مستحيلة في الظروف الحالية

TT

بعد مرور عشرين عاما على مؤتمر مدريد الذي مهد لاتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ما زال الاحتلال الإسرائيلي قائما، وما زال النزاع العربي – الإسرائيلي مليئا بالتعقيدات. واعتبر وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر الذي كان من أبرز اللاعبين في عقد مؤتمر مدريد، أن «حينها ظهرت المفاوضات (بين الفلسطينيين والإسرائيليين) مستحيلة، ولكن ربما ليس بقدر ما هي مستحيلة الآن». وعدد بيكر أسباب شبه استحالة عقد المفاوضات والتوصل إلى اتفاق سلام، وعلى رأسها رفض الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دخول مفاوضات جدية، ومواصلة بناء المستوطنات، بالإضافة إلى الخلافات الفلسطينية الداخلية، وانعدام القيادة الأميركية الملتزمة بعملية السلام، بغض النظر عن التصريحات العلنية.

وإحياء للذكرى العشرين لمؤتمر مدريد الذي عقد في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1991، عقد «معهد الولايات المتحدة للسلام» مؤتمرا حول «الطريق إلى الأمام لتحقيق السلام بين العرب والإسرائيليين»، أكد فيه عدد من المشاركين أن أي تقدم ملموس في عملية السلام لن يحدث قبل الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2012. وأضاف بيكر: «عملية السلام لم تمت بعد، ولكنها تتنهد.. نحن بحاجة إلى قيادة أميركية حقيقية، وهناك حاجة إلى دفع عملية السلام قبل أن يفوت الأوان بينما تنغلق تدريجيا نافذة فرص إحلال السلام مع انتقال كل مستوطن جديد إلى المستوطنات» الإسرائيلية غير الشرعية على أراض فلسطينية.

وربط بيكر، الذي ألقى خطابا أمام المؤتمر المنعقد في واشنطن، بين الأحداث التاريخية في نهاية القرن الماضي وإمكانية عقد مؤتمر مدريد، مشيرا إلى أن العالم الآن أيضا يمر بأحداث تاريخية. وقال: «انعقد مؤتمر مدريد في وقت شهد تغييرات تاريخية حقيقية»، مشيرا إلى انهيار جدار برلين واقتراب انهيار الاتحاد السوفياتي. وتحدث بيكر عن أهمية حرب الخليج عام 1991 وإضعاف نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين تحقيق انعقاد مؤتمر مدريد، قائلا: «بهزم رابع أكبر جيش، دعمنا أمن إسرائيل، وساعدنا الدول المعتدلة في العالم العربي.. وزادت الثقة بالولايات المتحدة».

وشدد بيكر على أهمية المؤتمر في فتح المجال للإسرائيليين ليتحاوروا مباشرة مع العرب، قائلا: «أردنا أن نكسر الصورة المحرمة للمفاوضات بين العرب والإسرائيليين». وأضاف: «مدريد سمحت للسعودية وغيرها من الدول بالمشاركة في عملية السلام من خلال مفاوضات جماعية، وخلال 3 سنوات وقعت اتفاقية أوسلو و(سلام مع الأردن)». ولفت بيكر إلى أهمية إقناع سوريا بحضور مؤتمر مدريد وتخليها عن «سياسة تمسكت بها منذ 1948» والمعارضة للحديث مع الإسرائيليين. ولفت بيكر إلى الأحداث في العالم العربي هذا العام، مسميا إياها «النهضة العربية» التي قال إنها «تغير طبيعة الشرق الأوسط.. فآراء الناس العادية في الشارع ستؤثر بشكل متزايد على قرارات القادة، مما سيصعب التفاوض مع إسرائيل على المدى القصير». ولكنه أضاف: «في النهاية، النهضة العربية ستساعد المنطقة وتدفعها إلى الأمام على المدى البعيد، ولكن على المدى القصير سنشهد فترة تثير القلق». وتابع: «يجب أن نحمي مصالحنا بناء على كل دولة على حدة في التعامل مع النهضة العربية».

وفي حين شدد بيكر على أهمية الشروع في مفاوضات سلام بأسرع وقت ممكن، قال: «يجب أن نكون واقعيين وعقلانيين في العمل على السلام، ولن يحدث شيء قبل انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2012.. لا توجد فرصة لإحداث اختراق في عملية السلام خلال العام المقبل». واعتبر أن «الدرس الأكبر لمؤتمر مدريد هو أن الوقت يجب أن يكون مناسبا لأي نجاح.. فيجب أن يكون الفلسطينيون متحدين للتفاوض من أجل السلام، ويجب أن تكون الحكومة الإسرائيلية حكومة مستعدة للتوجه إلى الأمام من أجل السلام». وأضاف: «التخلص من المشكلة بين حماس وفتح، وخروج حكومة إسرائيلية تريد السلام، عنصران مهمان قبل أن يتحقق تقدم حقيقي، ولكن هناك خطوات ممكنة يمكن العمل عليها». وقال إن هذه الخطوات تشمل إبقاء الهدوء في غزة وعدم السماح باندلاع العنف فيها، بالإضافة إلى دعم المؤسسات الفلسطينية والأمن الفلسطيني، بالإضافة إلى حماية اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. وحذر بيكر من أنه إذا انهار السلام بين مصر وإسرائيل «سينفجر الوضع».

وقال نوفيك إن إدارة جورج بوش الأب اعتبرت أن «السلام في الشرق الأوسط عنصر أساسي للأمن القومي الأميركي»، مما جعل مؤتمر مدريد ممكنا، بينما أشار إلى أن الإدارة الحالية تلتزم بمبدأ «لا يمكن أن تريد الولايات المتحدة السلام أكثر من الأطراف المعنية».

من جانبه، اعتبر شعث أن مؤتمر مدريد «جعلنا نشعر للمرة الأولى بأن الولايات المتحدة ستبقى ملتزمة بمسار السلام». وأضاف: «أبدت الولايات المتحدة جديتها، وهذا ما نحتاجه اليوم.. نحن نتوجه إلى اليونيسكو والولايات المتحدة تقطع التمويل، هذا غير معقول».

من جهته، اعتبر الأمير تركي الفيصل السفير السعودي السابق في واشنطن، أن «نسبة الدعم للولايات المتحدة كانت في أعلى المستويات بالمنطقة» بعد مدريد «لأنها كانت مفاوضات جدية وذات مصداقية».

وكان من اللافت التشاؤم الذي يشعر به الأمير تركي من الأحداث في المنطقة، قائلا إنه يرفض تسميات مثل «الربيع العربي» أو «الصحوة العربية»، معتبرا أن ما نشهده «مشكلات عربية». ولفت إلى أن مبادرة السلام العربية ما زالت الحل الوحيد الحقيقي للنزاع العربي - الإسرائيلي، معتبرا أنها «شاملة في وضع رؤية لما يعنيه السلام للعرب والإسرائيليين في التعاون الدبلوماسي ،واعتراف بالعواصم وإنهاء قضية اللاجئين.. وغير ذلك». وأضاف: «ما زالت الجامعة العربية ملتزمة بها ولا يمكن استبدالها، وليس من الحكمة التخلي عنها، فلا يوجد بديل، فإذا كان البديل الحرب، من سيقوم بها؟ وإلى متى؟ أو مواصلة المفاوضات ونحن نعيش ذلك منذ عشرين عاما». ولكنه لفت إلى أن الإسرائيليين «لم يوافقوا عليها حتى الآن.. وعلى الإسرائيليين أن يقبلوها أو يقدموا بديلا».