خالد بن سلطان.. مقاتل استوحى قوته من المؤسس وتأثر بالملك الشهيد

صاحب رأي «لقد سبق الملك عبد العزيز البريطانيين بعمليات القوات الخاصة والغارات الليلية»

الأمير سلمان بن عبد العزيز في حديث باسم مع الأمير خالد بن سلطان (تصوير: بندر بن سلمان)
TT

«كنت في صغري أتوق كثيرا إلى سماع قصص الملك عبد العزيز، وأخويه محمد وعبد الله، كما تستهويني قصص أبنائه المقاتلين الأشداء، أعمامي تركي وسعود وفيصل ومحمد. أولئك النفر الذين أبلوا بلاء حسنا في حروب التوحيد التي وقعت في العقود الأولى من هذا القرن..». بهذه الكلمات استوحى الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، الذي صدر البارحة أمر ملكي بتعيينه نائبا لوزير الدفاع، قوته التي عرفها الناس خلال حدثين مهمين تم خلالهما اختبار قدرات الجيش السعودي في مواجهة فلول النظام العراقي السابق عندما اجتاحت الكويت، وطرد المتسللين الحوثيين من الأراضي السعودية.

بين عامي 1990 (غزو العراق للكويت) و2009 (معركة تطهير الحدود)، برزت وتجلت قدرات الأمير، الذي قاد في الحادث الأول القوات المشتركة في مواجهة الغزو العراقي، فيما قاد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 حملة عسكرية ضد المتسللين الحوثيين انتهت بطردهم خارج الأراضي السعودية.

وخلال هذين الحدثين سطع نجم الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، حيث تم خلالهما اختبار قدرات الجيش السعودي في مواجهة حربين انتهت كلتاهما بتسجيل النصر لصالح السعوديين.

الأمير خالد بن سلطان هو الابن الأكبر للأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز، ولد في سنة 1949، وقد تخرج في أكاديمية ساند هيرست العسكرية البريطانية، وتولى خلال خدمته العسكرية التي بدأها منذ 1968 حتى تعيينه مساء أمس، العديد من المسؤوليات، فقد كان: قائدا لسرية دفاع جوي، وضابط تدريب مساعد ركن، ومساعد ركن ضابط عمليات الدفاع الجوي، ورئيس قسم التفتيش والمراقبة بقيادة الدفاع الجوي، ومدير إدارة مشاريع الدفاع الجوي، ومساعد قائد قوات الدفاع الجوي، ونائبا لذات القيادة السابقة، ثم قائدا لها، وقائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب تحرير الكويت، ومساعد وزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية، كما عمل مشرفا عاما على مسرح العمليات في معركة تطهير الحدود الجنوبية لبلاده من المتسللين الحوثيين، كما وصل إلى رتبة فريق أول ركن، وهي أعلى رتبة عسكرية في القوات المسلحة السعودية، قبل أن يحال على التقاعد من الخدمة العسكرية بناء على طلبه في 24 سبتمبر (أيلول) 1991.

وفي 17 يناير (كانون الثاني) 2011، تم تعيين الأمير خالد بن سلطان مساعدا لوزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية، وقد حصل خلال عمله على عدد من الأوسمة والنياشين الوطنية والأجنبية، منها: وسام الملك عبد العزيز من الطبقة الأولى، ووسام الملك فيصل من الدرجتين الثالثة والرابعة، بالإضافة إلى أوسمة أجنبية من الولايات المتحدة والكويت وفرنسا واليمن والسنغال والمجر والبحرين والأردن والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، وغيرها من الدول.

كما تم منح الأمير خالد بن سلطان، نوط الخدمة العسكرية والإدارة والقيادة والمعركة ودرع الجزيرة وميداليات التقدير العسكري، وتحرير الكويت، وميدالية الأكاديمي كابيتا من معهد التاريخ العسكري بروسيا الاتحادية والتي تمنح لأبرز علماء القرن العشرين الميلادي.

والأمير خالد بن سلطان، عضو في جمعية العلوم السياسية الوطنية بالولايات المتحدة الأميركية، عضو جمعية العلوم الفلسفية بأميركا، وعضو جمعية القيادة بأميركا أيضا، وعضو الأكاديمية الدولية المعلوماتية بروسيا الاتحادية، ومؤسس لكرسي البحث بجامعة الملك سعود بالرياض الخاصة بعلوم المياه، كما أن له نشاطات استثمارية وتجارية، منها إعلامية تتمثل في امتلاكه لصحيفة «الحياة» اللندنية التي يمتلكها وقناة الـ LBC اللبنانية والتي يشاركه في رأسمالها الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز، كما أن له اهتمامات بالمياه وما تمثله من أهمية استراتيجية للبقاء، وهو رئيس فخري لنادي الشباب الرياضي.

وقد أهله عشقه للجندية منذ صغره، لحصوله على تأهيل علمي وعسكري، ترجمه بحصوله على درجة التأهيل العسكري -دفاع جوي من أكاديمية ساند هيرست العسكرية الملكية، وعلى عدد من الدورات العامة والتخصصية في مجال الدفاع الجوي من مدرسة الدفاع الجوي بالولايات المتحدة الأميركية وهي دورة أركان صواريخ هوك، ودورة ضباط صواريخ هوك ودورة الحرب الإلكترونية دفاع جوي ودورة صيانة صواريخ هوك، وهو حاصل على الماجستير في العلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان العامة من فورت ليفنوورث بالولايات المتحدة، كما حصل على دورة الحرب من كلية الحرب الجوية في ماكسويل بالولايات المتحدة الأميركية، وكذلك حصوله على دورة إدارة الشؤون الدفاعية من معهد الدراسات البحرية من مونتري بالولايات المتحدة الأميركية.

للأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، اهتمام في التأليف، وكان أهم ما صدر عنه خلافا للمحاضرات التي ألقاها في الداخل والخارج، كتاب «مقاتل من الصحراء»، الذي جسد خلاله الفترة التي قاد فيها القوات المشتركة في حرب تحرير الكويت من فلول نظام صدام حسين، كما له مؤلف آخر يحمل عنوان «في السياسة الاستراتيجية».

وأورد الأمير خالد بن سلطان في كتاب «مقاتل من الصحراء»، سر عشقه للجندية، والعامل الرئيسي الذي أسهم في تكوين شخصيته، بقوله «عشقت الجندية منذ نعومة أظفاري، وأدركت منذ صباي أنني لم أُخلق للحياة المدنية. كنت أتوق لحياة خشنة مثيرة أحقق فيها طموحاتي، وأقوم بأعمال بطولية لا تضارع».

وأرجع الأمير خالد بن سلطان عشقه للجندية بقوله «لعل ذلك يرجع إلى شخصيتي التي كانت - وأظنها لا تزال - عنيدة مقاتلة. كنت أصر، وأنا طفل على أن أفعل ما يروق لي، وأقاوم حتى لا يفرض أحد عليّ رأيه، أفخر بأنني لا أبكي أبدا حتى إن وقعت على الأرض وأصبت بجرح أو شعرت بألم. وحدث عندما كنت في الحادية عشرة أو الثانية عشرة أن سقطت عن فرسي وانكسرت ساقي. ويشهد أخي فهد الذي كان يرافقني أنه لم يرَ دمعة تنحدر من عيني ذلك اليوم. كنت طفلا خشنا لا ينسجم الآخرون معه بسهولة. كنت أصر دائما على أن أكون قائدا لا تابعا».

وحول العامل الرئيسي الذي أسهم في تكوين شخصيته، قال الأمير خالد بن سلطان في كتابه «مقاتل من الصحراء» «العامل الرئيسي الذي أسهم في تكوين شخصيتي أنني الابن الأكبر للأمير سلطان. وكان والدي دائم الانشغال بمهامه الحكومية وزيرا للدفاع، فصورته التي انطبعت في ذاكرتي وأنا طفل هي استغراقه الدائم في العمل منهمكا بالأوراق أو متحدثا عبر الهاتف. ويعني انهماكه في العمل أن أقوم ببعض الأعباء العائلية نيابة عنه، مما زرع في نفسي الشعور بالمسؤولية وهو شعور حرص والدي على غرسه فيّ منذ طفولتي، وفي أسرة كبيرة كأسرتنا تنعم بالكثير من الإخوة والأخوات، الذين تربطهم علاقات المحبة والحنان، لا يخلو الأمر من بعض المشاكل البسيطة في محيط الأسرة التي يلزم التدخل فيها ومعالجتها، فيحتاج الأمر إلى شخص يسدي النصح أو يقرب بين وجهات النظر أو على الأقل يكون موجودا قرب من ينشده. وأدركت في سن مبكرة أن عليّ القيام بذلك الدور كابن أكبر لشخصية مهمة».

ويضيف خالد بن سلطان في تناوله للشخصية التي تأثر بها بقوله «في أوائل الستينات، كنت فتى لا يزال في مقتبل العمر، وأذكر أنني تأثرت كثيرا بالشخصية القيادية الفذة للملك فيصل يرحمه الله، الذي تولى مقاليد الحكم عام 1964 في فترة حاسمة من تاريخ المملكة. فقد عمل على تعزيز مكانة العائلة وسمعة المملكة، وكان حاكما مهيبا يحظى بالاحترام قبل أن يحظى بالحب. رجل صارم يأخذ نفسه بالشدة ويتوقع الكثير الكثير من الآخرين. ولا شك أن أنموذج شخصيته أثر فيَّ، كما تأثر به كثير من فتيان العائلة».

وزاد «وثمة عامل آخر أسهم إسهاما إيجابيا في بناء شخصيتي، هو أنني حفيد الملك عبد العزيز الذي عرف بـ (ابن سعود)، الجد العظيم الذي وحد هذه البلاد بإيمانه، وحكمته، وسيفه، وظل يحكمها طوال نصف قرن من الزمان، وأعطاها الاسم الذي لا تزال تعرف به المملكة العربية السعودية. كنت لا أزال في الرابعة من عمري حينما قضى الملك عبد العزيز نحبه عام 1953. لذا لا أكاد أذكر عنه إلا القليل، إلا أنني سمعت عنه الكثير من والدي وأعمامي، وأستطيع فقط أن أستشعر وجوده المهيب، كان رجلا ضخما غليظ اليدين، رقيق الابتسامة».

واستعاد الأمير خالد بن سلطان بعض اهتماماته الإعلامية في صغره، حينما كان طالبا، حيث يتذكر جيدا مقالا كتبه عن استرداد الملك المؤسس لمدينة الرياض، ويقول «كتبت وأنا في الخامسة عشرة من عمري، مقالة نشرت في مجلة المدرسة، عن استرداده (الملك عبد العزيز) الجسور لمدينة الرياض عام 1902، وهو في الرابعة والعشرين من عمره، انطلق من قلب الصحراء ليحقق المباغتة وهو ما نسميه في اللغة العسكرية بـ (هجوم الصاعقة)، فقد تسلق ورجاله أسوار المدينة على جذوع النخيل وانقضوا على حاميتها».

مضيفا «تأثرت كثيرا بأن جدي الملك عبد العزيز كان محاربا شجاعا، وفارسا ماهرا، يجيد فنون الصيد واستخدام الخنجر والسيف والبندقية، وفن العيش بالصحراء. سبق الملك عبد العزيز أولئك الذين اشتهروا بعمليات القوات الخاصة بالتاريخ الحديث، من أمثال ديفيد سترينج رائد مثل تلك الحروب في بريطانيا، التي شنت مجموعته غارات خلف الخطوط الألمانية في الصحراء الغربية أثناء الحرب العالمية الثانية، واستوحى البريطانيون منه، فكرة القوات الخاصة. فقد أتقن الملك عبد العزيز قبل هؤلاء جميعا فن الغارات الليلية كتلك الغارة التي استعاد فيها الرياض، وكررها بنجاح ضد الأتراك وضد مناوئيه في السنوات التي تلت ذلك، ولعل هذا التراث الذي لا ينسى هو منبع إعجابي بالقوات الخاصة».

وشدد خالد بن سلطان بالقول «كان الملك عبد العزيز على استعداد تام لاستيعاب التكنولوجيا العسكرية الحديثة، من هنا أدرك قيمة الأسلحة التي غنمها من الأتراك. كان يعرف أن الذخيرة أحد مفاتيح النصر، وقد أثار اهتمامي ما يروى أنه كان يحصي بنفسه طلقات الذخيرة التي يوزعها على الرماة. ولحرص الملك عبد العزيز على تحسين المهارات العسكرية لرجاله وتحديث معداتهم، أرسل ابنه فيصل ليشتري أسلحة من بولندا والاتحاد السوفياتي سنة 1930 – 1931، وقد حقق الفيصل لنفسه مجدا سامقا، في حرب عسير ثم اليمن في العشرينات والثلاثينات، وهو لما يزل في السابعة والعشرين من عمره، كما استقدم الملك عبد العزيز، مدربين لتعليم رجاله منهم النيجري طارق الأفريقي، الذي كان أول من شغل منصب رئيس الأركان في المملكة، كما استخدم عسكريين ذوي خبرة من بلاد الشام. وفي الأربعينات والخمسينات عندما كانت الأموال أكثر وفرة استمر التدريب على يد البعثات العسكرية البريطانية والأميركية، وفي عام 1942، بعث الملك عبد العزيز، ابنه منصور، أول وزير للدفاع لزيارة القوات الهندية، التي كانت تخدم ضمن صفوف الجيش الثامن البريطاني في شمال أفريقيا. كان الملك عبد العزيز حاكما يستمع إلى النصيحة ويسعى إلى المعرفة، ويستعين بطاقات المبدعين وخبراتهم من أهل الثقة الذين انتقاهم من أنحاء العالم العربي ومن خارجه».