تونس: خلافات على «الرئاسات» الثلاث.. و«النهضة» تحجز كرسي رئيس الحكومة

الباجي قائد السبسي خارج دائرة الحسابات السياسية

تونسيون يبحثون عن خرا ف باسعار مناسبة في احد الاسواق بضواحي تونس العاصمة استعدادا لعيد الاضحى (رويترز)
TT

تغري مناصب الرئاسات الثلاث (رئاسة المجلس التأسيسي ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية) في تونس أكثر من طرف سياسي، فالنهضة «حجزت» مبكرا على ما يبدو كرسي رئيس الحكومة للأمين العام للحزب حمادي الجبالي وهي تستند في ذلك إلى أن الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات هو الذي يكلف بتشكيل الحكومة ورئاستها، إلا أنها مع ذلك لا تريد حكومة لوحدها بل تسعى إلى أن تشرك بقية الأحزاب السياسية فيما ستختاره من مشاريع وبرامج عاجلة توجهها إلى الطبقات الاجتماعية التي هي في حاجة للتدخل من أجل إعادة حياتها إلى سيرها الطبيعي.

وتتواصل في تونس العاصمة جلسات «ماراثونية» بين الأحزاب الثلاثة صاحبة المراتب الأولى في انتخابات المجلس التأسيسي. وما زالت مختلف السيناريوهات فحركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية بزعامة المنصف المرزوقي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بقيادة مصطفى بن جعفر يسعون إلى إخفاء أوراقهم وعدم التصريح بما من شأنه أن يضعف وضعيتهم في عملية تفاوض قيل عنها إنها «صعبة ومضنية». وقد يكون الباجي قائد السبسي حسب آخر الأخبار خارج دائرة الحسابات السياسية بعد المعارضة الكبرى التي يلقاها من قبل حزب المؤتمر الذي طالب بإرساء شرعية جديدة بعد انتخابات المجلس التأسيسي.

ويرى متابعون للمشهد السياسي التونسي بعد الانتخابات أن حزب المؤتمر يلعب دور الوسيط والمحرك بين حركة النهضة وحزب التكتل ويفسر ذلك بالخصوص بالاختلافات السياسية الهامة التي تفرق بين وجهتي نظر الحزبين. ويبدو أن حصول اتفاق بين النهضة والتكتل سيمثل نقلة نوعية في الحوار الدائر بين مختلف الأطراف على أن يسعى كل منهما إلى الابتعاد قليلا عن التفسير الإيديولوجي لكل التحركات السياسية الدائرة بين مختلف الأطراف السياسية ومن بينها من ليس في قائمة الثلاثة أحزاب الأولى في نتائج انتخابات المجلس.

وتلقى عملية ترشيح الجبالي لرئاسة الحكومة في تونس بعض الاعتراضات الغربية من بينها ما عبرت عنه أطراف ألمانية ترى أن حركة النهضة هي التي تقف وراء تفجير أربعة نزل في الساحل التونسي وهي بالتالي لا توافق على إسناد منصب رئيس الحكومة القادمة لشخص من حزب تعتبره المسؤول الأول على تلك التفجيرات، وهو ما قد يضع حركة النهضة في مأزق سياسي كبير خلال الفترة القادمة بالنظر للتأثير السياسي لألمانيا على قرارات الاتحاد الأوروبي. كما أن بقية الأحزاب وخاصة تلك التي «تلعب» خارج دائرة الأحزاب الثلاثة ومن بينها كل التيارات اليسارية قد تسعى من منطلق إيديولوجي بحت إلى عرقلة مساعي النهضة لقيادة البلاد وربما تحقق هدفها في الإطاحة بحركة النهضة منذ الجولة الأولى عبر كشف عجزها عن إدارة الدولة بعد الثورة وذلك منذ الامتحان الأول وقد تسعى إلى عرقلة برامج حركة النهضة بعيدا عن منطق تريد النهضة أن تسوقه وهو يقول إن النجاح جماعي والفشل كذلك جماعي خاصة خلال هذه الفترة الانتقالية الحساسة.

وتتمسك حركة النهضة وفق آخر المعطيات بأربع وزارات لا تود التفريط في واحدة منها وهي وزارة العدل والخارجية والتربية والثقافة. وقد يكون مصطفى بن جعفر مرشحا لمنصب رئاسة الجمهورية وهو منصب قد يتماشى مع توجهاته نحو الوفاق وحسن التسيير للمفاوضات وللعملية السياسية بعد الثورة وعدم دخوله الحكومة الأولى والثانية لمحمد الغنوشي كما فعل أحمد نجيب الشابي وأحمد إبراهيم وهو ما أثر لاحقا على أدائهما في انتخابات المجلس.

في هدا الشأن قال سمير ديلو عضو المكتب السياسي لحركة النهضة إن المفاوضات ستتواصل إلى ما بعد عيد الأضحى ونفى أن تكون النهضة قد تمسكت بمناصب سياسية دون غيرها ويرى أن كل التفاهمات ستتم وفق التوافق بين جميع الأطياف السياسية حتى من يقبعون خارج دائرة المجلس التأسيسي. وأضاف أن حركة النهضة حزب سياسي مدني يسعى إلى تجميع آراء التونسيين والمرور بالبلد من حالة الركود الاقتصادي والاجتماعي والجمود السياسي إلى حالة جديدة تحافظ على توازنات تونس ومكاسبها الحضارية.

وتبدو بعض الاختلافات موجودة وطافية على السطح داخل حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وهو لا يضع اليد في يد حركة النهضة ويحافظ مع ذلك على «شعرة معاوية» ويمسك العصا من الوسط حتى لا يخسر التيارات اليسارية التي ترى أنه المحافظ على مكاسبها داخل المجلس باعتبار التوجه اليساري للحزب، إلا أنه مع ذلك لا يريد أن يخسر حركة النهضة اللاعب الأساسي في المشهد السياسي بعد الانتخابات. ويدرك أنه حزب يميل أكثر إلى اليسار ولا يدري كيف سينضم إلى حكومة يمين وكيف سيتعايش معها. ويقف التكتل تبعا لذلك في منتصف الطريق ولم يحدد من خلال تصريحات قياداته ماذا يريد بالضبط ولم يعلن إن كان مع الحكومة الجديدة أم أنه ضدها وإن كان يريد مناصب بعينها أم لا. ومع ذلك فان آخر الأنباء تشير إلى أن الأحزاب الثلاثة الأولى تفكر في بن جعفر في منصب رئاسة الجمهورية وهي تعتبر أنه بتجربته السياسية الطويلة ومواقفه السابقة وميله وإلى التعقل وعدم تفجير الساحة السياسية بتصريحات تأثيراتها غالبا ما تكون دموية يمكنه أن يملأ هذا المنصب.

وحول هدا الموضوع قال المولدي الرياحي القيادي في حزب التكتل، إن الحزب لا ينظر إلى المفاوضات نفس نظرة بقية الأحزاب إليها فهو يبتعد عن اعتبارها مناسبة لتقسيم المناصب والاستحواذ على أكبر نصيب من الكعكة. ويضيف أن الحزب قد ينأى بنفسه عن هده المفاوضات إذا كان غرضها الاستئثار بالمناصب والحقائب الوزارية. ويرى الرياحي أن الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبرنامج السياسي ممثلا في صياغة دستور يضمن للتونسيين حقوقهم وببعدهم عن شبح الديكتاتورية تحظى بأهمية كبرى لدى حزب التكتل وما تلك المناصب إلا وسيلة لتنفيذ تلك الإصلاحات.