أمين عام «حركة النهضة» الإسلامية الجزائرية: الحكومة وأحزابها تسعى للالتفاف على إرادة بوتفليقة في الإصلاح

ربيعي لـ «الشرق الأوسط»: انتشار الفساد وكثرة الاحتجاجات يحتمان إعادة بناء الدولة على أسس صحيحة

فاتح ربيعي
TT

قال فاتح ربيعي، زعيم «حركة النهضة» الإسلامية الجزائرية، إنه يتحفظ على الإصلاحات التي تعهد بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة «لأن منهجيتها خاطئة»، على أساس أن البداية كان ينبغي أن تكون بتعديل الدستور، ثم إدخال تغييرات على القوانين ذات العلاقة بالممارسة الديمقراطية، وليس العكس. وأوضح ربيعي في مقابلة مع «الشرق الأوسط» في الجزائر أن حزبه يريد العودة إلى تحديد فترات الترشح للرئاسة في ولاية واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة.

ويتوقع ربيعي أن يكون مصير «التحالف الرئاسي» شبيها بمصير الأحزاب الحاكمة في البلدان التي شهدت ثورات، وأن تتأثر الجزائر بالعملية السياسية التي جرت في تونس، والتي أفرزت فوزا كاسحا للإسلاميين.

وتعتبر «حركة النهضة» من أهم الأحزاب المعارضة بالجزائر، أسسها عبد الله جاب الله، أحد زعماء التيار الإسلامي نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي، وحقق معها نتيجة كبيرة نسبيا في انتخابات البرلمان عام 1997.

وغادر جاب الله الحزب ليؤسس آخر، وخلفه الحبيب آدمي، سفير الجزائر لدى المملكة العربية السعودية حاليا، ثم جاء على رأسه الدكتور ربيعي الذي يتناول في هذا الحوار الإصلاحات السياسية الموعودة، وحظوظ الإسلاميين في انتخابات البرلمان المرتقبة في ربيع 2012، وقضايا أخرى متعلقة بالأحداث في العالم العربي.

> وعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بإجراء إصلاحات سياسية شاملة، تجلت في تغيير مجموعة من القوانين. ما هي قراءتكم لهذه الخطوة؟

- نحن في حركة النهضة رحبنا بخطوة الرئيس من أول يوم أعلن فيه عن نيته إجراء إصلاحات بعد أحداث 5 يناير (كانون الثاني) 2011، وهي خطوة تستحق التنويه بحاجة الجزائر إلى إصلاحات شاملة وعميقة، نظرا لكون المنظومة القانونية التي تسير بها البلاد وخاصة ما تعلق منها بالجانب السياسي هي منظومة أزمة، بدءا بالدستور والقوانين العضوية المتعلقة بتنظيم الحياة السياسية كقانون الأحزاب وقانون الانتخابات.

ومن جهة ثانية، فإن المؤسسات القائمة وبخاصة المؤسسة التشريعية (البرلمان) تظل عاجزة عن مواكبة التطورات، تمثلها مجموعة أحزاب هي مجرد واجهة لتعددية صورية، مما جعل المؤسسة التشريعية أداة في يد الجهاز التنفيذي، فصارت هذه المؤسسة مجرد غرفة للتسجيل، وتمرير القوانين دون أن يكون لها سلطة المراقبة والمحاسبة والإقالة للحكومة.

إن ضعف المؤسسة الرقابية، جعل الجهاز التنفيذي بعيدا عن المحاسبة على الرغم من الإخفاقات في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وانتشار الفساد المالي والإداري، وكثرة الاحتجاجات، مما يحتم إعادة بناء مؤسسات الدولة بناء صحيحا، من خلال انتخابات حرة شفافة ونزيهة، ولا يتأتى ذلك قبل إصلاح المنظومة القانونية. وما تجدر الإشارة إليه هنا هو وجود إرادة تمثلها هذه الحكومة وأحزابها المتحالفة للالتفاف على إرادة الرئيس في الإصلاح، فتلجأ إلى المناورة، ولذلك كان مطلبنا إقالة هذه الحكومة واستبدالها بحكومة كفاءات للإشراف على الإصلاحات من جهة، وتوفير أجواء انتخابات حرة ونزيهة، من جهة ثانية.

> الرئيس قال إنه سيدخل تعديلا على الدستور. متى تتوقعون أن يتم ذلك وماذا تترقبون من هذا التعديل؟

- من أهم التحفظات التي أبدتها حركة النهضة بخصوص ملف الإصلاحات السياسية، كانت حول المنهجية الخاطئة لها في نظرنا، والتي قلبت الأمور من خلال البدء بالقوانين العادية ثم العضوية وتأخير تعديل الدستور، لما في ذلك من مخالفة صريحة لمبدأ سمو الدستور وتدرج القوانين.

ونتيجة لذلك وقعت اللجنة القانونية للبرلمان في مأزق، حين وجدت نفسها مضطرة لإصلاح قوانين مرتبطة بدستور يحتاج إلى إصلاح وتعديل، وهنا سنجد أنفسنا مستقبلا أمام خيار إخضاع الدستور القادم لهذه القوانين المعدلة أو تكييفه حسبها وهو خطأ فادح، أو أننا نضطر لتعديل ثان لهذه القوانين وفقا للدستور القادم وفي ذلك من هدر للمال والجهد ما لا يخفى.

ومع الإخفاق الواضح في اعتماد هذه المنهجية الخاطئة فإنه في نظرنا ما زالت أمامنا فرصة إنجاح الإصلاحات من خلال تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، ينبثق عنها برلمان ذو مصداقية توكل إليه مهمة تعديل الدستور.

> يجري الحديث عن عزم بوتفليقة تحديد فترات الترشح للرئاسة في ولاية واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة في الدستور الجديد؟

- وجهة نظرنا في هذا الموضوع واضحة عبرنا عنها عند تعديل الدستور سنة 2008، حينما تحفظنا على فتح الولاية الرئاسية بعد أن كانت محددة في اثنتين، ونأمل في التعديل القادم أن تكون واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة مثلما كان عليه الأمر في دستور 1996، لأن فكرة التداول على السلطة والمسؤولية تتحقق بتحديد فترة الحكم كما أن تحديد الولايات الرئاسية من صميم الأنظمة الديمقراطية.

ومن جهة أخرى، فقد أثبتت الدراسات أن طاقة الإنسان محددة ستنفذ في مدتها القصوى بولايتين وبعدها يحتاج المسؤول إلى راحة وتجديد الطاقة ورأينا بأن الرئاسة من دون مدة محددة كان سببا في الاستبداد والظلم في العالم العربي، مما أدى إلى قيام ثورات شبابية كانت نتائجها مكلفة في أحيان كثيرة على النسيج الاجتماعي والبنية السياسية والاقتصادية.

> يلاحظ كثير من المتتبعين انسحاب الرئيس بوتفليقة من المشهد العام، فهو لا يظهر إلى عند استقبال ضيوف أجانب. إلى ما يعود ذلك؟

- لا يمكنني أن أدخل سوق الشائعات، فقد قيل عن الرئيس في ولايته الأولى بأنه لا يستطيع إتمامها، وأتمها وزاد الثانية وهو في الثالثة، ولم يبق منها سوى سنتين، أتمنى للرئيس الصحة ودوام العافية حتى يوفق في تحقيق إصلاحات شاملة وعميقة، ويتغلب على إرادة إفشال الإصلاحات، ويختمها بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة تعيد المصداقية للعملية السياسية، وتعيد بناء مؤسسات الدولة لتقوي على التجاوب مع تطلعات الشعب وانشغالاته في الحرية والتنمية والعدالة.

> يرتقب تنظيم انتخابات برلمانية في مايو (أيار) 2012، هناك من يقول بأن أحزاب «التحالف الرئاسي» ستكتسحها. ما هي توقعاتكم، وما هو نصيب حركة النهضة فيها؟

- الانتخابات كلما حل موعدها كانت فرصة سانحة لتحقيق الوثبة المطلوبة من خلال انتخابات حرة ونزيهة، ومع الأسف فإن هذه الفرصة كانت تفلت دائما في عالمنا العربي بفعل التزوير وتحريف إرادة الناخبين، فقتلت الأنظمة بذلك إرادة الإنسان في التغيير من خلال صناديق الاقتراع، وزرعت فيه اليأس والقنوط فانعكس ذلك على أدائه في مختلف الميادين، وعجز عن تحقيق التنمية المطلوبة.

فإذا كانت الانتخابات نزيهة فإن مصير أحزاب التحالف الرئاسي ما وقع للأحزاب الحاكمة في العالم العربي حيث نجحت الثورات لأنها مسؤولة عن الفشل، وهي في كل مناسبة انتخابية تستغل نفوذها في الإدارة، وتوظف إمكانيات الدولة لإنجاح مرشحيها، ولذلك رفضت إبعاد هيمنة الإدارة عن العملية الانتخابية، كما رفضت المادة 93 من مشروع قانون الانتخابات والتي تقضي باستقالة الوزراء المرشحين.

قراءتنا للساحة السياسية في الجزائر تؤكد أنه في حالة إجراء انتخابات يتوفر فيها معايير النزاهة والشفافية، فإن «النهضة» ستحقق فوزا عريضا، وبالمقابل فإن أحزاب التحالف الرئاسي ستتعرض لعقاب شعبي من خلال صندوق الاقتراع وتحل بها الهزيمة المؤكدة.

> ما هي تداعيات فوز الإسلاميين في تونس على الخارطة السياسية بالجزائر؟

- بالتأكيد فإن الدول العربية يتأثر بعضها ببعض إيجابا أو سلبا، فثورة التحرير الجزائرية المباركة التي نحتفل هذه الأيام بذكرى اندلاعها أثرت في العالم كله، وما زالت ملهمة للشعوب العربية وغيرها، ومع أن شباب الجزائر كان سباقا للانتفاضة في 5 أكتوبر (تشرين الأول) 1988، وما عاشته الجزائر من محنة كادت تأتي على الأخضر واليابس وما زلنا نعاني من آثار تلك الأزمة إلى اليوم، مع ذلك كله لا يمكن أن تتفتق أزهار الربيع العربي في تونس ولا نشم رائحتها في الجزائر.

إن انتفاضة شباب تونس كانت ملهمة لشباب مصر، وليبيا، واليمن، وسوريا. وبنجاح التونسيين في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، بغض النظر عن الفائز، ستلهم شعوب المنطقة وتمثل نموذجا فيها وبخاصة على مستوى المغرب العربي.

لا أبالغ إن قلت بأن الجزائر كانت سباقة في ثورتها، وانتفاضها وفي تجربتها التعددية وفي شفافية الاقتراع أيضا، وفي حرية الإعلام والصحافة، ومع كل الأسف لم نثمن مكاسبنا، ودفعنا ثمنا باهظا لأخطائنا والعاقل من استفاد من أخطائه، وثمن إنجازاته واستفاد من تجارب غيره.

> لماذا تراجع أداء الإسلاميين في الجزائر في السنوات الأخيرة؟ هل يعود ذلك إلى الضرر الذي ألحقه الإرهاب بالجزائريين؟

- لا يمكن الحديث عن أداء التيار الإسلامي بعيدا عن العاصفة التي ألمت بالجزائر، وكادت تقضي على الأخضر واليابس، فالأزمة كانت عميقة، ومست الجزائر برمتها، والحمد لله أننا في إطار تجاوزها. ولما كانت الجزائر سباقة للتعددية وشبابها للانتفاضة، عاش التيار الإسلامي أيضا أوج قوته في تلك المرحلة، وقد أتيح له ما لم يتح لغيره في كثير من أقطار البلاد العربية، ولكن بفعل المؤامرة والأخطاء دفع هذا التيار الثمن ومعه الجزائر. وكان الثمن باهظا على جميع المستويات، وأعتقد أن الجزائريين إذا استفادوا من تجربتهم وتجاوزوا أسباب إخفاقاتهم فإن مستقبلهم بلا شك سيكون أفضل.