مخاوف أميركية من تصعيد هجمات «القاعدة في العراق» بعد الانسحاب

مسؤولون يحذرون من عمليات حتى داخل أميركا

الدخان يرتفع من سوق الشورجة ببغداد حيث وقعت 3 انفجارات أمس (رويترز)
TT

بينما تستعد الولايات المتحدة لسحب قواتها من العراق بنهاية هذا العام، عبر مسؤولون أميركيون وعراقيون عن مخاوفهم المتزايدة من عودة النشاط الدموي لفرع تنظيم القاعدة في العراق، الذي كان قد بدأ قبل بضع سنوات حركات تمرد أنهكت البلاد ودفعتها نحو حرب أهلية.

ويسعى حلفاء تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا والصومال واليمن إلى زيادة نشاطهم، خصوصا بعد مقتل أسامة بن لادن وتقلص دور بقايا قيادة تنظيم القاعدة في باكستان. ومن جانبه، يحاول فرع تنظيم القاعدة في العراق التعافي من الهزائم الكبرى التي لحقت به على يد الجماعات القبلية العراقية والقوات الأميركية عام 2007، علاوة على مقتل اثنين من قادته عام 2010.

وعلى الرغم من أنه من المؤكد أن المنظمة أضعف مما كانت عليه قبل 5 سنوات، حيث كانت قد وصلت إلى قمة نشاطها، ومن غير المحتمل أن تستعيد قوتها السابقة، فقد ذكر محللون عراقيون وأميركيون أن فرع تنظيم القاعدة في العراق يقوم بتغيير أساليبه واستراتيجياته، حيث كان قد قام بمهاجمة قوات الأمن العراقية في مجموعات صغيرة، وذلك لاستغلال الفراغات التي سيخلفها رحيل القوات الأميركية ومحاولة إشعال جذوة العنف الطائفي في البلاد مرة أخرى.

وقد أظهرت الجماعة، التي تعرف أيضا باسم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، قدرة مدهشة على استرداد عافيتها مرة أخرى حتى بعد تعطيل خطوط إمدادها بمقاتلين أجانب عن طريق الحدود مع سوريا نتيجة للاضطرابات التي سادت سوريا، حسب ما ذكر مسؤولون استخباراتيون أميركيون. وهم يقومون بما يزيد قليلا على 30 هجوما يوميا، كما يقومون بهجوم واسع المدى كل 4 إلى 6 أسابيع، كذلك قاموا بزيادة جهودهم لتجنيد عراقيين، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في عدد منفذي الهجمات الانتحارية العراقيين.

وقال الميجور جنرال جيفري بيوكانن، المتحدث باسم الجيش الأميركي لدى العراق: «إنني أفزع عندما يذكر أي شخص أن وضع تنظيم القاعدة سيئ، أعتقد أنه سيأتي يوم نقول فيه إنه مر وقت طويل منذ آخر مرة سمعنا فيها عن تنظيم القاعدة، وربما حينئذ يمكننا أن نقول إن وضعه سيئ بالفعل».

وقد ساعدت عودة فرع تنظيم القاعدة إلى الظهور مرة أخرى في تصاعد الجدل بين بعض مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية، الذين يحاولون الإبقاء على أعداد صغيرة من المدربين العسكريين الأميركيين وقوات العمليات الخاصة للعمل في العراق، من جانب وبعض مسؤولي البيت الأبيض، الذين يرغبون في إنهاء الفصل الأخير في حرب دامت 8 أعوام أدت إلى مقتل ما يزيد على 4400 جندي، من الجانب الآخر.

وعبر محللون عراقيون عن مخاوفهم بشأن إعادة تشكيل روابط بين تنظيم القاعدة وأعضاء في حزب البعث، الحاكم سابقا. وقال إحسان الشيماري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد: «إن الحكومة تخشى من تحالف بين تنظيم القاعدة وحزب البعث، خصوصا بعد الانسحاب الأميركي من العراق. ولذا فإن قضية الأمن هي أكبر تحد ستواجهه الحكومة العراقية في المرحلة التالية».

ووفقا لبيوكانن، فإن هناك من 800 إلى 1000 إرهابي مشترك في عمليات إعلام أو تمويل أو قتال تابعة لفرع تنظيم القاعدة في العراق. وذكرت وثيقة أصدرها الجيش الأميركي في يوليو (تموز) 2010 أن تنظيم القاعدة به نحو 200 مقاتل «أساسي» في العراق. وذكر المحللون أن الاقتصاد العراقي الهش يساعد على تشغيل مجموعة واسعة من الشباب والشخصيات سريعة التأثر في فرع التنظيم هناك.

وخلال الصيف الماضي، حاول تنظيم القاعدة إشعال حرب طائفية من خلال شن مجموعة من الهجمات المنسقة في جميع أنحاء البلاد وإعدام 22 زائرا من كربلاء كانوا يمرون بمحافظة الأنبار، وهي منطقة كان يسيطر عليها تنظيم القاعدة في السابق. وبعد أيام من مقتل الزوار، شنت قوات الأمن التابعة للحكومة المحلية في كربلاء غارات على محافظة الأنبار، وقامت باعتقال 7 أشخاص وأخذتهم إلى كربلاء. وقد أثارت تلك الغارات القادة المحليين في الأنبار، مما دفعهم إلى التهديد باستخدام أعمال عنف ردا على ذلك. غير أن حكومة رئيس الوزراء، نوري المالكي، اعترضت على هذا الأمر. وسافر القائم بأعمال وزير الدفاع إلى الأنبار ليلتقي القادة المحليين، وأخيرا هدد أحد هؤلاء القادة برفع دعوى قضائية، الأمر الذي كان يعتبر أمرا غير مطروق لحل أي نزاع في العراق.

وشددت تلك الغارات على الأساليب المتغيرة للتنظيم، «فقد تخلى فرع تنظيم القاعدة في العراق عن محاولات السيطرة على محافظة ما وفرض سلطته هناك، وهي مبادرات تركته شديد الضعف في مواجهة تقنيات مكافحة التمرد، وتبنى بدلا من ذلك نموذجا إرهابيا تقليديا اعتمد على تنظيم سري وهجمات موسمية واسعة المدى»، وذلك وفقا لدراسة تمت في شهر أغسطس (آب) لبراين فيشمان، محلل جهود مكافحة الإرهاب في مؤسسة «نيو أميركا»، وهي مجموعة بحثية غير حزبية. وعلى الرغم من قيام الولايات المتحدة بسحب جميع قواتها فيما عدا 33.000 جندي وذلك لحراسة السفارة الأميركية، فإن كلتا الحكومتين تناقشان استمرار المشاركة العسكرية. ومن بين الأهداف الأميركية الرئيسية؛ موافقة الحكومة العراقية على اعتماد قوات أميركية خاصة تقوم بتدريب ومساعدة قوات الأمن العراقية، وفقا لمسؤولين أميركيين.

ويشعر المسؤولون بالقلق بصورة خاصة حيال القدرات الليلية للقوات العراقية الخاصة، التي اعتمدت على الأميركيين في الحصول على معلومات بشأن موقع المتمردين وطائرات الهليكوبتر وغيرها من مهام مكافحة الإرهاب ليلا. وقال مسؤول أميركي مطلع على الشؤون العسكرية في الشرق الأوسط: «لن تكون تلك العمليات جيدة بقدر ما كانت عندما كنا نساعدهم، ومن المحتمل أن تستهدف الغارات منزلا خاطئا وهدفا خاطئا. إن الأمر لا يقتصر على أن تنظيم القاعدة سيكون حرا في أن يفعل ما يحلو له. إلا أن العراقيين سيقومون بأشياء كنا سننصحهم بأن لا يقوموا بها»، كما ستنخفض قدرتهم على تعقب المتمردين.

وبينما ينخفض الدعم الذي يقدمه الجيش الأميركي، تقوم وزارة الخارجية، التي ستتمتع بحضور قوي في العراق خلال السنوات المقبلة بزيادة جهودها لمساعدة العراقيين على استهداف تنظيم «القاعدة». وأشارت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، الشهر الماضي إلى أن قائد تنظيم القاعدة في العراق، إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري، إرهابي عالمي ورصدت 10 ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن مكانه. ولا يعلم الكثير من العراقيون شيئا عن البدري، إلا أنه كان من بين الإرهابيين الأوائل الذين مدحوا أسامة بن لادن بعد مقتله في مايو (أيار)، وقد تعهد بتنفيذ 100 هجوم في العراق ردا على مقتله. وتجنب البدري، الذي يعرف أيضا باسم «أبو دعاء»، جذب الانتباه إليه منذ أن تولى قيادة التنظيم في العراق بعد الغارات التي تم شنها في أبريل (نيسان) الماضي وأدت إلى قتل قياديين سابقين في التنظيم.

وقد ركز تنظيم القاعدة في العراق جهوده على قوات الأمن العراقية، غير أن مسؤولين أميركيين بارزين عبروا أيضا عن مخاوفهم بشأن قيام التنظيم بتصدير أعمال العنف التي يقوم بها. وفي مايو، تم اتهام لاجئين عراقيين يسكنان في بولينغ غريب بولاية كنتاكي، بمحاولة إرسال بنادق قنص وصواريخ «ستنغر» وأموال إلى فرع تنظيم القاعدة في العراق. ولم يكن أي من الرجلين، وعد رمضان علوان (30 عاما)، ومهند شريف حمادي (23 عاما)، متهما بالتخطيط لهجمات داخل الولايات المتحدة. وكانت عملية فيدرالية استخباراتية منعت الأسلحة والأموال من الوصول إلى العراق. وحذر ماثيو أولسن، المدير الجديد لمركز مكافحة الإرهاب القومي، في شهادة له أمام الكونغرس الشهر الماضي من أنه من المحتمل أن يقوم فرع تنظيم القاعدة في العراق بشن هجمات خارج البلاد. واستشهد بمقطع فيديو أطلقه التنظيم في يناير (كانون الثاني) يطلب من أفراد مهاجمة طلبة ومنشآت البنية التحتية في الغرب.

* خدمة «نيويورك تايمز»