جوبيه: مبادرة الجامعة العربية «ماتت».. ومستعدون للاعتراف بالمجلس الوطني السوري

وزير الخارجية الفرنسي في حوار شامل مع : سنشدد العقوبات إذا استمر النظام الإيراني في صم أذنيه

TT

اعتبر وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أن مبادرة الجامعة العربية للحل في سوريا قد «ماتت»، مؤكدا أن الدول العربية تتحمل مسؤولية «كبرى» تجاه الوضع في سوريا وعليها ممارسة ضغوط كبيرة على دمشق من أجل أن «تتطور» الأمور فيها، كما على تركيا لعب دور لما لها من «إمكانيات كبيرة» للتأثير على سوريا.

واستبعد جوبيه في حديث شامل خص به «الشرق الأوسط» القيام بعملية عسكرية ضد دمشق، معتبرا أن «عقيدة» بلاده تقوم على اشتراط تفويض من مجلس الأمن الدولي لأي تحرك ضد دمشق. وقدر جوبيه أن النظام السوري سيتغير لكن ذلك سيأخذ وقتا.

وكشف الوزير الفرنسي أنه ونظراءه الأوروبيين سيدرسون فرض سلة عقوبات اقتصادية ومالية جديدة على سوريا في اجتماعهم القادم. وعلى الصعيد الفرنسي المحض أعلن جوبيه أن باريس «جاهزة» للاعتراف بالمجلس الوطني السوري المعارض شرط أن ينظم نفسه، وأن الموضوع «قيد الدرس» فرنسيا، داعيا المجلس إلى «بلورة برنامج حكم».

وأعرب الوزير الفرنسي عن قلقه لانعكاسات الأزمة السورية على لبنان واستقراره وعلى أمن اليونيفيل (قوات السلام الدولية في لبنان)، ودعا الحكومة اللبنانية إلى الامتناع عن تسليم المواطنين السوريين الهاربين من بلادهم لما يمكن أن يتعرضوا له من سجن وتنكيل وتعذيب في سجون بلادهم. كما نبه جوبيه الحكومة اللبنانية من انعكاسات عدم الوفاء بالتزامها تمويل المحكمة الدولية وتمديد انتدابها على العلاقات الفرنسية - اللبنانية.

وفي الموضوع الفلسطيني اعتبر جوبيه أنه «لا فائدة» من الاستراتيجية الفلسطينية الحالية في مجلس الأمن، وأن الرباعية فشلت ولا أحد يقدم لعباس أفضل مما تعرضه فرنسا في الوقت الحاضر. وكشف جوبيه أن الرئيس الفلسطيني أبدى في نيويورك انفتاحا على المقترح الفرنسي لكنه اختار في النهاية مسار مجلس الأمن.

* هناك اجتماع مقرر للجامعة العربية في الـ12 من الشهر الحالي لبحث الموقف في سوريا. ما الذي تطلبونه من الجامعة العربية؟

- سبق لنا أن عبرنا عن دعمنا لمبادرة الجامعة العربية، بل إننا نصحنا المعارضة السورية أن تقبل إجراء الحوار (مع النظام القائم)، غير أن الدليل أظهر مرة أخرى أننا لا نستطيع أن نثق بـ(الرئيس) بشار الأسد. لقد زعم أنه قبل خطة الجامعة العربية، لكنه في اليوم التالي عاود اللجوء إلى القمع ومعه استمرت أعداد القتلى في الارتفاع. أعتقد أن النظام فقد اليوم كليا شرعيته، وأنه في لحظة أو أخرى يتعين تغييره.

رأيي أن ذلك يمكن أن يأخذ وقتا طويلا لأن أهل النظام يتمسكون بالسلطة. وحتى الآن ترفض المعارضة اللجوء إلى العنف، وأعتقد أنها مصيبة في ذلك. وصباح اليوم (أمس) سمعت أن نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام يدعو إلى اللجوء إلى السلاح وإلى تدخل (عسكري) خارجي. لذا فإنني بالغ القلق لجهة توقع مزيد من تدهور الوضع، ولأنني أرى أن احتمالات حصول تحول للنظام قليلة للغاية. لذا فإن رأيي أن هناك مسؤولية كبرى تقع على كاهل الدول العربية التي يعود إليها أن تمارس ضغوطا متصاعدة من أجل أن تتطور الأمور (في سوريا). نحن في وضع مختلف تماما عما كان عليه الوضع في ليبيا. في الحالة الليبية كانت المعارضة تطالب الأسرة الدولية بالتدخل، وحظي طلبها بدعم من الدول العربية، كما أن القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن الذي طرحته الدول الغربية نال دعم لبنان (العضو في المجلس). أما في الحالة السورية، فإن الوضع مختلف، وحتى الآن ليس ثمة تفكير بعملية عسكرية.

* لا أتحدث عن تدخل عسكري. سؤالي يتناول الإمكانيات المتاحة أمام الجامعة العربية والتدابير والإجراءات التي تطلبونها منها: سياسية، دبلوماسية، اقتصادية...

- عمليا، وإذا استبعدنا استخدام القوة العسكرية، ما الذي يمكن أن نقوم به؟ يمكن أن نقوم بضغوط دبلوماسية، وهذا ما نمارسه مع حلفائنا ومع عدد من الدول العربية. يمكن نفرض عقوبات (اقتصادية)، والاتحاد الأوروبي فرض حتى الآن ثماني مجموعات منها، وذهبنا إلى منع بيع السلاح (لسوريا) ومنع التعامل بالنفط السوري أو الاستثمار في هذا القطاع، فضلا عن تدابير بحق عدد من المسؤولين والشخصيات. ونحن مستعدون كذلك لتصعيد العقوبات، وسنتدارس ذلك في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين القادم. وفي المقام الثالث تواصلنا مع المعارضة لمساعدتها على ترتيب أمورها ودعمها. وأخيرا، نحن مستمرون في تحركاتنا في مجلس الأمن الدولي في ظروف بالغة الصعوبة لأن روسيا مستمرة، من جهة، في تجميد الوضع عبر التهديد باستخدام حق النقض (الفيتو)، ومن جهة أخرى هناك عدد من الدول الناشئة ولأسباب تاريخية (حذر من القوى الكبرى أو من الدول المستعمرة السابقة) ترفض تدخل مجلس الأمن.

لقد تناولت هذا الموضوع مطولا مع نظيري وزير خارجية البرازيل (بمناسبة قمة العشرين في كان). وسأذهب هذا الأسبوع إلى جنوب أفريقيا وسأتباحث بشأنه مع الرئيس زوما. وكما ترى، نحن نعمل على تكثيف اتصالاتنا لوضع حد لحالة لا يمكن قبول استمرارها.

* الاحتجاجات في سوريا مستمرة منذ ثمانية أشهر، وأمس سقط 23 قتيلا. ويبدو أن التدابير التي اتخذت حتى اليوم ليست كافية لوضع حد لذلك. العقوبات الاقتصادية لم تثبت نجاعتها، والوضع في مجلس الأمن وصل إلى طريق مسدود. ما هي، حقيقة، الإجراءات الإضافية التي يمكن التعويل عليها والتي يمكن أن تكون فاعلة؟

- لقد أجبتك على هذا السؤال. هذه الإجراءات هي ضغوط البلدان العربية والعقوبات الاقتصادية التي من شأنها دفع النظام لتغيير نهجه ودعم المعارضة حتى تنظم نفسها والإدانة الواضحة والتهديد بالعقوبات، بل العقوبات نفسها ضد النظام السوري في مجلس الامن. وربما تكون هناك إجراءات أخرى سنقوم بالنظر فيها لأن الخيار العسكري غير مطروح. وفي كل حال، فإن لفرنسا عقيدتها الواضحة؛ وهي أنه ليس هناك تدخل عسكري من غير تفويض من الأمم المتحدة.

* هل نقطة الانطلاق يمكن أن تكون طلبا مقدما من جامعة الدول العربية؟

- بالطبع. لذا قلت لك إن الجامعة العربية تتحمل مسؤولية كبرى، وأنا على تواصل دائم مع أمين عام الجامعة العربية (نبيل) العربي. موقف الجامعة العربية تطور: بداية، التزمت إزاء النظام السوري موقفا متفهما. الأمور الآن تغيرت. الموقف التركي أيضا تحول. لقد تشددت أنقره في خطابها (إزاء دمشق). حتى في روسيا هناك وعي (جديد) لكون الاستمرار في الوضع القائم ليس ممكنا، وأنه يتعين ممارسة ضغوط متزايدة على بشار الأسد. أرى أن الوضع (في سوريا) مرعب. هناك أكثر من 3 آلاف قتيل. هناك لجوء إلى التعذيب، إلى السجن، وممارسات أخرى من هذا القبيل. وسبق لي أن قلت إن ما يجري في سوريا وصمة (عار) على جبين الأمم المتحدة.

* هل يمكن القول اليوم إن المبادرة العربية قد ماتت؟

- أعتقد أنها ماتت. ولكن هذا لا يعني أنه لا يتعين الاستمرار (في الجهود)، وليست المرة الأولى التي يعد بها بشار الأسد بالقيام بشيء ثم يقوم بعكسه. لقد تحدثت مطولا مع نظيري التركي (أحمد داود أوغلو) الذي التقى الأسد منذ عدة أسابيع لستّ ساعات. وفي نهاية اللقاء اتفقا (على عدد من الإجراءات)، ولكن في اليوم التالي سقط 10 أو 15 قتيلا. أعتقد أنه لم يعد من مجال للثقة في تصريحات بشار الأسد. لقد قلت ذلك لموفدي الجامعة العربية، وأعتقد أنه صدر تصريح للجامعة العربية يصب في هذا الاتجاه. هل يمكن للجامعة العربية أن تطلق مبادرات جديدة؟ لم لا؟

* ماذا تتوقع من تركيا؟

- نتوقع منها التزاما حازما وإدانة لما هو حاصل في سوريا.

* لقد أدانت عشرات المرات.

- صحيح أن لتركيا إمكانية لممارسة ضغوط قوية على النظام السوري، ويمكن أن تساعدنا في الأمم المتحدة. سأذهب إلى إسطنبول وأنقرة بعد أسبوعين، وأنا عازم على إثارة الموضوع مع نظيري التركي.

* كنت أول من قال إن النظام السوري فقد شرعيته وإنه يتعين على الرئيس السوري الرحيل عن السلطة.

- نعم، كنت أول من قال ذلك وآخرون قالوا ذلك من بعدي.

* ما الذي يمنعكم مثلا من الاعتراف بالمعارضة السورية وتحديدا المجلس الوطني السوري؟

- نحن مستعدون لذلك شريطة أن ينجزوا تنظيم أنفسهم. اليوم، المعارضة السورية ما زالت منقسمة على نفسها، بناها غير واضحة. ولكنني لا أستبعد أبدا الاعتراف بالمجلس الوطني السوري الذي يقوم جهود من أجل تجميع صفوف المعارضة. وعلى أي حال، كنت أول مسؤول غربي يذهب للقاء قادة المجلس الوطني في مسرح الأوديون، حيث التقيت ببرهان غليون وبسمة قضماني. نحن مستعدون للقائهم مجددا ولدينا اتصالات معهم ولا أستبعد أبدا الاعتراف به.

* ما الذي تطلبونه منهم؟ هل تريدون مثلا أن يبلوروا برنامج حكم؟

- نعم، نريد منهم أن يبلوروا برنامج حكم وأن يتخذوا مواقف تتصف أكثر بالانسجام بدل الأصداء المتضاربة التي تصل إلينا. وعلى أي حال فإن هذا الخيار (الاعتراف بالمجلس الوطني السوري) مسألة نحن بصدد دراستها.

* هل ستدرسون هذا الخيار لوقت طويل؟

- لأقصر وقت ممكن.

* اللبنانيون متخوفون من انعكاس الأحداث في سوريا على استقرار لبنان. هل أنتم قلقون بشأن استقرار لبنان؟

- بالطبع. ما يحصل في سوريا خطير بداية بالنسبة للشعب السوري بالنظر لتزايد أعداد القتلى، ولكنه أيضا تهديد للمس باستقرار كامل المنطقة. هناك بالطبع النتائج على لبنان، ولكن أيضا توتير العلاقات مع تركيا ونتائج محتملة على العلاقة مع إسرائيل. إذن هذه الأزمة مصدر قلق بالنسبة للاستقرار في مجمل المنطقة. لذا يتعين على مجلس الأمن أن يقول كلمته.

لا يتعين علينا أن نتدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما، لكن في عام 2005 أقرت الأمم المتحدة مبدأ مسؤولية حماية المدنيين. وهذا المبدأ يسمح للأسرة الدولية أن تحل محل حكومة في حال كانت هذه الأخيرة عاجزة عن حماية سكانها. وهو الحال اليوم (في سوريا). ثم هناك مخاطر تهديد الاستقرار الإقليمي الذي هو من مسؤولية مجلس الأمن الذي عليه أن يحذر وأن يتخذ التدابير (اللازمة) لمنع الإخلال بالاستقرار في المنطقة وتحديدا في لبنان.

* هل ثمة مخاوف لديكم على أمن القوات الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان؟

- نعم، لدينا مثل هذه المخاوف. ونحن نعي جيدا ذلك، خصوصا أنه حصلت اعتداءات ضد اليونيفيل. وكنا طلبنا من الحكومة اللبنانية أن تتخذ التدابير اللازمة من أجل حماية مواكب اليونيفيل، وهذا ما حصل. وتلقينا تطمينات من السلطات اللبنانية بهذا الشأن. كذلك طلبنا من الأمم المتحدة أن تقوم بمراجعة استراتيجية لدور القوة الدولية، لذا من المفيد أن نطرح على بساط البحث (طبيعة) مهمتها وتنظيمها وعديدها، وأيضا علاقاتها بالقوات اللبنانية المسلحة (الجيش اللبناني).

* هل تعطون أنفسكم مهلة لإتمام هذه المراجعة؟

- أعتقد أنها ستتم مع نهاية العام الحالي.

* يعاني لبنان من مشكلات غير انعكاسات الوضع السوري، وأولها موضوع المحكمة الدولية، وتحديدا موضوعي التزام لبنان دفع الحصة المتوجبة عليه لجهة تمويلها وتجديد مهمتها في الربيع القادم. والأميركيون يحذرون لبنان من (الانعكاسات) المترتبة على عدم التزام واجباته إزاء المحكمة، ومنها على العلاقات الأميركية - اللبنانية. هل ستحذون حذو الأميركيين، ولا أقول إنكم تقلدونهم؟

- نحن نقول هذا منذ البداية. أعلمنا اللبنانيين بوضوح أننا نتمنى أن تنجز المحكمة الدولية مهمتها، وأننا نطلب من الحكومة اللبنانية مهما تكن أن تتيح للمحكمة إنجاز مهمتها وأن يمدد انتدابها. وقلنا ذلك بوضوح كامل لرئيس الوزراء اللبناني (نجيب ميقاتي) الذي أكد لنا أن هذا ما ينوي القيام به. وأنا أعلم أنه يجد معارضة من حزب الله (وليس حزب الله وحده). وعلى أي حال، هذه النقطة بالنسبة لنا بالغة الأهمية. وسيكون لها تأثير على علاقاتنا مع لبنان في حال لم تفِ الحكومة اللبنانية بالتزاماتها.

* إذن أستطيع أن أقول إن فرنسا «تنبه» لبنان؟

- نعم، باستطاعتك أن تقول ذلك.

* أعتقد أنه حصل لقاء بينكم وبين الرئيس ميقاتي؟

- لقد اجتمعت به في لقاء قصير.

* هل عبر عن التزامه في هذا اللقاء بتمويل المحكمة؟

- نعم، لقد فعل. ما قاله هو أنه عازم على التصرف بشكل يسمح للمحكمة بأن تعمل، أي أنه سيعمل على تمويلها. ولكننا ما زلنا ننتظر أن يترجم هذا الالتزام إلى واقع. وحتى الآن هذا الأمر لم يحصل.

* ثمة أحداث أخرى تحصل في لبنان مثل إعادة سوريين هاربين إلى بلادهم أو اختفاء معارضين على الأراضي اللبنانية.. ما تعليقكم على هذه الأمور؟

- من المؤكد أن إعادة هاربين سوريين إلى بلادهم يعرضهم لمخاطر الاعتقال في ظروف صعبة وللتعذيب وخلافه، ونتمنى باسم المبادئ الإنسانية عدم إعادة أي منهم.

* كثيرون لا يفهمون موقف باريس من موضوع انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة المقدم إلى مجلس الأمن الدولي وتمنعها عن دعمه. لماذا لا يحظى هذا الطلب بتأييدكم؟

- جوابنا منسجم وواضح منذ البداية. قلنا منذ البداية لمحمود عباس إن تقديم طلبه لمجلس الأمن هو غلطة لأنه لن يقود إلى شيء.

* ولكن ما الذي يستطيعه محمود عباس؟

- اقترحنا عليه استراتيجية مختلفة أبدى (في البداية) إزاءها انفتاحا، غير أنه فضل نقل الملف إلى مجلس الأمن. لكن المشكلة أنه ليس لديه أي فرصة لتحقيق النجاح في المجلس، إذ الأصوات التسعة الضرورية (لإقرار الطلب الفلسطيني) غير متوافرة له. وحتى لو افترضنا أنه جمع هذه الأصوات، فالولايات المتحدة الأميركية ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضده مع النتائج التي ستترافق معه. ولذا لا أرى فائدة من هذه الاستراتيجية، ثم إنني لست وحدي من يرى ذلك، فدول مهمة في الجامعة العربية ترى الشيء نفسه. لذا نحن لا ندعم هذه المبادرة، وسنمتنع عن التصويت (في حال طرح في مجلس الأمن) لأننا لا نريد تشجيع الفلسطينيين على الذهاب في هذا الاتجاه الذي يقود إلى طريق مسدود.

أنا لا أعلم ما سيفعله محمود عباس في اليوم الذي يلي الاقتراع في مجلس الأمن، سيعود إلى بلاده ليقول: لقد فشلت! ألن ينفذ الأميركيون من جانبهم تهديدهم بمنع المعونات عن السلطة الفلسطينية؟... وكل هذا لا يفضي إلى شيء جيد. ولذا، سعينا إلى إقناع أصدقائنا الفلسطينيين بأن هناك استراتيجية أخرى، التي هي مرحلة أولى في الأمم المتحدة. هي لا تسمح لهم أن يتحولوا مباشرة إلى دولة عضو كاملة العضوية ولكنها تمكنهم من الحصول على صفة «دولة» مثل الفاتيكان أو سويسرا أو دول أخرى... مع امتيازات مصاحبة. وكان هذا الاقتراح يمثل أمرين إيجابيين: الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو تتمتع بصفة «مراقب» والحصول على دعم واسع في الجمعية العامة يمكن أن يصل إلى أكثر من 150 صوتا، ما يمكن أن يمثل نجاحا سياسيا. وطلبنا منهم بالمقابل أربعة التزامات: تكرار الاعتراف بدولة إسرائيل (وسبق لهم أن قاموا بذلك)، والتأكيد على توافر ضمانات لأمن إسرائيل، والعودة إلى طاولة المفاوضات من غير شروط، والامتناع طيلة فترة المفاوضات عن التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأنت تعلم أن الإسرائيليين والأميركيين قاموا بحملة قوية على هذه النقطة منبهين من وجود مخاطر بشأنها. وفهمت من خلال اتصالاتنا، رئيس الجمهورية وأنا، مع الرئيس محمود عباس أنه مستعد للسير في اقتراحنا. نحن نقول إن هذه المقترحات ما زالت مطروحة على الطاولة. ووفق هذا المنطق نقول: نحن لا نشجع الفلسطينيين على الذهاب إلى مجلس الأمن. وبالمقابل نحن مستعدون لدعم قرار في الجمعية العامة ووفق الشروط التي ذكرتها سابقا. ووفق المنطق نفسه قمنا بتأييد طلب الفلسطينيين الانضمام كدولة إلى منظمة اليونيسكو في مؤتمرها العام. إذن، وكما ترى، يتصف المسار الفرنسي بالانسجام.

* أنتم تريدون من كل ذلك المحافظة على فرص العودة إلى طاولة المفاوضات. ولكن استمرار الاستيطان الإسرائيلي، بل تسريعه من جهة، والشروط التي تفرضونها على الفلسطينيين (ومنها العودة إلى المفاوضات من غير شروط) من جهة أخرى، تعني وكأنكم تطلبون من محمود عباس الانتحار سياسيا؟

- لا. أعتقد أننا نقترح على محمود عباس توفير انتصار كبير لجهة الاعتراف بفلسطين ومنحها صفة الدولة المراقبة مع الحصول على 150 أو 160 صوتا. أعتقد أن هذا انتصار كبير. وبالمقابل ليس الذهاب إلى مجلس الأمن ومواجهة الفيتو الأميركي انتصارا. هذا هو تحليلنا.

فضلا عن ذلك، قلنا دائما لشركائنا إننا لم نعد نؤمن بمبادرات اللجنة الرباعية. ونحن نرى ذلك جيدا. مبادراتها فشلت كلها. لذا لو تبنى الفلسطينيون المبادرة التي طرحها الرئيس ساركوزي من فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة لكنا ربما ربما نستطيع أن نحقق تقدما.

* لكنّ الإسرائيليين سارعوا إلى نسف المقترح الفرنسي.

- كلا، قالوا إنهم مستعدون لمفاوضات من غير شروط مسبقة. ولكن هذا لم يمنعهم من الإعلان عن بناء وحدات سكنية جديدة في المستوطنات، وهو الأمر الذي أدنّاه من غير تردد لأنه مخالف للقانون الدولي.

* وهذا يعني أن ما تقدمونه لمحمود عباس لا يشكل مخرجا من المأزق الحالي.

- من الذي يقدم (لمحمود عباس) شيئا آخر مختلفا؟ ما المقترحات الأخرى المطروحة على الطاولة ومن أي طرف كان؟ أعتقد اليوم أن الاقتراح الوحيد الذي من شأنه أن يحرز تقدما هو الاقتراح الفرنسي.

* هل هذا يعني أنكم قطعتم الأمل من دور أميركي في المفاوضات وبانتظار الانتخابات الرئاسية وفوز أوباما بولاية ثانية؟

- لم أقطع الأمل، ولكن أين هي المبادرات الأميركية. أين هي المبادرات الأميركية؟ لقد ذكرت بنفسك أن هناك انتخابات أميركية وهناك احتمالات ضعيفة أن تظهر مبادرات أميركية. أنا أعرف أن مقترحاتنا لا تلبي كل طموحات الفلسطينيين، وأنا جاهز للنظر في أي فكرة أو خطة. ولكن أرى أن الوضع جامد وأن التوتر يرتفع من الجانبين وأن الإسرائيليين مستمرون في عمليات الاستيطان، وهي غير مقبولة. ومن الجانب الآخر ثمة أعمال عنف تزيد الأجواء توترا، ولذا أنا بالغ القلق من تدهور الموقف.

* إذن أنتم تدعون الرئيس عباس لترك مجلس الأمن والتوجه إلى الجمعية العامة؟

- ليس لي أن أقول له ما عليه أن يعمل.

* نصيحة صديق؟

- ليكن. أقول له كصديق إنه سيفشل في مجلس الأمن. ولكن حتى الآن يبدو أنه يرغب في الذهاب حتى النهاية في مجلس الأمن. ما الذي سيحصده من المواجهة مع الأميركيين؟ والمدهش أنني كل مرة ألتقي محمود عباس فإنه يقول لي إنه لا يريد مواجهة مع الأميركيين.

* الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس أعلن أمس أننا أقرب إلى الخيار العسكري بشأن الموضوع الإيراني منه إلى المخرج السياسي. هل لديكم معلومات تصب في هذا الاتجاه؟

- لا، ليست لدينا معلومات جديدة، كما أن هذه الشائعات ليست جديدة. هناك مناقشات دورية حول هذا الموضوع في إسرائيل. وبحسب ما أتلقى من تقارير، ثمة نقاشات واسعة داخل الحكومة الإسرائيلية، وهناك من يؤيد (ضربة عسكرية ضد إيران)، وهناك من يعارض.

أعتقد أنه يتعين القيام بكل ما هو ممكن لتفادي الأسوأ. أعتقد أن تدخلا عسكريا سيقود إلى نتائج لا يمكن التكهن بها، ليس فقط في المنطقة، بل أبعد منها. وفرنسا التزمت في الفترة الأخيرة مواقف متشددة للغاية من إيران التي تستمر في برنامج تخصيب اليورانيوم الذي نرى أنه لأغرض عسكرية، والذي لا يمكن أن نقبل به.

نحن ننتظر تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية قريبا. لن أستبق نشره، ولكن أعتقد أنه سيحمل عناصر مقلقة للغاية. ومؤخرا، حصل اتصال بيني وبين نظيري الإيراني صالحي الذي هو رجل بالغ التهذيب والدبلوماسية، وطمأنني أنه ليس علي أن أقلق من البرنامج النووي في بلاده لأن القرآن يحرم استخدام السلاح النووي.

الإيرانيون ينفون الواقع (النووي) عندهم، وهذا أمر لا يمكن أن نقبله. وفرنسا جاهزة دائما للحوار، ولذا قمنا بمبادرات مع (وزيرة الشؤون الأوروبية) كاثرين أشتون منذ عدة أشهر لتقديم مقترحات للحوار مع إيران. لكن الجواب الذي جاءنا تأجيلي ولكسب الوقت. نحن نريد حوارا حقيقيا وإلا فنحن مستمرون في العقوبات. قد يقول أحدهم: العقوبات لا تنفع. قد لا تكون كافية على المدى القصير ولكنني أعتقد أنه يتعين تشديدها إذا استمر النظام الإيراني في صم أذنيه. ثم يتعين علينا أن نظهر بعضا من التفاؤل، إذ قد ينجح المجتمع الإيراني في هز هذا الثقل الضاغط عليه مع ما يحمله من قمع وانتهاكات لحقوق الإنسان.

* المخاوف من النووي الإيراني قوية في محيط إيران المباشر والقريب. ما الذي يمكن أن تفعله فرنسا لطمأنة الدول التي أبرمتم معها اتفاقيات دفاعية في منطقة الخليج؟

- هذه الاتفاقيات التي تشير إليها تم توثيقها. لدينا قاعدة (عسكرية) في أبوظبي، وهناك اتفاق تعاون مع الإمارات. والرئيس ساركوزي قال أمام الأمم المتحدة إنه إذا حصل تهديد لأمن إسرائيل فإننا سنقف إلى جانبها. هذا التزام قوي من جانبنا.

* أنت متهم بأنك فتحت «صندوق الفرجة» عندما أعلنت في خطاب لك في معهد العالم العربي أن فرنسا جاهزة للتحاور مع الإسلاميين.

- اتهمنا سابقا ولوقت طويل بأننا أغلقنا الأبواب بوجه الحوار وغضضنا الطرف لسنوات عن أنظمة فاسدة تنتهك الحقوق الأساسية لشعوبها.

أنا أقول مجددا وبقوة إنني أعتبر أن التنديد من حيث المبدأ بأي حزب يرجع في مبادئه إلى الإسلام أو أن يكون إسلاميا موقف خاطئ، وبالتالي فإن وجود أحزاب في هذه الدول (العربية) ترجع إلى الإسلام لا يطرح عندي مشكلة. لكن علينا أن نبحث داخل هذه الأحزاب عمن لديهم رؤية معتدلة للأمور وعمن يعتبرون أن الإسلام يتلاءم مع الديمقراطية، ومع هؤلاء الذين أعتقد أنهم موجودون نستطيع الحوار. وعندما أسمع راشد الغنوشي يقول إنه لن يمس قانون الأحوال الشخصية ووضع المرأة، بل إنه سيحسنه، فلماذا علي أن لا أصدقه؟ سنرى وسنبقى متنبهين ونقول إنه لدينا مبادئ وسنرى ما إذا كانت هذه المبادئ ستُحترم. لكننا لن ننطلق من موقف مبدئي سلبي. وفي رأيي أنه داخل هذه التيارات الإسلامية هناك متشددون وأصوليون لا يقبلون التداول السلمي للسلطة، ولكن هناك أيضا من يقبل الحوار. أليس هناك حزب إسلامي يقود تركيا؟ في المغرب هناك حزب إسلامي ولديه نواب في البرلمان، فهل علينا أن نرفض النظر في هذه الحالات؟ علينا أن لا ننطلق من مبدأ أن من يرجع إلى الإسلام يتعين رفضه ورفض الحوار معه. وبالمقابل، كل من يدعو إلى العنف والسلاح والإرهاب والجهاد لن نقبل التعاطي معه بطبيعة الحال. إذن المطلوب احترام القواعد الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة والامتناع عن خطفها. ثم هناك مجموعة من الحقوق المنصوص عليها في شرعة حقوق الإنسان التي تشدد على الحريات الأساسية والمساواة بين الرجل والمرأة... هذه الحقوق نعتبرها عالمية، ونحن نتمسك بها. بعد ذلك، لكل أن يقرر طبيعة النظام والديمقراطية التي يريدها.

من جهة أُتهم بأنني منفتح، ومن جهة ثانية بأنني أطرح شروطا، خصوصا عندما أقول إن مساعدتنا لهذه البلدان اقتصاديا مربوطة باحترام هذه المبادئ. عندها نتهم بالتدخل في شؤون هذه البلدان الداخلية وبفرض الشروط عليها. الحقيقة أن لدينا خطا متوازنا، انفتاح وتيقظ في الوقت عينه. ولذا سأذهب قريبا إلى تونس لاستئناف الحوار مع السلطات التونسية، وكذلك مع الحكومة الليبية الجديدة بعد تشكيلها.