سفير ثوار ليبيا لدى بريطانيا لـ «الشرق الأوسط»: أمامنا تحديات.. لا مخاوف

محمود الناكوع عاد إلى الزنتان بعد 33 عاما في المنفى: بدأت نضالي ضد القذافي بمقال في «الشرق الأوسط» مطلع الثمانينات

محمود الناكوع سفير ثوار ليبيا في لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

بعد 33 عاما من النضال السياسي والفكري وحتى العسكري.. عاد محمود الناكوع المعارض الليبي البارز والإعلامي وسفير الثوار في بريطانيا إلى طرابلس الأربعاء الماضي منهيا سنوات عجافا في المنفى معارضا لنظام القذافي. وقبل مغادرته إلى طرابلس ومدينته الزنتان، التي شهدت أشرس المعارك ضد قوات القذافي، التقته «الشرق الأوسط» في مكتبه بالسفارة الليبية بلندن، متحدثا عن تجربته النضالية الطويلة.. وأحلام العودة ومستقبل ليبيا، والتحديات التي يواجهها المجلس الانتقالي وحكومته الجديدة.

* ستعود بعد 33 سنة.. لحظة تاريخية حقيقية..

- طبعا.. في مرحلة ما معينة من هجرتي ومن نضالي السياسي والفكري.. لم تكن العودة شيئا سهل المنال.. فرغم محاولات القذافي ونظامه لإقناع كثير من الليبيين المعارضين في الخارج وخاصة رؤوس المعارضة بالعودة إلى البلاد، فإنني آثرت البقاء والنضال. البعض عاد، لكني لم أكن مقتنعا في أي لحظة، بعروض النظام.. فمن الناحية الأمنية.. أنت لا تأمن أن يغدر بك، أو أن تقتل أو يدبر لك شيئا. ومن الناحية السياسية، لم يكن هناك إصلاح حقيقي وإنما وعود زائفة. وقطعت على نفسي عهدا بأن لا أعود إلى ليبيا طالما يحكمها القذافي. وبقيت في المنفى 33 عاما.

* هل كنت تتوقع أن تعود بهذه السرعة؟

- كنت أحلم.. ولكني كنت أراه حلما بعيدا، لم أتوقع أن يأتي بهذه السرعة التي تم بها. ثورة في تونس.. ثم ثورة في مصر.. ثم تكون ليبيا بين هذين البلدين.. أين ستذهب!! لا بد أن تحدث فيها ثورة. والحمد لله فان سنن التغيير الاجتماعي والسياسي، قد فعلت فعلها، وقد نجحت هذه الثورات، ونجحت الثورة الليبية بعد أن دفعت نحو 40 ألف شهيد، وما يماثلهم من الجرحى.

* هم ثمن الحرية..

- بالتأكيد.. هو ثمن باهظ باهظ دفعه الليبيون من أجل الحرية والكرامة. وبذلك انفتح الباب أمامي وأمام أمثالي بأن يعودوا إلى أرض الوطن. وسأقوم عند عودتي بنشاط سياسي واجتماعي، وأزور مدينتي الزنتان، في أول يوم. فهي أول مدينة انتفضت في 16 فبراير (شباط) في غرب ليبيا، وبانتفاضتها.. وانتفاضة مصراتة (غرب)، تشكلت معالم الوحدة بين الشرق والغرب، لأن القذافي كان يسعى لأن تترك له المناطق الغربية، بعد أن تحرر الشرق.. لكن انتفاضة هذه المدن، فوتت عليه أملا بتقسيم البلاد، ورسخت الوحدة. وستكون عودتي فرصة جيدة للالتقاء بهؤلاء المناضلين.. وكذا أسرتي وعشيرتي الذين لم أرهم لأكثر من 3 عقود كاملة. وعودتي ستتيح لي إعادة طباعة كتبي العديدة داخل ليبيا كذلك.

* كنت من أوائل المعارضين ضد القذافي.. كيف كانت البداية؟

- أولى مراحل نضالي بدأت بنشر مقالات في الصحافة العربية المهاجرة.. وأولى هذه المقالات نشرت في صحيفة «الشرق الأوسط» بلندن، في بداية الثمانينات. ثم توالت المقالات في عدد آخر من الصحف.. الحياة والقدس.. ثم قمنا بتشكل أول تنظيم معارض في عام 1980 - 81، وهو تنظيم «الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا»، وكنت أحد المؤسسين فيه وأحد قياداته، وعضو لجنته التنفيذية.. استمررنا في هذا العمل.. حتى عام 1988.

* هل كانت حركة سياسية فقط؟

- كان لها جناح عسكري. وكنا نتنقل في تلك المرحلة بين المغرب ومصر، والسودان، وكانت لنا علاقات جيدة مع هذه الدول التي قدمت لنا الدعم السياسي والعسكري، وأيضا المالي.. ثم تغيرت الموازين..

* هل قمتم بعمليات عسكرية؟

- نعم.. أكبر عملية كانت عام 1984 التي أطلقنا عليها اسم عملية «باب العزيزية».. وكان فيها مجموعة من المتطوعين والمتدربين الذين تم تدريبهم في تلك الدول المذكورة.. منها السودان في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، واستشهد فيها مجموعة من الشباب. وفي عام 1988 عدت إلى لندن واستقررت فيها بشكل نهائي وتفرغت للعمل الفكري، والإعلامي، وكنت أعمل في محطة «إم بي سي إف إم»، وأمارس في نفس الوقت نشر الكتب وكتبت أكثر من 10 كتب بعضها عن ليبيا وبعضها عن المنطقة العربية وبينها أيضا دراسات سياسية تاريخية اجتماعية.

* هل شاركت في الثورة الليبية التي انطلقت في فبراير الماضي؟

- مشاركتي كانت ثقافية وإعلامية.. فقد كنت أكتب في المواقع الليبية عن تطلعات الناس، وعن مذبحة أبو سليم التي راح ضحيتها نحو ألف وستمائة شاب، قتلوا خلال ساعات. وعندما اشتعلت شرارة الانتفاضة، كنت من أوائل المهاجرين حضورا في أجهزة الإعلام والقنوات الفضائية العربية كذا والصحافة ومواقع الإنترنت متحدثا عن آفاق الثورة وتطلعات الليبيين وآمالهم داعيا المجتمع الدولي لنصرتهم. وقد قال المستشار مصطفى عبد الجليل، (رئيس المجلس الانتقالي) في أحد تصريحاته، إن أحد أسباب نجاح ثورة 17 فبراير هم النشطاء الليبيون المهاجرون في الخارج «الذين تفاعلوا بسرعة مع الثورة وكان لهم حضور إعلامي، مكثف، كان له تأثير على مستوى ليبيا وعلى مستوى الجامعة العربية والعالم، حيث جاءتهم الفرصة لكي يشرحوا إلى العالم مآسي نظام القذافي». فقد كانت مساهمتي في هذا الإطار.

* هل كان لديك اتصالات مع المجلس الانتقالي؟

- علاقتي كانت فقط مع أقربائي، وبعض أفراد أسرتي المشاركين في العمل العسكري الثوري، وكنت أستقي منهم المعلومات. ولكن لم يكن لدي أي اتصالات مع قادة المجلس.

* هل ترشيحك كسفير في لندن كان مفاجئا لك؟

- علمتم أنهم كانوا يتابعون نشاطنا ونشاط الشخصيات الإعلامية المعارضة التي كان لها دور في المعارضة، فهم مطلعون على مواقفنا. وعندما قررت بريطانيا إبعاد طاقم السفارة الليبية في لندن، في يوليو (تموز) الماضي، طلب وزير الخارجية وليام هيغ من المجلس تعيين طاقم جديد على وجه السرعة. فجرت اتصالات بين محمود جبريل (رئيس الوزراء السابق) ومصطفى عبد الجليل وبعض العناصر في المجلس، وتشاوروا بشأن الشخص الأفضل في تولي المهمة واتفقوا على اسمي. وقام جبريل الذي كان موجودا بالدوحة بالاتصال بي.. وأبلغني رغبتهم في تولى المنصب.. فقلت له «رغم ثقل المسؤولية، فسأقبلها لكي أتحمل جزء من مما تتحملون». ولا شك أنها مهمة عسيرة ولكن أريد أن أواصل التضحية إلى أن نصل بالسفينة الليبية إلى بر الأمان. وتم تقديم أوراقي إلى الخارجية البريطانية، الذين رحبوا بي بعد أن عرفوا عن سيرتي ووجودي في بريطانيا.

* كيف تتوقع مصير البلد.. الآن بدأت المهمة الكبرى؟

- هناك تحديات جمة.. لأن البلد لم تكن فيه مؤسسات ولم تكن فيه حريات صحافة، ولا مجتمع مدني. كل شيء سيبنى من الصفر. التحدي الآخر، هو وجود ثوار لا يزالون يحملون السلاح.. في وقت يعمل المجلس الانتقالي للانتقال من حالة الثورة إلى حالة الدولة. نريد بناء مؤسسات جديدة.. أجهزة أمنية وشرطة وجيش.. وبناء قضاء مستقل. هناك حوارات كثيرة في هذا الجانب.. وأنا متفائل بأننا سنعبر هذه المرحلة بأمان. الثوار سيسلمون أسلحتهم إلى الجهات الأمنية.. ومن يريد منهم أن يلتحق بالأجهزة الأمنية فليلتحق ومن يريد الالتحاق بالجيش والمؤسسات الجديدة فله الخيار. ومن يريد الحياة المدنية، فعليه إلقاء السلاح. الحكومة الجديدة ستعمل لإتمام هذا الجانب.

* ولكن هناك حركات مسلحة تتصارع السلطة خاصة في طرابلس، بعضها يصر على حمل السلاح، ويشبه وضعهم حزب الله اللبناني. هل هناك مخاوف؟

- أنا أسميه تحديا وليس مخاوف.. الحل باتخاذ القرارات الحاسمة وتشكيل الأجهزة الأمنية لوزارتي الداخلية والدفاع.. ولا بد أن يندمج هؤلاء المقاتلون فيها. وحسب معلوماتي فإن الحوارات الجارية الآن إيجابية ستنتهي إلى حلول في صالح الثورة وفي صالح قيام دولة الدستور القانون.

* طريقة معاملة القذافي بعد اعتقاله وطريقة دفنه في مكان مجهول أثارتا انتقادات..

- إنها حالة الحرب.. هذه الحالة فرضت كثيرا من الأمور التي لا يستطيع الناس التحكم فيها. هذه ثورة.. ليست صداما أو مظاهرات مدنية في أحد الشوارع.. هم ثوار.. وشيء طبيعي أن تقع أخطاء ككل الثورات.. القذافي وكتائبه ارتكبوا من الجرائم ما يندى له جبين البشرية، خاصة قصص الاغتصاب. كانوا يغتصبون النساء أمام ذويهن، والمرأة أمام زوجها، ويصورونها ويتباهون بالصور ويتبادلونها من خلال أجهزة الجوال. الناس متأثرة بهذا الوضع المؤلم وممكن يكون لديها ردود أفعال مثل هذه.

* من الشخصيات الآن ترشحها لأن يكون لها دور محوري في ليبيا؟

- كل أعضاء المجلس العسكري أدى دوره كما يجب. جبريل استقال ويرى أن دوره الآن كاستشاري. ولكن يظل عبد الجليل هو الشخصية المحورية التي يتفق عليها أغلبية الليبيين، فهو نزيه ونظيف ومتميز ولذلك استطاع أن يقود الليبيين في هذه اللحظات الصعبة إلى بر الأمان.. فهو موضع ثقة الجميع. ولكن يمكن القول أيضا إن لكل مرحلة قياداتها وستنتج هذه المرحلة والمقبلة قياداتها أيضا.

* هل يمكن أن تشارك في الحكومة القادمة؟

- ربما سأشارك في المرحلة التي تقترن بعمل الدستور، ستكون هناك انتخابات للمجلس الوطني، وستشكل من داخله لجنة لوضع الدستور، قبل أن تطرح للاستفتاء. في ذلك الوقت ربما يكون لي دور. ولكن دوري الحالي هنا هو كسفير لليبيا في لندن.. رغم أنني أعتبر أن عملي في السفارة مرحلة انتقالية قصيرة.. فأنا أرى أن دوري الرئيسي هو العمل الفكري والثقافي والإعلامي والكتابة والعيش مع الناس بروح متفائلة.

* السفارة في لندن بالذات كانت سيئة السمعة..

- نعم.. لذلك طرد جميع طاقمها عدة مرات.. بعد مقتل الشرطية البريطانية ايفون فيلتشر في عام 1984.. وطردوا كذلك بعد مقتل الناشط الليبي علي أبو زيد في التسعينات.. وكانت مهجورة بعد أحداث لوكربي. نحن الآن نعمل لتغيير وجه السفارة لتعطي وجه ليبيا الجديد، فمن المدخل غيرنا الاسم.. فبدلا من ذلك الاسم الطويل.. المكتب الشعبي للجماهيرية العربية الليبية، إلى كلمتين فقط هما سفارة ليبيا. ثم قمنا بإعادة هيكلة جديدة.. وبناء جهازين إداري ومالي.. واتبعنا أسلوبا مؤسساتيا عند التوظيف لهذين الجهازين، وقمنا بتعيين مدير لشؤون الطلبة، وملحق تجاري، ومسؤولين ماليين، بأسلوب مهني وبواسطة لجان متخصصة لا دخل للسفير فيها. ولأول مرة تم تعيين سيدات ليبيات في السفارة من المهاجرات، وهذا لم يكن موجودا في الماضي. وأسسنا قسما يعني بالنواحي الصحية لكي يقوم برعاية الموفدين للعلاج من داخل البلاد وخاصة جرحى الحرب. وأول مجموعة وصلت من 50 جريحا.. يتم علاجهم على نفقة الدولة في عدد من المستشفيات البريطانية.

كذلك نهتم بمساعدة الطلاب الذين كانوا يدرسون على حساب الدولة ثم انقطعت عنهم الأموال. فتحنا مجالا لضم أكبر عدد منهم للبعثة الدراسية. وزارة التعليم تقوم حاليا بدراسة ملفاتهم، كما تعيد النظر في طريقة الابتعاث بحيث ينالها من يستحق وليس كما كان في الماضي، تمنح بالواسطات.

* هل هناك معوقات مالية؟

- بالتأكيد.. فإن أصعب مشكلة الآن هي تحرير الأموال الليبية، التي جمدت أثناء الجرب، فلا تزال الإجراءات بطيئة، وهي تعيق حركة الإعمار في البلاد، وتعيق حركة السفارات. ولكن نأمل بعد أن تحررت البلاد بالكامل أنه لم يعد هناك عذر لمجلس الأمن ولجانه المختصة في أن تتباطأ في تحرير هذه الأموال.

* ماذا عن الأملاك الليبية في بريطانيا وبيوت سيف الإسلام.. ماذا فعلتم بها؟

- هناك مجموعة كبيرة من العقارات القيمة في لندن وبريطانيا عموما بما فيها البيت الذي ينسب إلى سيف الإسلام ولكنه مسجل باسم الساعدي، وقد اتخذت الحكومة البريطانية إجراءات جيدة بتجميدها في مرحلة معينة حتى لا يسمح بالتلاعب فيها وتغيير الملكية، وما شابه ذلك، فهي كلها الآن تحت السيطرة. وستقوم الحكومة بتعيين مسؤولين لمتابعة هذا الموضوع في بريطانيا وبقية دول العالم.