خطبة عرفات: الانقسامات والتدخلات جعلت الأمة تمر بأسوأ مراحل حياتها

مفتي المملكة قال إن الرادع الإيماني يجعل المجتمعات الإسلامية أكثر أمنا من غيرها.. وحذر من «ميل الطائفية»

جموع الحجيج أثناء وقوفهم في مشعر عرفات أمس(أ.ف.ب)
TT

أكد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام المملكة العربية السعودية، أن الالتحام بين الراعي والرعية يعد إحدى خصائص الشريعة الإسلامية، مبينا أن الراعي يسعى لتفقد رعيته وحل مشكلاتهم، والرعية تحب راعيها وتدعو له.

وأكد آل الشيخ في خطبة عرفات، أمس، أن جميع مؤسسات المجتمع المسلم الشرعية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والقضائية والأمنية في حمى الدين، يحميها ويحافظ على هويتها من التميع والتغريب.

وأكد المفتي أن من خصائص المجتمع الإسلامي أنه مدني وديني في آن واحد، لا يفرق بين الجنسين، مشيرا إلى أن الدين الإسلامي يوضح أن الولاية بين المسلمين قائمة على الحقوق الإسلامية، لا على الوطنية والقبلية والجنس، إذ هو مجتمع إسلامي يشتمل على أذان وصلاة وزكاة وحج وأخلاق إسلامية يقدمها المسلم في حياته كلها.

وبين آل الشيخ، في الخطبة التي ألقاها بمسجد نمرة، قبل أداء صلاتي الظهر والعصر بعرفات، أن الله، عز وجل، شرع دين الإسلام ليكون منهج حياة للبشرية، تسير وفق أحكامه وتعليماته، فلا شأن من شؤون الدنيا إلا وللإسلام فيه حكم وبيان، ليحقق الغاية التي من أجلها خلقوا.

وأبرز مفتي عام المملكة أن الأساس في العلاقة بين المسلمين هو الإيمان والأخوة الإيمانية، مبينا أنهم كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

وبين آل الشيخ أن الإسلام أرسى العدل والإنصاف في استيفاء الحقوق وإعطاء كل ذي حق حقه، فللحاكم على رعيته الطاعة فيما أمر ونهى، ما لم يأمر بمعصية أو ينهي عن خير، حاثا على عدم منازعة الحاكم، والوقوف معه في كل الشدائد والتعاون معه فيما يحفظ الأمة ومكاسبها، وحث الحاكم على العدل في رعيته وتحقيق الحياة الكريمة لهم والإحسان والعدل بينهم وعدم ظلمهم وعدم المحاباة بينهم.

وأكد عبد العزيز آل الشيخ أن المجتمع الذي أقامه الإسلام على منهج رباني يميزه عن كل مجتمع لا يدين بالإسلام شيوع الأمن، وذلك لوجود رادع إيماني للمسلم يردعه عن الجريمة، لأن دين الإسلام يوجب على أتباعه احترام الدماء والأموال والأعراض، أما القوانين البشرية فإنها وإن قويت فلا تقوى على كل جريمة.

وأشار مفتي عام المملكة إلى ما يمر به العالم الإسلامي اليوم من مراحل واصفا إياها بـ«أخطر ما يكون في حياته كتحديات صعبة ويعاني من انقسام بين أبنائه ونزاع بينهم وهجوم شرس من أعدائه وتدخل سافر في شؤونه».

وقال: «ما يحزن المسلم هو ما يشاهده من هذه الفوضى والبلاء، الذي أدى إلى انعدام الأمن واختلاف النظام والحياة اليومية ومصالح الأمة، وما حصل من تبديد الأموال ونهب للممتلكات وسفك للدماء البريئة، حتى ترك بعض المسلمين ديارهم فرارا من تلك الفتن والمصائب».

وأشار آل الشيخ إلى أن الإسلام يرفض التخريب والإرهاب والغلو والإخلال بالأمن وسفك الدماء ويغرس الانتماء.

ودعا المسلمين جميعا لأن يسعوا لحل مشكلاتهم من غير تدخل من أعدائهم، وحذرهم من ميل الطائفية، قائلا: «على علماء الأمة أن يقوموا بواجبهم المأمول، حرصا على حماية المجتمع المسلم، وتقديم برامج واقعية لحل مشكلاتهم وتجنب الفتن والمصائب».

وأهاب في خطبته بقادة الشعوب الإسلامية أن يعملوا على إقامة العدل ويحاربوا الفساد وقال: «أيها المسلمون، على قادة الشعوب الإسلامية أن يعملوا على إقامة العدل ومحاربة الفساد، وجعل أولوياتهم مصالح الشعوب، وعلى الرعية أن يلتفوا حول قادتهم ويسعوا إلى حل المشكلات بالطرق السلمية بعيدا عن الفوضى وسفك الدماء».

وتحدث مفتي عام المملكة عن دور وسائل الإعلام المعادي لأمة الإسلام، الذي يرمي إلى إضعاف العقيدة والإيمان في قلوب الناشئة وإضعاف شخصياتهم.

وقال: «لقد ترك هذا الغزو الإعلامي أثره السيئ على الشباب والناشئة فأضعف الشخصية».

وطالب المسلمين بأن يقابلوا الغزو الإعلامي الشرس على الأمة الإسلامية بعمل منظم يتمثل في أحد جوانبه بإنشاء قنوات إسلامية تشرف عليها طواقم إعلامية تجمع بين التأصيل الشرعي والخبرة الإعلامية، لتكون منارة عدل وصوت حق إلى العالم أجمع.

وقال مخاطبا المسلمين: «الواجب على المسلمين أن يحافظوا على هويتهم المسلمة والثبات على مبادئهم ومسلماتهم عقيدة وشريعة وأخلاقا، مما أنزل في الكتاب والسنة عليه فهو يتعلق بالعقيدة أو بالعبادة أو بالشريعة أو بالحلال والحرام أو شأن المرأة أو بالأخلاق والقيم، يجب أن نحافظ على هذه محافظة عظيمة وأن لا نتنازل عنها تحت أي ظرف من الظروف».

وأضاف: «أيها المسلم، إن الإسلام بصورته الناصعة وشموليته التي كان عليها أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والتي سار عليها من بعدهم، هذه السلفية لها في الإسلام معالم، فمن معالمها الاعتدال القويم والصراط المستقيم، ومن معالمها أن الكتاب والسنة هما مصدر التشريع والعلم والمعرفة وأن السلفية تستقي من الكتاب والسنة وتأويلهما ويوافق العقل البشري، ومن معاني السلفية الصالحة أن لا تعصم بشرا بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومن معالم السلفية أيضا أن القرآن والتوحيد هما أهم الأمور، فالدعوة إليه من أكثر الواجبات.. لأجله خلق الله الخلق، ولأجله أنزل الكتب وأرسل الرسل، فليس عند السلفيين خزعبلات وخرافات وتعلق بالأضرحة والشياطين والسحرة».

واستغرب المفتي خلال خطبته قائلا: «أيها المسلمون، إن هناك دعوات تجري في بعض الدول الإسلامية تنادي بالحرية بالعدالة والمساواة بدعوى تحت مظلة ديمقراطية، نقول لهؤلاء إن الإسلام سبق تلك المبادئ كلها من أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن».

وأكد المفتي أن الإسلام ساوى بين البشر وبين الذكر والأنثى في الكرامة الإنسانية والحياة الكريمة والتكاليف الشرعية والعقوبات الأخروية، إلا أن هناك لكل من الرجل والمرأة خصوصية في بعض الأحكام، مع مراعاة الظاهر الخلقي والاجتماعي والنفسي, وقد حفظ للمرأة مصلحتها وحماها من ظلم الجاهلية، داعيا المسلمين للاعتزاز والثقة بدينهم والتمسك به كونه جمع خيري الدنيا والآخرة وأغناهم عما سواه من أنظمة البشر.

وأهاب المفتي بالمسلمين أن يحذروا مكائد أعدائهم المندسين بينهم، الذين يريدون قتلهم وإشعال فتيل العداوة بينهم وبين قادتهم، وأن يحترموا الدماء والأموال والأعراض، وأن يجعلوا المصالح العليا فوق كل اعتبار، وأن يتناسوا لأجلها أي خلاف فكر ورأي لأجل مجد الإسلام، وأن يسعوا في حل مشكلاتهم بالعقل والحكمة ولا يسفكوا الدماء ويدمروا الممتلكات.

ودعا المفتي ملاك القنوات الفضائية أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يعلموا أن مسؤوليتهم نحو دينهم ونحو مجتمعهم جسيمة، وأن يحرصوا على أن تكون قنواتهم جامعة للأمة محذرة لها من الاختلاف، محذرا من تسخيرها لتشتيت الأمة والدعوة إلى الفوضى وسفك الدماء وتدمير الممتلكات.

وخاطب من على منبر نمرة صناع القرار في المسائل الدولية قائلا: «لا يخفى عليكم أن خلاص المسلمين بتمسكهم بدينهم وثباتهم عليه واعتزازهم به، فكونوا على حذر أن نصل بأي سبيل لأي قانون يخالف شرع الله؛ أن لا يكون مؤذيا للأمة وأن لا يمارس عليها ضغوطا لأجل قبول هذه الآراء التي تخالف دينها وعقيدتها، ففي هذا أمور وفوائد، أولا احترام الأصول الإسلامية في الثبات على دينها ليتحقق السلم والأمان العالمي، وثانيا اكتساب هذه الدول ثقة المسلمين والنظر إليها إيجابيا والتعامل معها فيما يسعد الأمة مع التحفظ على ما يخالف شرع الله».