الداعية يوسف البدري لـ «الشرق الأوسط»: أيدي جماعات الإسلام السياسي ملطخة بدماء المصريين

استنكر رغبتها في إدارة أمور البلاد في المرحلة المقبلة وحذر من اقتتال الإخوان والسلفيين

الشيخ يوسف البدري
TT

في أول هجوم من نوعه على مشاركة الجماعات الدينية في مصر في انتخابات البرلمان المقرر أن تبدأ مرحلتها الأولى يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، هاجم الشيخ يوسف البدري، الداعية الإسلامي الشهير والنائب السابق في البرلمان المصري، جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والتيار السلفي وغيرها، قائلا إن أيدي هذه الجماعات ملطخة بدماء المصريين أثناء أحداث العنف التي شهدتها البلاد في العقود الماضية وراح ضحيتها الرئيس الراحل أنور السادات ومئات الضحايا من الضباط والجنود والمواطنين، في عدة مدن منها القاهرة وأسيوط.

وتحدث البدري لـ«الشرق الأوسط» أمس، مستنكرا رغبة تيارات، قال إن لها تاريخا من العنف، في إدارة أمور البلاد في المرحلة المقبلة. وأضاف الرجل البالغ من العمر 73 عاما متسائلا: «كيف (سوف) يمسك هؤلاء بدفة الأمور، وأيديهم ملوثة بدماء الجنود والضباط في أسيوط وبدماء (الرئيس المصري الراحل أنور) السادات.. كيف ينسى الناس هذا السلوك»، مشيرا إلى أن «هيمنة هذه الجماعات على المشهد السياسي المصري في الوقت الراهن رغم (تاريخها الدموي) من الأمور التي يضحك منها حتى السفهاء».

وظهرت التيارات الإسلامية المتشددة وتطورت بأشكال مختلفة بمصر منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، وحتى ظهور جماعات تكفيرية صغيرة في مطلع الألفية الثالثة، مرورا بفترة السبعينات والثمانينات والتسعينات حيث بدأت أعمال العنف على يد جماعات تعلن عن نفسها للمرة الأولى على رأسها الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد التي يعد أيمن الظواهري الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة أبرز قياداتها ممن فروا بعد مقتل السادات للخارج.

وتعامل نظام الرئيس السابق حسني مبارك، مع تركة التيارات الإسلامية المتشددة في مصر بقبضة من حديد، وبعد أن ارتكبت أعمال عنف ضد المسيحيين والشرطة والسياح (أشهرها حادثة الأقصر عام 1996)، تم وصمها أكثر من مرة، محليا ودوليا، بالإرهاب، بما فيها جماعة الإخوان رغم أن حزب مبارك الحاكم (المنحل حاليا) نسق في بعض المرات القليلة سرا مع مرشحي «الإخوان» في انتخابات البرلمان.

وبعد سقوط حكم مبارك في فبراير (شباط) الماضي، سمح حكام مصر الجدد للتيارات الدينية المتشددة بتكوين أحزاب، ما أثار مخاوف لدى قطاع مصري وخارجي من وصول الإسلاميين إلى الحكم وإدخال مصر، التي حكمها رؤساء قادمون من الجيش منذ عام 1952 وتعد من الدول المحورية في منطقة الشرق الأوسط، في مستقبل غير محدد المعالم.

وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الديمقراطية بمصر منذ دستور عام 1923، التي يظهر فيها التيار الديني بهذا الزخم الذي أصبح يخيف تيارات مدنية ويسارية وليبرالية، إضافة إلى المسيحيين المصريين البالغ نسبتهم نحو 10 في المائة من عدد السكان الذي يزيد قليلا على 80 مليون نسمة. وفي عام 1938 اعترف حزب الأغلبية حينذاك بجماعة الإخوان مقابل عدم ترشح مؤسسها حسن البنا، لكن الجماعة حين دخل قياديون بها البرلمان أيام السادات، بدأوا على الفور في تنفيذ برنامج لم يكتمل لـ«تقنين الشريعة».. أي جعل القوانين متوافقة مع الشريعة الإسلامية. وفي الدعاية الحالية لانتخابات البرلمان يقول مرشحو التيارات الدينية إن هدفهم «تطبيق الشريعة».

ويحظى الشيخ البدري منذ عقود بمكانة رفيعة وسط أنصار التيار الديني المتشدد، وحاز شهرة واسعة كمعارض في برلمان عام 1987، وكذا بسبب مطارداته القضائية لكتاب وشعراء ومثقفين. وقال لـ«الشرق الأوسط» أمس إن دخوله البرلمان في ذلك الوقت كان خطأ منه لأنه يعتبر أن الديمقراطية في مصر لم تجر «إلا الخراب والدمار طوال نحو 90 عاما». وأضاف أنه يخشى، في المرحلة المقبلة، من اقتتال بين جماعة الإخوان والتيار السلفي، لأن بينهما خلافات وصراعات توقع أن تحتدم في الانتخابات المقبلة أو بعدها، مشيرا إلى وجود لجنة حاليا للتنسيق بين القوى الإخوانية والقوى السلفية لتحاشي الصدام بينهما. وهذا بدأت بوادره في مظاهرة «جمعة الشريعة الإسلامية» بميدان التحرير في يوليو (تموز) الماضي.

ولا يقر الشيخ البدري بالعمل الحزبي أو التمثيل النيابي، قائلا إن دخوله البرلمان عن دائرة جنوب القاهرة في أيام حكم مبارك كان سببه ضغوط من قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، لكنه أضاف أن الجماعة، بعد ترشحه في قائمة انتخابية، حاولت التلاعب به وإسقاطه لصالح مرشحين بنظام الانتخاب الفردي، كانوا تابعين لـ«الإخوان» بشكل غير معلن، وينافسونه على مقعد البرلمان في تلك الدائرة.

ومنذ سقوط حكم مبارك حصلت أربعة أحزاب على حق العمل الرسمي، بعد أن أسستها تيارات من تلك التي مارست العنف لسنوات. واستضافت القنوات الفضائية المصرية قيادات شاركت في قتل السادات وطوائف من المصريين وضيوفهم من السياح، في العقود الماضية. وتشترك هذه التيارات في طلب تطبيق الشريعة الإسلامية والوصول إلى تأسيس دولة «الخلافة»، وسط مخاوف من المراقبين من أن تنقلب هذه التيارات على الديمقراطية في حال وصولها إلى الحكم.

، خاصة بعد أن برهن أحد الأحزاب على تشدده الديني بإخفاء وجوه مرشحاته المنتقبات من الدعاية الانتخابية ووضع ورود بدلا منها باعتبار أن «صور المرأة عورة».

وعلق البدري على احتمال انقلاب الإسلاميين على الديمقراطية وعلى التعددية الحزبية في حال فوزهم بالأغلبية في البرلمان، بقوله: «لو فعلوا هذا لكان خيرا، لكن الإسلام وسائله نظيفة وغاياته نظيفة»، مشيرا إلى أن نبي الإسلام محمد، صلى الله عليه وسلم، لم يخادع المجتمع، وإنما تحدث بشكل صريح منذ البداية. وأوضح: «كان بإمكان رسول الله بدلا من أن يؤذَى في مكة لمدة عشر سنين أن يذهب إلى الأغنياء ليكون معهم حزبا ثم يقول لهم نحن مسلمون ويذهب للفقراء ويكون معهم حزبا ويقول لهم إنا مسلمون.. ويذهب إلى المشركين ويحابي أصنامهم، كان بالإمكان أن يفعل هذا، لكن هذا الأسلوب خطأ وباطل، وقال لهم منذ اليوم الأول: أنتم كفار وأنتم مشركون».

ووصف الشيخ البدري جماعة الإخوان والسلفيين بأنهم يتبعون المبدأ الميكيافلي (الغاية تبرر الوسيلة)، قائلا إن هذه الميكيافلية لن تصل بهم إلى شيء.. «دخلوا معمعة (العمل السياسي) وبدأوا الآن يمارسونه.. سوف يضرب بعضهم بعضا، وستسيل الدماء أنهارا، لأن السلفيين يتعصبون لرأيهم، والإخوان يتعصبون لرأيهم، وكل فريق منهم سوف يعتدي على الآخر وسوف تكون مجازر»، مشيرا أيضا إلى أن السلفيين و«الإخوان» مارسوا الاقتتال في السابق وأسالوا الدماء.. «ثم يمسك هؤلاء دفة الأمور وأيديهم ملوثة بدماء الجنود والضباط في أسيوط ودماء السادات. كيف ينسى الناس هذا؟».

ومعظم الجماعات الدينية المسلحة التي كان ألوف من أنصارها في سجون مبارك، اتفقوا على نبذ العنف منذ أواخر التسعينات في ما يعرف بـ«المراجعات». ولا تقر جماعة الإخوان بمسؤوليتها عن تهم باغتيالات ومحاولات اغتيال ضد مصريين قبل وبعد عام 1952، بما فيها محاولة ضد الرئيس عبد الناصر.

ووجه البدري انتقادات شديدة لاستمرار وجود الجماعات الدينية، قائلا إن الإسلام ليس فيه جماعات.. «ليس للإسلام جماعات.. كونهم جماعات أكبر دليل على أن عملهم سوف يأتي بالشر كله»، مشيرا إلى أن قيادات من الجماعة الإسلامية كانت تنتقد وجوده في برلمان عام 1987.. «كانوا يقولون إنني رمز النفاق لأنهم كانوا يصفون مجلس الشعب بأنه أرض النفاق»، وأن أحد هؤلاء ممن غير آرائه في البرلمان وفي الأحزاب معروف أن أيدي جماعته «ملطخة بدماء المصريين».