تقرير حقوقي يوثق التعرض لـ95 إعلاميا غداة تعهد النظام بالسماح للإعلام بالتنقل بحرية في سوريا

29 حالة اعتقال تعسفي و76 باختفاء قسري.. ومصير 14 صحافيا لا يزال مجهولا

انتشار عناصر من الجيش مع كاميرا قناة الدنيا في حي القابون (أوغاريت)
TT

في الرابع والعشرين من شهر مارس (آذار) الفائت، وبعد أيام على اندلاع التحركات الشعبية في سوريا، وتحديدا في درعا، أطلت المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد الدكتورة بثينة شعبان في مؤتمر صحافي، قالت خلاله: «بما أن الأحداث تجري في سوريا، فإن التلفزيون السوري هو الوحيد الذي ينقل الحقيقة، وليس أي شخص آخر».

شكل كلام شعبان صفارة الإنذار لانطلاق حملة تضييق إعلامية فرضتها السلطات السورية على كل البلدات والقرى التي شهدت مظاهرات واحتجاجات. اعتقلت العشرات من الإعلاميين والصحافيين ومنعت دخول الأجانب منهم، ومارست الضغوط على الصحافيين المحليين، غير آبهة بمقالات وتقارير ستصدر تباعا لتفضح الملاحقات وحالات القمع التي طالت العاملين في المجال الإعلامي، من سوريين وعرب وأجانب.

وعلى الرغم من تغييب التلفزيون السوري الرسمي والقنوات الخاصة التابعة للنظام السوري ووكالة الأنباء السورية لكل أخبار المظاهرات والاحتجاجات وعدد المعتقلين والقتلى، مكتفية بتقديم روايات تخدم النظام ونهجه، فإن ذلك لم يحل دون قيام إعلاميين كثر بواجباتهم، وتحول العديد من الناشطين السوريين إلى مراسلين في قلب الميدان، مستخدمين ما أتيح لهم من التكنولوجيا ووسائل التواصل لتقديم صورة حقيقية عما يجري داخل سوريا.

وبالتزامن مع إعلان النظام السوري موافقته على ورقة «العمل العربية» لحل الأزمة المندلعة منذ منتصف شهر مارس (آذار) الفائت، وتعهده ببند «فتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا للاطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور فيها من أحداث»، أعلن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM) عن رصده مائة وتسع حالات انتهاك بحق 95 صحافيا وعاملا في الحقل الإعلامي في سوريا، خلال الفترة الممتدة بين شهري فبراير (شباط) وأكتوبر (تشرين الأول) 2011.

وفي هذا السياق، أوضح مؤسس ومدير المركز، المرخص في فرنسا منذ عام 2004 والحاصل على صفة استشارية لدى الأمم المتحدة في العام الحالي، مازن درويش لـ«الشرق الأوسط»، أن صدور التقرير في هذا التوقيت بالذات إنما «يرمي إلى وضع حد فاصل بين مرحلة ما قبل تعهد النظام السوري بالسماح لوسائل الإعلام بالدخول إلى سوريا ومرحلة ما بعد، ولنرى ما إذا كان النظام سيلتزم فعليا بتطبيق ما تعهد به أم ستكون مجرد التزامات واهية».

وأشار إلى أن الحالات الموثقة في التقرير «هي الحالات التي أمكن توثيقها وجمعها، وثمة احتمال لأن يكون عددها أكبر»، لافتا إلى أن عملية التوثيق هذه حصلت من خلال «التواصل المباشر مع إعلاميين أو من خلال ما رووه لاحقا عن تجربتهم أو من خلال ما نقلته وسائل الإعلام عنهم وكذلك من خلال الشكاوى التي وردت إلينا».

ويوثق التقرير، الصادر أول من أمس بعنوان: «إعلاميون في سوريا.. الانتهاكات تعصف بهم من كل الجهات»، بشكل مسهب حالات التعرض لإعلاميين، موردا أسماءهم وتاريخ ومكان توقيفهم، وخلفية توقيفهم ووضعهم القانوني ثم تاريخ إطلاق سراحهم وبعض الملاحظات عنهم، من دون أن ينكر التقرير صعوبة «تأكيد المعلومات من الجهات الرسمية، خصوصا بعد أن حولت السلطات السورية فروع الأمن إلى ضابطة عدلية»، وبصعوبة «الحركة لرصد الانتهاكات بحق إعلاميين في مختلف المحافظات السورية».

وفي التفاصيل، يذكر التقرير تعرض 95 إعلاميا ومدونا «لمضايقات إثر نشاطهم في تغطية الأحداث الجارية في سوريا (تعرض 11 منهم للاعتقال أكثر من مرة)»، علما أن «76 حالة منها جرت في مدينة دمشق». ويفصل التقرير هذه الانتهاكات، معددا تسجيل «29 حالة اعتقال تعسفي و76 حالة اختفاء قسري، إضافة إلى 4 حالات تعرض أصحابها لنوع مختلف من المضايقات».

ومن خلال جدول تفصيلي مرفق بالتقرير، يتبين أن 13 إعلامية ومدونة سوريا تم توقيفهن على «خلفية نشاطهن في تغطية الأحداث السورية، خمس منهن أحلن للقضاء بتهم أبرزها التظاهر غير المرخص وإثارة الشغب، فيما لا يزال مصير الصحافية لينا إبراهيم مجهولا». ويفيد «الجدول عن توقيف 15 مدونا ومدونة آخرين، أحيل أربعة منهم للقضاء، فيما لا يزال مصير كل من المدونين حسين غرير وجهاد جمال مجهولا».

وفيما يتعلق بالمصورين، فقد «بلغ عدد الموقوفين منهم سبعة، أحيل ثلاثة منهم للقضاء، في وقت لا يزال مصير المصور طارق سعيد بلشة مجهولا»، في مقابل تعرض ستة حقوقيين وناشطين للتوقيف والاعتقال، من أبرزهم الناشط الحقوقي نجاتي طيارة الذي لا يزال معتقلا منذ 12 مايو (أيار) الفائت.

ويذكر تقرير «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» أن من بين 29 حالة اعتقال تعسفي تم تحويلهم للقضاء، تم إطلاق سراح 21 منهم، في مقابل رصد حالة 14 صحافيا ومدونا لا يزال مصيرهم مجهولا، مضى على اختفاء ستة منهم أكثر من 60 يوما.

ولم تقتصر حالات التعرض لصحافيين على المحليين منهم فحسب، إذ تعرض عشرة صحافيين أجانب لمضايقات على الأراضي السورية، انتهت بمغادرتهم جميعا الأراضي السورية. ومن أبرز هؤلاء الصحافي الجزائري - الفرنسي خالد سيد مهند، الذي كان يعمل في دمشق لصالح Radio France Culture، واعتقل لمدة شهر تقريبا، وكذلك الأمر بالنسبة لمراسلة قناة «الجزيرة الإنجليزية» الصحافية دوروثي بارفاز، التي اختفت فور وصولها إلى دمشق في 29 أبريل (نيسان) لتظهر في 15 مايو (أيار) قادمة من مطار طهران.

ولا يغفل التقرير تعرض العديد من الفضائيات الإخبارية العربية إلى «هجمات قاسية» من قبل موالين للنظام السوري نتيجة تغطيتها الإخبارية للأحداث في سوريا، وخصوصا قناة «الجزيرة» التي أغلقت مكتبها في 29 أبريل (نيسان) الفائت. كما أوقفت شركتا الهاتف المحمول خدمات «أخبار الجزيرة النصية»، فضلا عن «تبرؤ» عائلة الإعلامية العاملة في قناة «الجزيرة» رولا إبراهيم منها نتيجة «ضغوط شديدة تعرضوا لها». كذلك، نوه التقرير بحملة «التشويه والتحريض التي شنها الإعلام الرسمي والإعلام المقرب منه ضد النشطاء من جهة، ووسائل إعلام مختلفة من جهة ثانية، خصوصا التي تعاطت مع الموضوع السوري من زاوية مختلفة لرواية الحكومة السورية، حيث يعمد إلى اعتماد صيغة تكذيب ما تبثه (قنوات الفتنة) في إشارة إلى تغطية الفضائيات الإخبارية العربية مثل الجزيرة والعربية..».