اليونان أمام مفترق طرق بعد التصويت على الثقة

سيناريو الانتخابات المبكرة يلوح في الأفق بعد التخلي رسميا عن الاستفتاء

TT

واجه رئيس الحكومة اليونانية جورج باباندريو الليلة الماضية تصويتا على الثقة في البرلمان لم يمكن التكهن بنتيجته مسبقا، وذلك بعد يوم على إلغائه الاستفتاء على صفقة الدين الجديد لليونان مع منطقة اليورو. وخفف قرار التخلي عن الاستفتاء من حدوث تصدع كبير في العلاقات مع أوروبا، بعد يوم عاصف من المناورات السياسية.

إلا أن القرار الذي اتخذه باباندريو بالتخلي عن الاستفتاء على الخطة الأوروبية لإنقاذ بلاده من الإفلاس لم ينه حالة الاضطراب السياسي في اليونان، إذ بقي باباندريو يواجه تمردا داخل حزبه الاشتراكي «الباسوك» وغضب بعض رموز المعارضة، واعتبر التصويت على الثقة تحديا صعبا. لكن الحديث عن حكومة وحدة خفف من حدة المخاوف الدولية من إجراء انتخابات جديدة وعجز وشيك عن تسديد الديون إذا لم يتمكن باباندريو من الاحتفاظ بمنصبه كرئيس للوزراء، وأسعد الأسواق في أوروبا والخارج.

وفي خطابه أمام اللجنة المركزية لحزبه مساء أول من أمس قال باباندريو إنه لا توجد حاجة لإجراء استفتاء في الوقت الراهن حتى إن حزب «الديمقراطية الجديدة» المعارض قال للمرة الأولى إنه يدعم الاتفاق، الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي، لخفض الدين اليوناني مقابل إجراءات تقشفية والتزام باليورو كعملة للدولة. ودعا رئيس الوزراء، حزب الديمقراطية الجديدة ليصبح شريكا في التفاوض حول اتفاق، وقال لاحقا إن المحادثات حول حكومة وحدة يجب أن تبدأ فورا، كما أشار إلى أنه سيكون مستعدا للتنحي حتى يتمكن آخرون من تشكيل حكومة وحدة إذا لم يفز في اقتراع الثقة، وقال «لست متمسكا بمنصبي».

وأدلى باباندريو بهذه التعليقات في أعقاب اتهامه من قبل زعيم حزب الديمقراطية الجديدة أنتونيس ساماراس، بـ«الخداع»، حيث بدا ساماراس غاضبا من أن باباندريو يحاول الحفاظ على منصبه، بعد الحصول على موافقة المعارضة.

ويأتي قرار باباندريو بإلغاء الاستفتاء في أعقاب ثلاثة أيام من الاضطراب السياسي الذي ساد الأسواق العالمية وهز القارة من أركانها وأثار غضب زعماء أوروبا لإصدار إنذار يوم الأربعاء يطالب اليونان باتخاذ قرار حاسم حول ما إذا كانت ترغب في الاستمرار كجزء من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.

غير أنه بعد يوم من المناورة السياسية، بدأت عاصفة الجدل السياسي في اليونان تبدو بشكل أقل كنقاط انطلاق لأوروبا، منها مناورات برلمانية متسرعة من قبل رئيس الوزراء الذي كان يبحث عن وسيلة للحصول على دعم كل من حزبه الاشتراكي والمعارضة أو التفاوض على مخرج آمن. وكما حدث مرات عدة في أزمة اليورو، فإن مصير الشراكة الأوروبية يبدو متوقفا على دسائس أحد أصغر أعضاء الاتحاد.

في البداية قيل إن باباندريو عرض الاستقالة قبل التصويت على الثقة، بيد أن وسائل الإعلام اليونانية تحدثت بعد منتصف ذلك اليوم خلال اجتماع لمجلس الوزراء أنه لم يرفض الاستقالة فقط، بل ودعا إلى إجراء الاستفتاء. وفي مساء يوم الخميس صدرت تقارير تشير إلى أن باباندريو وافق على التخلي عن منصبه إثر التصويت على الثقة بعد حث أعضاء من وزارته له على القيام بذلك لصالح الحزب. ووفق هذه الرواية لم يعترض رئيس الوزراء على الفكرة.

ولم يقدم باباندريو أي إشارة على ذلك علانية، مشيرا إلى أنه ببساطة يحاول القيام بما هو أفضل لليونان، والذي يعني الحفاظ على اليونان ضمن الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.

وقال مشيرا إلى صفقة دين الاتحاد الأوروبي، التي خفضت ديون اليونان لدى المصارف الخاصة بنسبة 50 في المائة، لتخفض عبء دين القطاعين العام والخاص بنسبة 30 في المائة «المشكلة لم تكن أبدا بشأن الاستفتاء، لكن ما إذا كنا مستعدين للموافقة على القرارات في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، ما يقف على المحك الآن هو موقفنا في الاتحاد الأوروبي».

وقد أكد وزير المالية اليوناني إيفانغليوس فينزيلوس، على أن الاستفتاء ألغي وأن الحكومة ينبغي أن تسعى للموافقة على اتفاق القرض من أغلبية أكبر بدعم 180 عضوا في البرلمان - والتي تتطلب دعما من بعض أحزاب المعارضة - بدءا من الحصول على أغلبية بسيطة بـ 150 عضوا والتي دعمت الإجراءات السابقة.

ويبدي القليل من اليونانيين، القلقين من إجراءات التقشف، ثقة في السياسيين. وقال ستيفانوس ميركوريس، وهو نادل في أثينا، «أيا ما كان المسؤول، فسيظل الأمر على حاله، لن يتغير أي شيء».

وأوضح ساماراس أنه لن يتفاوض حول حكومة وحدة مع باباندريو كرئيس للوزراء، مصورا تصرفاته الأخيرة بأنها تكتيكات مخادعة للتمسك بالسلطة، وقال ساماراس «إنه يكذب، ويبتز، ويناور داخل اليونان وخارجها، وكل ذلك بهدف البقاء في منصبه». وأشار ساماراس إلى أنه تحدث مع نواب البرلمان الخميس وأنه طلب من رئيس الوزراء الاستقالة.

وقال مصدر في حزب الديمقراطية الجديدة إن الحزب أراد حكومة تصريف أعمال كبديل مؤقت حتى تجري الانتخابات في غضون ستة أسابيع. وقبل خروج أعضاء حزب الديمقراطية الجديدة من مبنى البرلمان ليلة الخميس اتهم ساماراس رئيس الوزراء بأنه تخلى عن الاستفتاء بعد توبيخ قادة أوروبا له في اجتماع قمة العشرين في كان. وقال ساماراس «إنه يحاول أن يقنعنا أنه حطم كل شيء لضمان دعم اتفاق قد دعمته بالفعل في 27 أكتوبر (تشرين الثاني)».

وقبيل التصويت على الثقة بالحكومة الليلة الماضية، ألقى وزيران رئيسيان في الحكومة الاشتراكية هما وزير المالية ايفانغيلوس فينيزيلوس ووزير الصحة أندرياس لوفردوس بثقلهما لصالح تحالف يضع حدا للدوامة النفسية التي تهز البلاد.

وخلال محادثات هاتفية مع رئيس مجموعة «يورو غروب» جان كلود يونكر ومفوض الشؤون الاقتصادية أولي رين ونظيره الألماني ولفغانغ شويبل، أشار فينيزيلوس إلى أن الحكومة تطمح إلى الحصول على الثقة للعمل على تشكيل حكومة توافق.

وأكد لهم في سياق الحديث التخلي رسميا عن مشروع الاستفتاء المثير للجدل بشأن الخطة الأوروبية للإنقاذ، والذي نظر إليه على أنه تهديد لارتباط اليونان باليورو ولاستقرار العملة الموحدة، والذي أثار الإعلان عنه الاثنين أزمة سياسية في اليونان. وكانت باريس وبرلين ردتا على مبادرة باباندريو هذه بالتهديد بوقف الأموال، في حين تتوقع أثينا الحصول على 8 مليارات يورو قبل 15 ديسمبر (كانون الأول) لتفادي الإفلاس، في حين تتفاوض على خط مواز للإفراج عن 80 مليار يورو بحلول أواخر فبراير (شباط) في إطار خطة المساعدة الثانية التي وضعتها منطقة اليورو إثر عمل شاق الأسبوع الماضي، بحسب وزارة المالية. من جهته، كتب لوفردوس إلى رئيس الوزراء «إذا لم تطرح مبادرات على الفور لتشكيل حكومة وحدة وطنية» للمصادقة على خطة المساعدة الأوروبية «فإنني لن أظل راغبا في المشاركة في اللعبة السياسية».

وعلى الرغم من الفوضى السياسية، فقد كان هناك نوع من التنبؤ بالأحداث التي وقعت الخميس، ففي يونيو (حزيران)، رفض ساماراس العروض التي قدمها رئيس الوزراء لتشكيل حكومة ائتلافية بوجود باباندريو على رأس تلك الحكومة.

وقال جورج كريتسوس، محلل سياسي ومالك صحيفة «سيتي بريس» اليونانية «ستنجح تلك المفاوضات، أو قد تفشل على أساس الخصومة الشخصية. ومنذ أن ذكر ساماراس أن جزءا من الاتفاقية ينص على أن يتنازل باباندريو، ورفض باباندريو ذلك، أصبح الأمر نوعا من البوكر السياسية، التي لا نعلم كيف ستنتهي». وأضاف: «لقد بدأ شيء ما في التغير في النظام السياسي. فقد اعتادت الديمقراطية الجديدة أن تقول لا لاتفاقية تم التوصل إليها في اجتماع قمة؛ واعتاد باباندريو أن يقول لا للحكومة الانتقالية».

وحتى لو ظل في منصبه، فإن رئيس الوزراء بدأ يفقد رصيده السياسي في نظر الكثيرين. ومنذ أن طالبت اليونان بحزمة إنقاذ من الاتحاد الأوروبي في أبريل (نيسان) 2010، صارع حتى يوفق بين أقطاب متعارضة: الناخبين اليونانيين والدائنين الأجانب.