العيد لم يعد يشكل فسحة للتأمل في العراق

هموم السياسة تطغى على ارتفاع الأسعار

عراقية تشتري لوازم العيد في سوق ببغداد أمس (أ.ب)
TT

تنوعت أساليب التعامل بين الطبقة السياسية التي تدير دفة السلطة في العراق اليوم، وبين المجتمع لا سيما عند حلول المناسبات المختلفة سواء كانت دينية أم وطنية. في الماضي كان العراقيون اعتادوا نمطا من التعامل السياسي «الأبوي» معهم عندما أجبرتهم السلطات الحاكمة سابقا على أن يلبسوا ويأكلوا ويناموا ويستيقظوا على مزاج الحاكم. أما اليوم فإن السلطة التي منحتهم الديمقراطية التي جعلتهم يأكلون ويشربون ويلبسون وينامون ويستيقظون على مزاجهم سلبت منهم ما بات يطلق عليه اليوم في العراق الجديد «الامتيازات» وأهمها الامتيازات المالية الناتجة عن الفروقات الهائلة في الرواتب والأجور.

الطبقة السياسية الحالية تفخر بأنها رفعت راتب المعلم من ثلاثة دولارات إلى ألف دولار أو يزيد أحيانا. ولكن بالقياس إلى الارتفاع الهائل في الأسعار وعدم السيطرة عليها بسبب غياب الدعم الحكومي نظرا للانتقال إلى اقتصاد السوق كجزء من شروط البنك الدولي لإقراض المؤسسات العراقية، فإن ما يتقاضاه كبار الموظفين والمسؤولين في الدولة أدى إلى مضاعفة معاناة المواطنين لا سيما عند حلول مناسبات «سعيدة» مثل الأعياد الدينية بسبب الارتفاع الهائل في الأسعار مع فتح باب الاستيراد العشوائي مما يجعل كل ما يتقاضاه الموظف من راتب يعد كبيرا بالقياس إلى حقبة الزمن السابق يذوب في أسواق الجملة في الشورجة والسوق العربي والباب الشرقي والمنصور والكرادة وبغداد الجديدة، لا سيما مع انتشار الأسواق والمولات الجديدة مثل «مكسي مول» و«سيتي سنتر» وغيرها.

لكن الأمر بالنسبة لكبار السياسيين وعوائلهم يختلف تماما. فمن بين المفارقات التي بات يتندر بها العراقيون أن غالبية قادة البلاد اليوم هم ممن غادروا العراق في زمن صدام حسين وتحولوا إلى المعارضة. ومع أن تحولهم إلى المعارضة جعلهم عند السنوات الأولى لسقوط النظام في مصاف المناضلين الكبار إلا أن بروز ملفات الفساد المالي والإداري فضلا عن اكتساب جنسية أجنبية وعدم استعداد من حاز منهم على تلك الجنسية على عدم التنازل عنها أدى إلى تراجع خطير في نظرة الناس إلى معظم أفراد هذه الطبقة التي لا يقضي أفرادها أي عطلة رسمية تحل في البلاد داخل العراق ومنها عطلة العيد. ولما كان كل عيد أو مناسبة محاطا حتما بأزمة سياسية فإن أزمة العيد الحالي هي الفيدرالية. وبين الأخذ والعطاء هنا وهناك فقد حلت عطلة العيد التي هي دائما طويلة في العراق بسبب اختلاف توقيتات العيد مذهبيا، فإن عطلة هذا العيد ثمانية أيام بلياليها.. تبدأ من السبت وتنتهي السبت الذي يليه، هذه العطلة الطويلة لا تشكل فرصة لمناقشة القضايا المختلف عليها بهدوء أو على الأقل للتأمل عند السياسيين للتوصل إلى حلول للأزمات العالقة، مثلها في ذلك مثل قصة الجلسة الطارئة التي دعا إليها رئيس البرلمان أسامة النجيفي بناء على طلب تقدم به 56 نائبا من مختلف القوائم. وعندما حل موعد الجلسة فلم يكتمل النصاب القانوني بسبب حضور 90 نائبا من بين 325 في حين حضر 25 نائبا فقط من بين الذين طالبوا بعقدها. وفيما يقضي البرلمانيون وكبار المسؤولين عطلة العيد في الخارج فإن العراقيين سوف يلتقون معهم خلال عطلة العيد لكن على خشبة المسرح وليس في البرلمان. ففيما تحول البرلمان في العديد من المرات إلى نوع من مسرح العبث بسبب المشاجرات والمشادات والفشل حتى في عقد جلسة طارئة، فإن المسرحية التي سيتم عرضها بدءا من أول أيام عيد الأضحى تحمل عنوان «حميد والبرلمان»، وذلك في أحد مسارح محافظة بابل. وفي هذا الصدد يقول مخرج المسرحية علي حافظ، إن مسرحيته تناقش مسألة التحصيل الدراسي لأعضاء البرلمان حيث يتقدم أحد الأشخاص لدخول البرلمان كعضو ويقنعه من حوله بأنه يسير في الطريق الصحيح وأنه يقوم بخدمة شعبه مع أنه لا يمتلك أي تحصيل دراسي. وأضاف أن هؤلاء الأشخاص يسعون من وراء ذلك للتربح من هذا النائب من خلال خداعه وإشعاره بأنه يخدم وطنه بهذه الطريقة، موضحا أن «العمل المسرحي مزج بين ما هو جاد وما هو كوميدي».