أوباما وساركوزي.. نقيضان يجذبان الانتباه

يختلفان في الطباع ورد الفعل السياسي.. والمصلحة الانتخابية أكثر أمر يجمعهما

أوباما وساركوزي يتعانقان خلال احتفال بمناسبة العلاقات التاريخية بين أميركا وفرنسا نظم على هامش قمة العشرين في «كان» أول من أمس (أ.ب)
TT

عقب بضع ساعات من تصديق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اتخاذ إجراء عسكري ضد ليبيا في مارس (آذار) الماضي، اتصل الرئيس الأميركي باراك أوباما هاتفيا بنظيره الفرنسي، نيكولا ساركوزي. وقبل أن يتسنى لأوباما البدء في مناقشة الخطوات التالية، قاطعه ساركوزي، الذي كان قد حاول باستماتة إقناع حليفه الأميركي المعارض بالبدء في شن غارات جوية على قوات العقيد معمر القذافي، قائلا: «توقف». بحسب مسؤولين بإدارة أوباما، وقال: «باراك، أود فقط أن أقول لك إنني فخور بكوني صديقا لك. إنني فخور بما نفعله». والرئيس أوباما لا يتحدث الفرنسية، لذلك تحدث بالإسبانية إلى ساركوزي قائلا: «نيكولا. أنا وأنت متوافقان جدا».

والحقيقة تبدو عكس ذلك، فالرجلان غالبا ما يبدوان متناقضين. أحدهما قصير القامة وانفعالي في الأغلب، وهو ما يظهر في دقه على الطاولات وتحريكه يديه للتعبير عن الرغبة في توضيح أي رأي، وسحبه صدر سترته عند دخوله متفاخرا إلى أي حجرة. وعلى النقيض من سلوكه، يبدو في ملابسه أشبه بحانوتي، حيث يرتدي حلة وربطة عنق سوداوين.

أما الآخر، فهو طويل ونحيل ووجهه يخلو من أي تعبيرات، ونادرا ما يقوم بأي حركات انفعالية؛ فعندما يدخل غرفة اجتماعات، يفضل الدخول مباشرة في لب الموضوع. وهو يفضل ارتداء ربطات العنق ذات الألوان الزاهية، مثل الأزرق والأحمر والبرتقالي.

ساركوزي رجل يحافظ على القانون ويميل لتيار اليمين (بحسب المعايير الأوروبية)، وبالتالي قلت شعبيته في فرنسا، التي عادة ما تميل إلى اليسار. ويحتفي تيار اليسار الفرنسي بأوباما، الديمقراطي الذي ما زال يحظى بنسبة تأييد عالية - في فرنسا، إن لم يكن في الولايات المتحدة.

وفي يوم الخميس، أثار أوباما دهشة الكثيرين هنا في كان في اجتماع قمة مجموعة العشرين الاقتصادية، حينما مزح قائلا إنه كان واثقا من أن جوليا (ابنة ساركوزي التي أنجبها حديثا من زوجته إيطالية المولد كارلا بروني ساركوزي) «ورثت شكل والدتها وليس والدها، وهو ما أراه أمرا جيدا». ابتسم ساركوزي، ولكن هذا التعليق لم يسر المدونين الفرنسيين.

ويبدي ساركوزي إعجابه بأوباما، إلا أنه يعتبره «باردا»، مثلما قال أكثر من مرة، واستاء من عدم دعوته إلى واشنطن لفترة طويلة من بعد دعوة نظيريه الألماني والبريطاني. غير أن الرئيسين بذلا جهدا من أجل إصلاح العلاقات، مما أثمر في النهاية دعوة أوباما لساركوزي وزوجته كارلا ساركوزي إلى عشاء خاص بالبيت الأبيض في مارس (آذار) 2010.

يخوض الرجلان معركة إعادة الانتخاب الصعبة، ويأتي اختبار ساركوزي قبل أكثر من ستة أشهر من أوباما، مع إجراء الجولة الانتخابية الأولى في أبريل (نيسان) الماضي.

وإذا كانت أزمة اليورو قد شكلت عائقا مزعجا بالنسبة لانتعاش الاقتصاد الأميركي، وبالنسبة لأوباما، في تحقيق أحلامه بالفوز بفترة رئاسة أخرى، فإنها كانت بمثابة نعمة بالنسبة لساركوزي. فنظرا لكونه نشيطا وضيق الصدر وسريع البديهة على الدوام، يزداد إعجاب الفرنسيين به لأقصى درجة عندما يقوم بحل أي أزمة.

يذكر أن منافسه في الانتخابات الرئاسية، فرنسوا هولاند، من الحزب الاشتراكي، يحظى بالصدارة في صناديق الاقتراع، لكنه لم يشغل منصب وزير مطلقا. وعلى الرغم من ذلك، فإن هولاند حرص على أن يكون مبهما في معظم أهدافه السياسية. وهو محصن ضد الهجوم، بوصفه من أنصار اليسار المتشدد.

من ثم، كان ساركوزي دائما ما يقدم نفسه، في اجتماع مجموعة العشرين، أثناء الانتفاضة الليبية وخلال أزمة اليورو، بوصفه رجل اللحظة، الذي تتوافق مهاراته وقيادته مع التحديات بصورة لا يمكن أن يضارعه فيها معارضوه.

وبهذه الصورة، تمثل شراكته مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أهمية، لأنه ينظر إليهما باعتبارهما يواجهان استجابة أوروبا تجاه الأزمة الاقتصادية، غير أن دفع ميركل للقيام بدور أكبر تدريجيا في دعم ألمانيا والمؤسسات الأوروبية كان عملا شاقا.

وشكا ساركوزي في مؤتمر صحافي من مسؤوليات وظيفته، محاولا إدارة أزمة اليورو مثلما يدير فرنسا، وقال: «ليس وضعا سارا أن أكون في السلطة الآن، ولكنه وضع ضروري». وبدوره، وجه هولاند انتقادات لساركوزي يوم الجمعة، واصفا إياه بـ«منسق» وليس «لاعبا حقيقيا في النظام المالي». وقال هولاند: «أوروبا تبدو في موقف ضعف. تكمن المسؤولية في إدارة منطقة اليورو خلال الـ18 شهرا الماضية، أو بمعنى أدق، في ساركوزي وميركل».

ويوفر وجود أوباما ودعمه تعزيزا مهما لساركوزي، الذي يرغب في أن ينظر إليه كلاعب رئيسي مؤثر في العالم. ولدى أوباما أسبابه ليكون ممتنا أيضا، نظرا لأن ساركوزي قد أعاد فرنسا مرة أخرى بشكل كامل إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما استمر في إمداد أفغانستان بقوات وساعد في قيادة العملية العسكرية في ليبيا. وتنطوي العلاقة بين البلدين على عدة جوانب مثيرة للضيق، لكن أهمها أن المصالح الفرنسية والأميركية ليست دائما متماثلة. وفي المرة الأخيرة التي التقى فيها الرجلان، في الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، في سبتمبر (أيلول) الماضي، بدا الصدام بينهما واضحا للعيان. فبعد دقائق من إعلان أوباما معارضته للمطلب الفلسطيني بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، صدم ساركوزي المسؤولين الأميركيين بحثه الجمعية العامة على رفع مرتبة الفلسطينيين إلى وضع المراقب.

ولكن، بصورة ما، فإنهما بحاجة إلى بعضهما للفوز في المعركة الانتخابية. أوباما يحتاج إلى ساركوزي للضغط من أجل المطالبة بحل لأزمة منطقة اليورو، وساركوزي بحاجة للتأثير القوي لرئيس نجم.

ولذلك، ففي يوم الجمعة، حضر الرجلان حفلا في «كان» بمناسبة انتهاء العملية العسكرية في ليبيا، ووقفا من دون معاطف تحت المطر يثنيان على الصداقة الفرنسية - الأميركية والتعاون العسكري بين البلدين، بدءا من الحربين العالميتين إلى العملية العسكرية في ليبيا، في حضور ضباط من الدولتين. وبعدها، سارا معا في سعادة، وأخذا يصافحان المواطنين المبتهجين.

كما جلس أوباما بصحبة ساركوزي لإجراء مقابلة مشتركة مع التلفزيون الفرنسي، وهو شرف نادرا ما يحظى به رئيس دولة زائر. وهاجم الاشتراكيون على الفور المقابلة باعتبارها دعاية سياسية غير مدفوعة.

ويرى مسؤولون أميركيون أن أوباما كان سعيدا بدعم نظيره الفرنسي ببساطة لأنه يحبه. وقال أحد المسؤولين: «إنه يستمتع بالتعامل معه». وعلى عكس معظم الاجتماعات التي جمعت بين أوباما وقادة العالم، التي اعتمد فيها كل قائد على «نقاط حديث» محدودة مكتوبة، تبادل أوباما وساركوزي الحديث معا بشكل ارتجالي دون تنميق الكلام.

زار أوباما باريس في عام 2008، أثناء جولة أوروبية، حينما كان عضوا بمجلس الشيوخ عن إلينوي، والمرشح الرئاسي الديمقراطي المحتمل. ورحب به ساركوزي في قصر الإليزيه من خلال حفل استقبال يليق برئيس دولة، ثم أعرب عن تأييده له، بقوله: «إذا وقع الاختيار عليه، فستبتهج فرنسا». والجمعة، رد أوباما الجميل - على شاشة التلفزيون الوطني الفرنسي.

* خدمة «نيويورك تايمز»