النجل الـ25 لمؤسس السعودية.. سيرة لافتة بالأعمال والمناصب الرسمية

الأمير سلمان.. ولد في قصر الحكم وعاد إليه في سن العشرين حاكما للرياض

الأمير سلمان بن عبد العزيز (صور خاصة بـ«الشرق الأوسط» بعدسة بندر بن سلمان)
TT

في الخامس من شهر شوال من عام 1354هـ دوت في قصر الحكم بالرياض الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بمؤسسي الدولة السعودية الثانية والثالثة الإمام تركي بن عبد الله، والملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل، صرخة معلنة عن قدوم الأمير سلمان بن عبد العزيز، وفي هذا القصر عاش الأمير الصغير طفولته المبكرة في أحضان والديه (الملك عبد العزيز والأميرة حصة بنت أحمد السديري) وقد أحسن والداه تربيته مثل باقي إخوته وتشرب في سن مبكرة أخلاقيات العرب وفروسيتهم، ولم يدر بخلد الذين فرحوا بقدوم «سلمان» أنه سيكون بعد عقدين من ولادته أميرا لعاصمة الدولة التي شهدت أحداثا تاريخية مهمة، وأن الأمير الصغير سيقود المدينة إلى آفاق من التطور والتنمية على مدى أكثر من نصف قرن، بل إن الأمير سلمان قاد المدينة - يعضده نائبه الأمير سطام بن عبد العزيز - إلى تحقيق قفزات تنموية مذهلة في هذه المدينة الداخلية التي تقع في عمق الجزيرة العربية بعيدة نسبيا عن مراكز الكثافات السكانية العالية، والمدن التجارية المشهورة أو ذات الموقع الاستراتيجية، غير أن الرياض ومنذ إعلانها عاصمة للبلاد قبل 80 عاما أخذت تتبوأ مكانة دولية مرموقة، فالحضور الدولي لمدينة الرياض يتزايد بوتيرة متصاعدة، والأهمية الاستراتيجية الدولية لها تتخذ أنماطا سياسية واقتصادية وثقافية كبيرة، وقد ظهر الحضور الدولي والمكانة التي عليها الرياض جليا في التأثير الذي تتمتع به المدينة في المحافل الدولية على المستوى السياسي، حيث تعد الرياض أحد مراكز صناعة القرار السياسي على المستوى الإقليمي، والعربي، والإسلامي، والعالمي، وعلى المستوى الاقتصادي، كأحد أهم الأسواق التي تهتم بها الشركات الدولية، وكبار المصنعين العالميين، وعلى المستوى الثقافي بتأثيرها في الأجواء الثقافية الاجتماعية في النطاق العربي الإسلامي.

ولد الأمير سلمان بن عبد العزيز النجل الـ 25 للملك المؤسس في ترتيب أبنائه في قصر الحكم بالرياض عام 1354هـ، وعاش في هذا القصر الذي احتضن ملوكا وأمراء مع والديه وإخوانه، وتربى أحسن تربية، وعندما بلغ سن التاسعة عشرة صدر أمر ملكي بتعيينه أميرا لمنطقة الرياض بالنيابة وذلك في الحادي عشر من شهر رجب عام 1373هـ، وفي الخامس والعشرين من شعبان من عام 1374هـ صدر الأمر الملكي بتعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز أميرا لمنطقة الرياض بمرتبة وزير، ولعلها مصادفة أن يعود الأمير سلمان لذات القصر الذي ولد فيه لكنه هذه المرة يعود أميرا لعاصمة بلاده ويمارس سلطاته كحاكم إداري من ذات القصر.

وحفلت سيرة الأمير سلمان بالعديد من الأعمال والمناصب الرسمية، فهو رئيس اللجنة الرئيسية لجمع التبرعات للجزائر، ورئيس لجنة التبرع لمنكوبي السويس، ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين، ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة أسر شهداء الأردن، ورئيس اللجنة الشعبية لإغاثة منكوبي باكستان، رئيس اللجنة الشعبية لدعم المجهود الحربي في مصر، ورئيس اللجنة الشعبية لدعم المجهود الحربي في سوريا، رئيس الهيئة العامة لاستقبال التبرعات للمجاهدين الأفغان، والرئيس الأعلى لمعرض المملكة يبن الأمس واليوم، ورئيس اللجنة المحلية لإغاثة متضرري السيول في السودان، ورئيس اللجنة المحلية لجمع التبرعات لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ورئيس اللجنة المحلية لعون وإيواء ومساعدة الكويتيين إثر الغزو العراقي، ورئيس اللجنة المحلية لتلقي التبرعات لمتضرري فيضانات بنغلاديش، ورئيس الهيئة العليا لجمع التبرعات للبوسنة والهرسك، ورئيس الهيئة العليا لجمع التبرعات لمتضرري الزلزال في مصر، ورئيس اللجنة العليا، واللجنة التحضيرية للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة، ورئيس اللجنة العليا بمنطقة الرياض لجمع التبرعات لانتفاضة القدس، وأمير منطقة الرياض، ورئيس مجلس منطقة الرياض، ورئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، ورئيس اللجنة العليا للمشاريع والتخطيط بمدينة الرياض، ورئيس اللجنة التنفيذية العليا لتطوير الدرعية، ورئيس اللجنة المشرفة على تطوير متنزه الثمامة، ورئيس مجلس إدارة مكتبة الملك فهد الوطنية، ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، وأمين عام مؤسسة الملك عبد العزيز الإسلامية، والرئيس الأعلى لمركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، والرئيس الشرفي لمركز الأمير سلمان الاجتماعي، ورئيس شرف مجلس إدارة شركة الرياض للتعمير، ورئيس جمعية البر بالرياض، والرئيس الفخري للجنة أصدقاء المرضى بمنطقة الرياض، والرئيس الفخري للجنة أصدقاء الهلال الأحمر بمنطقة الرياض، والرئيس الفخري لمشروع الشيخ بن باز الخيري لمساعدة الشباب على الزواج، ورئيس مجلس إدارة مشروع الأمير سلمان للإسكان الخيري، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الرياض الخيرية للعلوم، ورئيس الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض، ورئيس جمعية رعاية مرضى الفشل الكلوي بمنطقة الرياض، والرئيس الفخري لجمعية الأمير فهد بن سلمان لأمراض الكلى، والرئيس الفخري لمؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية، والرئيس الفخري للجمعية التاريخية السعودية.

قاد الأمير سلمان بن عبد العزيز منذ 57 عاما، التحول الذي طرأ على مدينة الرياض التي تعد أسرع مدن العالم نموا ووصل عدد سكانها إلى أكثر من 5 ملايين نسمة، حيث تحولت الرياض خلال أكثر من نصف قرن من بلدة صغيرة تحيطها الأسوار إلى مدينة عصرية وأضحت إحدى الحواضر ذات التأثير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي خلال العصر الحالي ليس على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى الإقليمي والدولي.

وتجاوزت مساحة الرياض كثيرا من الدول حيث تبلغ مساحتها أكثر من ثلاثة أضعاف مساحة سنغافورة على سبيل المثال، حيث تبلغ مساحة نطاق العاصمة السعودية العمراني أكثر من ألفي كيلومتر مربع، وتجاوز سكان الرياض الملايين الخمسة في الوقت الحالي بعد أن كان عدد سكانها في عام 1862م لا يتعدى الثمانية آلاف نسمة، في حين يتوقع أن يصل عدد سكان المدينة بعد عقد وبالتحديد في عام 2020م إلى نحو عشرة ملايين نسمة، وقاد الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي تولى إمارة المنطقة قبل 57 عاما العاصمة السعودية إلى آفاق رحبة وإنجازات غير مسبوقة في المدن الحديثة، حيث دفع عشقه الخاص للرياض لتكون مدينة متميزة وعروسا وسط الصحراء.

وقبل أكثر من ربع قرن من اليوم وفي كلمات تؤكد الارتباط العميق لسلمان بن عبد العزيز بالرياض، قال قائد تحول المدينة عن ذلك: «لا أتخيل نفسي بعيدا عن مدينة الرياض حتى لو لم أكن موجودا فيها، فالرياض بالنسبة لي الوطن والتاريخ، الماضي والحاضر والمستقبل والأمل، منها قام والدي المغفور له الملك عبد العزيز بوثبته العملاقة الكبرى التي غيرت مجرى تاريخ الجزيرة العربية حينما وحّد شتات هذه الأقاليم التي لعب الجهل والتخلف والإقليمية أدوارا كبيرة في تمزيقها وتفريقها حتى جاء البطل، ليصنع من هذه الأقاليم أعظم وأقوى وحدة في تاريخ العرب الحديث، فيها ولدت وترعرعت وتربيت على يد الملك العظيم الذي غرس في قلبي وقلوب أبنائه حب الوطن والتفاني من أجله، عشت زهرة الشباب وأنا أرى وألمس حكمة القائد وحسن أدائه وعلو مكانته محليا ودوليا حتى أثر ذلك في نفسي، وتعلمت من سيرته الكثير، تسلمت مسؤولية إمارتها منذ أكثر من ثلاثين عاما، وشهدت خطواتها خطوة خطوة، وتسلمت مسؤولية تطويرها، وخلال هذه المدة الطويلة تابعت سياسة التطوير، وكان لي شرف الوقوف على تنفيذها، وشهدت كل خطوة حضارية خطتها مدينة الرياض، ومن هنا يصعب عليّ أن أفكر أن أكون بعيدا عنها حتى لو كنت خارجها، عندما أكون خارج المدينة، داخل المملكة أو خارجها، فأنا أعيش معها ولها. وفي الحقيقة فأنا عندما أغيب عنها أظل أتخيلها، أعمالها، تصريف شؤونها، شوارعها، حدائقها، ملاعب الأطفال فيها، مدارسها، مستشفياتها، كل شؤونها، كل ركن أو زاوية فيها تعيش معي في تفكيري، في قلبي، في جوارحي، أحس أنني موجود في كل زاوية من زواياها، وأنني أتابع خطوة خطوة كل حركة فيها وكل مشروع، يدفعني الحب لها ولأهلها ولولاة الأمر فيها، فهي الرياض مدينتي وهي الرياض عاصمة المملكة الحبيبة. وكل قرية ومدينة في بلادي عزيزة وغالية، ولها في نفسي أسمى مكانة وأرفع موقع، إن مسؤولا بمثل مسؤوليتي لا يستطيع ولو للحظة أن يكون جسمانيا غائبا عنها، فهي تعيش معي وأعيش معها، وهي أمام عيني في كل لحظة، وإذا اضطرتني ظروفي إلى مغادرتها مدة تقصر أو تطول فأنا دائم التفكير فيها ولها كثير من الشوق، وأنا حريص على سرعة العودة لمتابعة شؤونها والإشراف على تطويرها عن قرب ومعالجة الأمور فيها».

ورغم أن الأمير سلمان بن عبد العزيز عزف عن التأليف مع أنه يملك رصيدا معرفيا ضخما في كل المجالات، ويعد ذاكرة الوطن، مما جعله ملهما للعديد من المؤلفين، إلا أنه دخل مؤخرا عالم التأليف، إذ رأت دارة الملك عبد العزيز التي يرأس الأمير مجلس إدارتها أهمية توثيق محاضرة ألقاها عن إنسانية والده الملك المؤسس وطباعتها في كتاب، وقدم فيها الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز صورا حية لمواقف تاريخية وجوانب إنسانية من شخصية الملك عبد العزيز، كما قدم نماذج متعددة للفكر التربوي، الذي حرص عليه الملك المؤسس عند تربية أبنائه وجميع أفراد أسرته، معرجا على الحديث عن أساس الدولة السعودية وجهود الملك في تأسيس أول وحدة عربية في جزيرة العرب بعد دولة الإسلام الأولى.

وأفاض في الحديث عن مواقف للملك المؤسس تعكس الإيمان الصادق الذي اطمأن في قلب الملك، وروح العدل التي سادت كل نوازع، ويد الجود التي اكتست بها هباته الوافرة.

وأورد الأمير سلمان في كتابه «ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز» سجلتها ذاكرته عن والده الملك، والمربي الفاضل والقدوة الحسنة، فأراد إظهارها لتظل منارات هادية للأجيال الآتية، ولتكون قصصا تروى عن شخصية المؤسس، الذي قد ملأ اليقين قلبه فأصبح ملكا في كل خصلة من خصال الخير وشمائل الوفاء.