إجازة العيد.. هدنة إجبارية في شوارع القاهرة

خلت من اختناقات المرور وصخب السياسة والاحتجاجات الفئوية

TT

هدنة إجبارية من زحام البشر والاعتصامات والاحتجاجات السياسية واختناقات المرور، شهدتها شوارع وميادين القاهرة، أمس، في ثاني أيام عيد الأضحى، مما شكل حالة استثنائية من الراحة والهدوء، نعم بها سكان العاصمة، ويتمنون أن تستمر في الأيام العادية.

تقول ميادة عبد المنعم، (24 عاما)، لـ«الشرق الأوسط»: «لا تتخيلوا مدى السعادة وراحة البال التي أقود بها سيارتي وشوارع مصر خالية تماما وكأني أتجول فيها وقت الفجر، مع أني ذهبت لزيارة صديقاتي في حي المهندسين نحو الخامسة مساء، أي وقت الذروة وفي مدة زمنية قياسية لم تتجاوز عشر دقائق من شارع الهرم إلى شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين». وإذا كانت إجازة العيد تعد فرصة ذهبية لمعظم سكان القاهرة للسفر إلى مختلف المحافظات الأخرى لزيارة الأقارب أو التوجه للأماكن الساحلية لقضاء إجازة عيد الأضحى، فإنها باتت أيضا فرصة ذهبية لاكتشاف وجه آخر للقاهرة من دون سكانها، حيث تضحك سالي نبيل، (33 عاما)، قائلة: «لأول مرة أشعر بأن القاهرة ملك لي.. لا ملك لسائقي الميكروباصات المزعجين وسائقي النقل المتهورين والباعة الجائلين، لهذا خرجت أتجول في القاهرة دونما هدف محدد، فقط لمجرد التمتع بحالة (الفراغ) واكتشاف جمالياتها المفقودة بسبب حالة اللهاث الدائمة التي يعيشها الجميع».

تضيف قائلة: «على الرغم من أنها حالة موسمية، لكني أنتظرها بفارغ الصبر من العيد للعيد، حينما تصبح القاهرة أشبه بمدينة (الأشباح)، وهذا أمتع إحساس ممكن أن يعيشه من يعاني الزحام المروري والضوضاء اللذين لا يطاقان طوال أيام السنة بما في ذلك أيام الإجازات الأسبوعية».

وعلى الرغم من انشغال المصريين بالحراك السياسي الذي تعيشه مصر ما بعد ثورة 25 يناير ومع قرب الانتخابات النيابية في نهاية الشهر الحالي، وهو ما انعكس جليا على صلاة عيد الأضحى واستغلال العديد من الأحزاب السياسية لتجمعات المصريين في الساحات والسرادقات التي امتدت بطول القاهرة وعرضها وشوارعها الرئيسية والفرعية، كذلك لتوزيع البرامج الانتخابية وتعليق أكبر قدر من اللافتات والدعاية الانتخابية التي تدعو لمرشحيها - فإن إجازة العيد، بطقوسها وأعرافها الاجتماعية، فرضت هدنة إجبارية على جميع التيارات السياسية المتناحرة للفوز بمقاعد البرلمان. يقول رأفت عبد العزيز، (55 عاما)، محاسب بأحد البنوك: «مهرجان الانتخابات وحملاته الشعواء كان أول بروفة حقيقية له هو يوم صلاة عيد الأضحى، ولكن مع تركيز المصريين على أن ساحة صلاة العيد هي لأداء الصلاة فقط، وأن على مرشحي الانتخابات أن يفرقوا ما بين ما هو مسموح وما هو غير مسموح في هذه الأوقات الاستثنائية الروحانية، فإني أعتقد أن الكثير منهم أصيب بخيبة أمل كبيرة، لأن معظم المصريين ألقوا بأوراق الدعاية التي كانت توزع عليهم تباعا وكأنهم يقولون (لسه بدري شوية على الهم) نحن هنا لنبتهج ونصلي ونفرح بأيام العيد».

بينما يشير ياسين الفولي، (29 عاما)، إخصائي كومبيوتر إلى أن خلو القاهرة من سكانها وسياراتها يذكره بالأيام الأولى في ثورة 25 يناير قائلا: «كان الناس في الميدان أو في منازلهم والكل يترقب ما يحدث، ومع فرض حالة التجوال أصبحت مصر خاوية على عروشها كما يقال، لهذا فإني حينما أسير في القاهرة وسط هذه الحالة من السكون فإني أستعيد أيام الثورة الأولى».

وإذا كانت القاهرة قد أجبرت الجميع على الهدوء المؤقت، فإن هذا لم يمنع نحو ألف شخص من السباحة ضد التيار والتوجه في مسيرة سلمية من ميدان التحرير إلى دار القضاء العالي منددين بالمحاكمات العسكرية. لكن هذا الحدث السياسي ظل نقطة شاحبة في عباءة هذه الهدنة.