السياسة الخارجية محور تركيز حكومة الكيب

عبد الجليل يؤكد أن من قتلوا القذافي سعوا لإخفاء أسراره ويتعهد بكشف كل ملابسات قضية الصدر.. وإيران تنتقد دور «الناتو» في ليبيا

رئيس الحكومة الليبية عبد الرحيم الكيب (أ.ب)
TT

في حين بدأ الدكتور عبد الرحيم الكيب مشاوراته لاختيار أعضاء حكومته التي ستظهر للعلن خلال الأسبوع المقبل، بدأ المجلس الوطني الانتقالي في توظيف النجاح الذي أحرزه بإزاحة نظام العقيد الراحل معمر القذافي، في إعادة رسم سياسة ليبيا الخارجية.

وبدا أمس أن ملف السياسة الخارجية سيحظى باهتمام لافت للانتباه من قادة ليبيا الجدد، في مرحلة إدارة السلطة بعد رحيل نظام القذافي ومقتله، حيث قالت ورقة عمل للحكومة الليبية إنها ستعمل على إرساء دعائم التعاون بين الأطراف الدوليين من أجل إحلال السلام وفض النزاع.

ويعتزم الكيب، رئيس الوزراء الليبي الجديد، وفقا لنفس الورقة، اتباع سياسة خارجية متوازنة مع كل الدول التي تقوم على المشاركة والاحترام المتبادل، مشيرا إلى الرغبة في «إرساء دعائم التعاون بين العالمين العربي والإسلامي من جهة والعالم الغربي من جهة أخرى، لإحلال السلام وفض النزاع».

وتعهد الكيب بالعمل على تطوير علاقات ليبيا مع دول الجوار والدول الصديقة، وتخليص سياستها الخارجية من التأثيرات السلبية للنظام السابق.

وفي المجال الداخلي، ستركز حكومة الكيب على استعادة الأمن والاستقرار المفقودين في البلاد من خلال إنشاء المؤسسات الأمنية والعسكرية التقليدية في الجيش والشرطة، بالإضافة إلى مراجعة العقود والاتفاقيات المبرمة بين حكومة القذافي ومختلف الدول والشركات فيما يتعلق بالنفط، بما يضمن مصلحة الليبيين.

وتعهدت حكومة الكيب أيضا بمكافحة الفساد ومحاكمة كل المفسدين في نظام القذافي، واسترداد كل الأموال الليبية المنهوبة والمتسربة إلى الخارج.

وجاءت ورقة الحكومة التي تركز على السياسة الخارجية في وقت مثلت فيها انتقادات علنية وجهها عبد الرحمن شلقم، وزير الخارجية الليبي الأسبق، وأحد المحسوبين على المجلس الانتقالي، إلى قطر، إحراجا بالغا للمجلس الذي لم يحدد موقفه الرسمي منها.

وكان شلقم قد شن هجوما ناريا على قطر، واتهمها في مقابلة تلفزيونية مؤخرا بالتدخل في الشؤون الداخلية للدولة الليبية الجديدة، وقال: «إن قطر تريد الهيمنة على ليبيا، وإن رئيس المجلس الانتقالي الليبي والوفد الليبي الذي زار قطر مؤخرا قبلوا ما أملي عليهم في الدوحة، دون أن يكون لديهم خبرة سياسية ومعرفة بخلفيات الأمور».

وأضاف بلهجة تهكمية واضحة: «لن تكون ليبيا إمارة تابعة لأمير المؤمنين في قطر»، معتبرا أن «ليبيا ليست في حاجة لأموال قطر، وأن من قام بالدور المهم على الأرض هو القوات الفرنسية والأميركية والبريطانية، وليس القطرية».

وتابع في سخرية: «أخاف أن تصاب قطر بما أصيب به القذافي من جنون العظمة، فتتوهم أنها تقود المنطقة. أنا لا أقبل ذلك. عدد الشهداء والجرحى الليبيين يفوق عدد سكان قطر».

ورفض أكثر من مسؤول في المجلس الانتقالي التعليق على تصريحات شلقم، التي تعتبر الأولى له بهذه الحدة وبهذا الشكل العلني، وكونها تمثل إحراجا لقطر، التي تعتبر أحد أهم الحلفاء الخارجيين للمجلس الانتقالي.

لكن مصادر في المجلس الانتقالي قالت في المقابل إن تصريحات شلقم تعكس استياء الليبيين من تقديم قطر مساعدات مالية وعسكرية لبعض القوى السياسية في ليبيا، من دون الرجوع إلى المجلس الانتقالي أو علمه.

وقال مسؤول تحدث لـ«الشرق الأوسط» هاتفيا من بنغازي: «هذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها أحدهم ليعلق الجرس في رقبة القط، لدينا معلومات كثيرة، لكن الدوحة لا تستجيب لنصائحنا».

إلى ذلك، برز خلاف علني بين وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، الذي زار ليبيا أمس، والمستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، حول دور حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الإطاحة بنظام القذافي، على الرغم من اتفاقهما على التعاون الثنائي لكشف كل الملابسات المتعلقة بقضية الإمام الشيعي موسى الصدر، الذي اختفى عن الأنظار مع مرافقين له في آخر زيارة قام بها إلى العاصمة الليبية طرابلس عام 1978.

واستغل المسؤول الإيراني أول زيارة له إلى معقل الثوار ومقر المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي ليوجه انتقادات لاذعة إلى الدور الذي لعبه حلف الناتو في الإطاحة بالقذافي، معتبرا أن «الناتو» لم يتدخل في الأزمة الليبية حبا في الشعب الليبي، كما اتهم «الناتو» بارتكاب اختراقات أثناء عملياته العسكرية التي قام بها على مدى الشهور الماضية في ليبيا.

لكن المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي تفادى التعليق بشكل مباشر على تصريحات وزير الخارجية الإيراني، وقال في مؤتمر صحافي مشترك عقداه مساء أول من أمس في ختام المحادثات بينهما، إن الليبيين لم يحصلوا على أي قوات أجنبية لإسقاط نظام القذافي، مضيفا: «لم ينزل أي جندي أجنبي أو عربي على الأرض الليبية».

من جهة أخرى، أعلن عبد الجليل أن ملف الصدر سيكتمل قريبا، مؤكدا أنه سيتم الإعلان رسميا عن كل الملابسات الرسمية فيه.

وقال عبد الجليل: «لو كان القذافي حيا لتم الحصول على الوثائق اللازمة، لكن البعض أراد قتل القذافي لكي لا تنكشف المعلومات الخاصة بهذه القضية، مشيرا إلى أن البعض (لكن من دون أن يسميهم أو يحددهم) رأى أن المصلحة في أن لا تنكشف حقيقة مصير الصدر، لهذا السبب أرادوا قتل القذافي؛ سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة».

وأوضح أن موت القذافي أخفى معه الكثير من الأسرار، وحرم الشعب الليبي من أن يحاكمه عن كل جرائمه، منوها بأن المجلس الوطني الانتقالي سيقوم لاحقا بإخطار الحكومة اللبنانية في حال توفر الأدلة والحقائق.

وبعدما لفت إلى أن القذافي وأعوانه كانوا يمتلكون معلومات كافية عن مصير الصدر، أعلن أن المجلس شكل لجنة للتحقيق في هذه القضية. وقال إن لدى المجلس أسرى من المسؤولين السابقين في نظام القذافي، سيتم استخدامهم كشهود إثبات في قضية الاختفاء، مشيرا إلى أن بعض المنشقين عن القذافي أدلوا بشهادات رسمية عن حقيقة ما جرى.

وأعلن عبد الجليل عن طلب مساعدة إيران في نزع مخلفات الحرب والألغام التي تركتها كتائب القذافي في مدينتي زليتن والبريقة. في المقابل، أكد صالحي أن بلاده قدمت الدعم للشعب الليبي، معتبرا أن الهدف من الزيارة تعزيز هذا الدعم والتعاون في شتى المجالات، مشيرا إلى أن إيران ستنشئ مركزا تخصصيا لزراعة الأطراف في ليبيا، بالإضافة إلى أنها ستساعد الثوار في نزع مخلفات الحرب.

إلى ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أن المجلس الوطني الانتقالي شكل أمس لجنة للتحقيق في عملية الهروب الفاشلة التي حاول عمر إشكال، أحد أبرز المقربين من العقيد القذافي، القيام بها من سجنه في مدينة بنغازي.

وقالت مصادر مطلعة بالمجلس لـ«الشرق الأوسط» إن اللواء جلال الدغيلي، وزير الدفاع الليبي التابع للمجلس، قرر اعتقال وإحالة عدد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين عن سجن أشكال المعتقل منذ بضعة أسابيع، مشيرة إلى أن أشكال قدم رشوة مالية تقدر بنحو خمسة ملايين دينار ليبي، لإقناع بعض حراسه وسجانيه بتهريبه.

ووردت تقارير غير رسمية عن اندلاع اشتباكات مسلحة في مقر جهاز الإسناد الأمني بين مساعدي رئيس الجهاز، العقيد أبو بكر فلاق، ورئيس وحدة التدخل السريع، فتحي الشيباني، مما أدى إلى إصابة عنصر أمنى واحد على الأقل، ونقله إلى المستشفى.

وعقب انتهاء هذه الاشتباكات، تم نقل أشكال، وهو ابن عم القذافي أيضا، إلى سجن كتيبة السابع عشر من فبراير التابعة لتجمع سرايا الثوار، تحت إمرة فوزي بوكتف وكيل وزارة الدفاع الليبية.

وتم اعتقال أشكال الذي ترأس في السابق حركة اللجان الثورية والبرلمان في نظام القذافي، قبل نهاية الشهر الماضي، حيث يتهمه الثوار بالتورط في أعمال مناهضة لثورة 17 فبراير (شباط) الماضي وارتكاب جرائم حرب.

إلى ذلك، أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أن المجلس الوطني الانتقالي الليبي تعهد بمواصلة البرنامج الذي بدأه نظام القذافي، بتدمير مخزونه من الأسلحة الكيماوية.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مايكل لوهان، المتحدث باسم المنظمة، من مقرها في لاهاي أن «السلطات الجديدة ورثت الالتزامات التي قطعها النظام السابق كدولة عضو في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية»، مضيفا: «قبلت السلطات الجديدة هذا الإرث».

وكان نظام العقيد القذافي قد انضم إلى المنظمة في 2004، غير أنه كان لا يزال يتعين عليه تدمير 11.5 طن من غاز الخردل بما يمثل 45 في المائة من المخزون الأساسي، حينما أطاحت به الثورة الشعبية، التي اندلعت منتصف فبراير (شباط) الماضي.

وقال لوهان: «أصاب عطل منشأة التدمير في فبراير (شباط) الماضي، ولذا يتوقف تدمير (تلك الأسلحة) على إصلاح منشأة التدمير»، مؤكدا أن على المجلس الانتقالي تدمير كل الأسلحة الكيميائية بحلول التاسع والعشرين من شهر أبريل (نيسان) من العام المقبل.

وقالت المنظمة إن ليبيا دمرت مجمل ما لديها من مخزون ضم 3500 قنبلة وقذيفة وصاروخ تستخدم لحمل أسلحة كيماوية مثل غاز الخردل، وذلك بعد وقت قصير من الانضمام إلى المعاهدة في 2004، علما بأن غاز الخردل يتسبب في حروق خطيرة للعيون والبشرة والرئة.

كما أبلغ المجلس الانتقالي المنظمة مؤخرا بالعثور على مخزونات إضافية يعتقد أنها أسلحة كيماوية، وإن كان لا يزال يتعين التحقق من ذلك.

وقال مفتشو أسلحة إن مخزونات ليبيا من خردل الكبريت والمواد الكيماوية التي تستخدم لصنع أسلحة لم تمس، ولم تتعرض للسرقة خلال الانتفاضة التي أسقطت معمر القذافي، لكنهم قالوا في المقابل إن تدمير المواد سيستأنف في أسرع وقت ممكن.

وأثار ترك أو اختفاء بعض الأسلحة التي تعود إلى عهد القذافي مخاوف دولية من أن تقوض مثل هذه الأسلحة الأمن الإقليمي إذا سقطت في أيدي متشددين إسلاميين أو متمردين ينشطون في شمال أفريقيا، كما يخشى البعض من أن يستخدمها الموالون للقذافي لإشاعة عدم الاستقرار في ليبيا.