أشتية: استراتيجية فلسطينية جديدة لكسر أمر واقع تفرضه إسرائيل ميدانيا وتفاوضيا بعد 11/ 11/ 11

قال لـ «الشرق الأوسط» إن إحدى ركائزها المصالحة مع حماس.. وآخر الاحتمالات انهيار السلطة وليس حلها

TT

تضع السلطة الفلسطينية، بناء على تعليمات من الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، استراتيجية جديدة لعملها لما بعد 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، وهو موعد تقديم لجنة الخبراء تقريرها بشأن عضوية فلسطين الدائمة في الأمم المتحدة، إلى المجلس الدولي. وعلى الرغم من أنه لم يكشف النقاب عن تفاصيل هذه الاستراتيجية، فإن مسؤولين فلسطينيين يقولون إنها تهدف إلى كسر الأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين ميدانيا وسياسيا، وسيكون لها انعكاسات وخيمة، كما توعد، على غير عادته، نبيل أبو ردينة الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، وستأتي بنتائج مدمرة وخطيرة على مجمل المنطقة.

وعلى الرغم من أنه لم يكشف النقاب عن تفاصيل هذه الاستراتيجية الجديدة التي يقال إنها ستأخذ بعين الاعتبار كامل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، فإنها ستكون مبنية على أساس احتمالات انهيار السلطة (وهي احتمالات كبيرة)، (وليس حلها كما يقول البعض) وهذا، كما قال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، بحد ذاته كاف لأن يكون له تداعيات غير مسبوقة، فمحليا وإقليميا، مثل سقوط اتفاق أوسلو، الذي قد يؤدي بدوره إلى سقوط معاهدات سلام مع دول عربية أخرى، وإثارة حالة من الفوضى، ليس في الأراضي الفلسطينية فحسب، بل في المنطقة العربية بمجملها في ظل «الربيع العربي» الذي لا يزال قائما.

أما محمد أشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومن المقربين من الرئيس أبو مازن، فإنه، وبعد أن يؤكد أن السلطة لن تعمل على حل نفسها، يقول إن إحدى أهم ركائز هذه الاستراتيجية أن السلطة ستعيد صياغة وظائفها، أو بالأحرى وظيفتها، بعد أن أفرغها الاحتلال الإسرائيلي من محتواها. ويفسر قائلا: «بدلا من أن تكون السلطة مرحلة انتقالية تنتهي بدولة فلسطينية مستقلة، تحولت إلى مجرد بلدية كبيرة في الضفة الغربية تقدم الخدمات من كهرباء ومياه وغيرها».

وستعيد السلطة علاقاتها مع إسرائيل، حسب أشتية، في عدد من النواحي. والركيزة الأساسية الثانية لهذه الاستراتيجية هي المصالحة مع حركة حماس، وعلى حد قول أشتية، فإن هذه المصالحة هي جزء رئيسي من مكونات الاستراتيجية الجديدة، وانطلاقا من ذلك يلتقي الرئيس أبو مازن، في الأيام القليلة المقبلة، مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، من أجل التوصل إلى تفاهم سياسي.

ويشرح أشتية لـ«الشرق الأوسط» القناعة التي وصل إليها الجانب الفلسطيني عبر ما يقارب 20 عاما من المفاوضات، ويقول: «إن الجانب الإسرائيلي احتال علينا طيلة هذه الفترة، بمعنى أننا دخلنا في مسار سياسي تفاوضي، هذا المسار أنتج من دون أدنى شك السلطة الوطنية الفلسطينية كسلطة انتقالية. هذه السلطة كان يفترض أن تنقلنا من سلطة انتقالية إلى دولة مستقلة في 4 مايو (أيار) في عام 1999. ومنذ ذلك التاريخ والمفاوضات تراوح عمليا مكانها».

ويضيف أنه «وتحت مظلة التفاوض زاد عدد المستوطنين من 92 ألفا أيام مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، إلى 600 ألف عام 2011. من جانب آخر، حاولت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، المسؤولة عن المفاوضات والملف السياسي، جاهدة أن تنهي هذا الاحتلال عبر المسار التفاوضي، لكن إسرائيل وصلت إلى قناعة بأنه مهما عملت (نحرد) قليلا، وتتوقف عن المفاوضات، ثم نعود إليها، لذا فإنها عملت في اتجاهين؛ الأول برنامج استيطاني مكثف وظيفته الرئيسية تدمير أي مجال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للعيش في الضفة الغربية، وهذا البرنامج الاستيطاني يشمل القدس أيضا».

وتابع أشتية القول: «على ضوء فهمنا لهذا الواقع، أخذنا في الاعتبار الحالة العربية الانتقالية التي ستعيش إلى 4 أو 5 سنوات مقبلة، سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أو سوريا.. أقصد أن الاستقرار في المنطقة يحتاج من 4 إلى 5 سنوات، يضاف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية في أوروبا التي سيكون لها انعكاس سياسي كبير، وبالتالي ستأتي بمجتمعات بقيادات يمينية أكثر منها من قيادات عقلانية وسطية تنظر إلى فلسطين من باب تصفية الاستعمار والعدل.. بل تنظر إليها من ناحية آيديولوجيا، بعضها توراتي، والآخر سياسي يميني، ويوازي هاتين الحالتين تآكل قدرة الرئيس الأميركي باراك أوباما على التأثير في مجريات الأحداث في المنطقة، نتيجة انشغاله بأزمته الاقتصادية الداخلية ومحاوله إعادة انتخابه ولي ذراعه من قبل إسرائيل عبر الكونغرس، كل ما تقدم حدا بنا لكسر الأمر الواقع على طاولة المفاوضات عبر الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي طلبا للعضوية الكاملة لدولة فلسطين، وبالتالي التحرر من أزمة طاولة المفاوضات، التي لم تكن قادرة على أن تفعل شيئا لإنهاء الاحتلال، نتيجة عجز الطرف الثالث، سواء كانت اللجنة الرباعية أو الولايات المتحدة أو أوروبا أو حتى العرب، وإن أقصى ما تأتي به هذه الطاولة هو مزيد من الاستيطان».

أما المسار الثاني، يقول أشتية، فيخص الواقع على الأرض.. «بعد أن كسرنا الواقع على طاولة المفاوضات.. الواقع على الأرض هو أن إسرائيل تسيطر سيطرة كاملة على عسكريا وإداريا على 62 في المائة من الضفة، المسماة بمنطقة (ج). ثانيا عدد الفلسطينيين في هذه المنطقة لا يتجاوز 5 في المائة فقط، بينما يبلغ عدد المستوطنين ثلاثة أضعاف الفلسطينيين.. ثالثا أغلقت إسرائيل بالكامل مدينة القدس ولديها برنامج استيطاني مكثف من أجل تهويدها الكامل. رابعا عزلت إسرائيل قطاع غزة بالكامل عن الضفة. خامسا قسمت مدينة الخليل إلى إتش1 وإتش2، ولا يوجد أي سيادة فلسطينية على منطقة إتش1. زد على ذلك أن إسرائيل أغلقت منطقة غور الأردن التي تمثل 18 من مساحة الضفة الغربية، ويعيش فيها 7 آلاف مستوطن ينتجون نحو ما قيمته 4 ملايين دولار من البضائع والخدمات، بينما هي مغلقة أمام أي استثمار فلسطيني.. في المقابل حوصرت السلطة الفلسطينية في منطقة (أ) التي لا تمثل سوى 18 في المائة من الضفة الغربية، وأن إسرائيل في حصارها هذا قد حولت السلطة الفلسطينية من معبر نحو الدولة المستقلة إلى بلدية كبيرة تقدم خدمات حياتية من كهرباء ومياه وطرق وغير ذلك».

ويرى أشتية أن هذه الإجراءات وما نتج عنها أفرغت السلطة من محتواها، وحولت السلطة إلى سلطة إدارية وخدماتية للسكان (مشروع إسرائيلي قديم تقدم به إيغال ألون، وزير خارجية إسرائيل بين 1974 - 1977، وهو حكم ذاتي للفلسطينيين على السكان وليس الأرض) مع سلخها عن مصادرها ومواردها الطبيعية وغيابها عن حدودها وفقدانها لأي سيادة على مناطق (أ)، ناهيك عن (ب) أو (ج) - قسمت الضفة بموجب اتفاقات أوسلو إلى 3 مناطق وهي (أ) خاضعة أمنية وإداريا للسلطة، و(ب) وهي خاضعة إداريا للسلطة وأمنيا لإسرائيل، و(ج)، وهي خاضعة أمنيا وإداريا لإسرائيل».

وأضاف أشتية: «إن العلاقة بين السلطة وإسرائيل متمثلة في أربعة مفاصل رئيسية، الأول: المفصل السياسي، وهو مغلق على طاولة المفاوضات. والمفصل السياسي الثاني، وهو ذاك المتعلق بالشق الأمني، وهو يسير على أكمل وجه.. وهنا ندفع نحن في الأمن من أجل الحفاظ على أمن شعبنا الذي تحصي حاصل تنتفع منه إسرائيل لذا نحن ندفع في الملف الأمني ولا نتلقى مقابلا في الملف السياسي».

المفصل الثالث وهو الاقتصادي: وهو طريق باتجاه واحد.. تصدر لنا إسرائيل ما قيمته 4 مليارات دولار، ولا يزيد ما نصدره لها على ما بين 300 - 350 مليون دولار». والمفصل الرابع هو المفصل الخدماتي، فإسرائيل تزودنا بنحو 95 من الكهرباء، وتسرق مياهنا الجوفية وتبيعها لنا.. ولا تسمح لنا إلا باستهلاك 70 مترا مكعبا من المياه سنويا لكل فرد مقابل 450 مترا مكعبا لكل مستوطن».

و«تدفع الحالة التي نعيشها»، حسب أشتية «القيادة الفلسطينية، إلى إعادة النظر في وظيفة السلطة وعلاقتها مع إسرائيل في النواحي المختلفة التي سلف ذكرها.. معنى هذا الكلام أن إسرائيل قتلت احتمال تطور وظيفة السلطة كما نحن نريد، إلى ناقلة للمشروع الوطني نحو الاستقلال، وإحالة السلطة إلى بلدية خدمات. كل هذا الكلام يأتي في سياق أن الاحتلال الإسرائيلي بمجمله هو احتلال غير مكلف من الزوايا التالية: أولا.. لا تصل لإسرائيل جثث الجنود في الضفة في أكياس سوداء، لأننا تبنينا مسارا سياسيا تفاوضيا ومقاومة شعبية سلمية. ثانيا.. لا يوجد مظاهرات في تل أبيب والمدن الإسرائيلية الأخرى تطالب بإنهاء الاحتلال، مما يعني أن الشعب الإسرائيلي لا يحس بآلام ومعاناة الشعب الفلسطيني.. ثالثا لا يوجد ضغط دولي على إسرائيل من أجل إنهاء احتلالها.. لا من قبل أميركا ولا أوروبا أو حتى العرب، ليس هذا فحسب، بل إن الاحتلال الإسرائيلي يربح من الناحية الاقتصادية والمادية والسياسية.. مثلا إسرائيل تأخذ أرضنا مجانا، إسرائيل تسرق تاريخنا وتزوره في القدس والخليل وبيت لحم ونابلس وتبيعه على أنه جزء من التاريخ اليهودي التوراتي، وتأتي بأربعة ملايين سائح إلى الأراضي المقدسة وتبيعهم تاريخا مزورا، وإسرائيل تستخدم الأراضي الفلسطينية كمكب للنفايات، بما فيها النفايات الصلبة والصناعية.. إسرائيل تسرق 600 مليون متر مكعب من مياه الضفة وغزة من مجموع 800 مليون، وهي الموازنة المائية في الأراضي الفلسطينية.. وخامسا تصادر أراضينا مجانا وتعطى لشركات خاصة للاستثمار لبناء مساكن للمستوطنين».

وخلص أشتية إلى القول إن القيادة الفلسطينية، وبتعليمات من أبو مازن، تدرس «إلى أين نحن ذاهبون بعد 11/ 11/ 11 موعد تقديم تقرير لجنة الخبراء إلى مجلس الأمن». واستطر قائلا: «نحن الآن في منحنى استراتيجي جديد هدفه كسر الأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل علينا ميدانيا وسياسيا».