«الحد الأقصى والأدنى للأجور».. أزمة مستمرة في حكومة الثورة المصرية

نشطاء يطالبون بمراجعة رواتب كبار المسؤولين ويقارنونهم بأوباما ووزراء بريطانيين

TT

بعد فشل الحكومة المصرية الحالية برئاسة الدكتور عصام شرف، في إيجاد حل لمشكل الحد الأدنى للأجور، على الرغم من مرور قرابة العام على الثورة، جدد نشطاء سياسيون دعوتهم لتطبيق سياسة الحد الأقصى للأجور، ومراجعة مرتبات وبدلات كبار المسؤولين ومستشاري الدولة. وقارن هؤلاء بين مرتبات رجال الدولة في مصر التي تعني تراجعا في نموها الاقتصادي في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وكبار المسؤولين في الدول الغربية.

واشتعلت عدة أزمات في كثير من المؤسسات الحكومية، الأيام الماضية، بسبب المرتبات المرتفعة لكبار المسؤولين، كما أثارت رواتب مستشاري رئيس الوزراء، عصام شرف، استياء الرأي العام، بعدما تردد حصولهم على مقابل مالي يصل لـ20 ألف جنيه شهريا، لكن شرف نفى ذلك، وأكد أن هناك من المستشارين من يعمل متطوعا تماما، في حين أن هناك خبراء يحصلون على مقابل مادي لا يصل لهذه القيمة، بعد أن تركوا أعمالهم التي تدر عليهم مقابلا أعلى للتفرغ لخدمة الوطن. وفي بلد فقير يعيش نحو 40 في المائة من سكانه تحت خط الفقر، لا يزال المواطنون فاقدي الثقة بحكومتهم التي تشتهر بأنها «خرجت من ميدان التحرير»، لكن تفاقم الأعباء الاقتصادية، وعدم تنفيذ حكم قضائي صدر العام الماضي بوضع حد أدنى وأقصى للأجور، جعل المصريين يفقدون الثقة أكثر وأكثر في حكومتهم.

وقام عشرات الموظفين الشهر الماضي باحتجاز رئيس «الشركة المصرية للاتصالات»، للمطالبة برحيل مجلس الإدارة وفتح ملفات الفساد، بسبب المرتبات العالية للقيادات، وقالت تقارير صحافية إن كبار الموظفين يحصلون على راتب ثابت يصل إلى 200 ألف جنيه شهريا، إضافة لصرف 9 ملايين جنيه من الأرباح عن العام المالي 2009 على رئيس مجلس الإدارة ونوابه كمكافآت.

لكن وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، محمد سالم، قال إنه تم تخفيض نحو 30 في المائة من أجور أعضاء مجلس الإدارة وبعض نواب وقيادات الشركة، كما أنه سيتم الانتهاء من إعادة هيكلة جميع أجور العاملين بالشركة في يناير المقبل، لمراعاة تحقيق العدالة لجميع العاملين.

وقال الناشط السياسي الشاب، وائل غنيم، الذي بات يعرف بـ«مفجر الثورة المصرية»، إن العدالة الاجتماعية من القضايا المهمة في بلد يعاني أكثر من نصف سكانه من الفقر، خاصة أن رواتب الكثير من المسؤولين، وهي مدفوعة من ضرائب المواطنين، أعلى من باراك أوباما، رئيس أكبر دولة في العالم. ونشر غنيم عبر صفحته على موقع «فيس بوك»، وثيقة تظهر مفردات راتب الرئيس الأميركي ودخله السنوي وضرائبه المستحقة عليه. وأوضحت الوثيقة أن راتب أوباما السنوي 395 ألف دولار (33 ألف دولار شهريا)، وأن دخله الخاص من ممتلكاته أو كتبه أو خلافه نحو 1.38 مليون دولار في عام 2010، وبالتالي يصبح إجمالي دخل أوباما نحو مليون و800 ألف دولار، وإجمالي الضرائب المستحقة عليه والتي دفعها بالفعل (453.770 دولارا أميركيا).

وأكد غنيم، الذي استقال من عمله كمدير تسويق لشركة «غوغل» في الشرق الأوسط، ليؤسس جمعية خيرية باسم «نبضات»، أن «هناك مسؤولين في جهات حكومية مصرية رواتبهم أكبر من راتب أوباما، وليس من حق المواطن أن يعرف أي معلومة عن تفاصيل رواتبهم أو دخلهم السنوي.. لكن رئيس أكبر دولة في العالم مطالب مثل أي مواطن أميركي بأن يدفع الضرائب وأن يعلن كل دخله».

وقالت صفحة «كلنا خالد سعيد» على موقع «فيس بوك»: «إن رواتب رؤساء تحرير الصحف القومية وبعض المؤسسات الحكومية التي تكبد الدولة خسائر سنوية، أكبر بكثير من رواتب أكبر المسؤولين في الحكومة البريطانية، وإن الشعب من حقه معرفة دخل كل مسؤول ولا يوجد من يقول هذه أسرار سيادية وأمنية وتضر بالسلم الاجتماعي والأمن القومي، مثلما يحدث في مصر». ونشرت الصفحة مرتبات بعض مسؤولي الحكومة الإنجليزية، وذكرت أن راتب رئيس الوزراء (142 ألف جنيه إسترليني سنويا)، ووزير التجارة (279 ألف جنيه)، والصحة (260 ألف جنيه)، والدفاع (245 ألف جنيه).

من جهته، اعتبر إسلام حجازي، أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، أن عدم وضع حد أدنى وأقصى للأجور حتى الآن هو استمرار لحالة عدم وضوح الرؤية والعشوائية في عملية صنع وتنفيذ القرارات التي تعيشها الحكومة المصرية في شتى المجالات دون استثناء.

وقال حجازي لـ«الشرق الأوسط»: «إن تحقيق توازن فعلي بين الحد الأدنى والأقصى للأجور هو مسألة بالغة الأهمية لتحقيق العدالة الاجتماعية بين كل شرائح المجتمع، في ظل وجود 40 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر ويعتمدون على دخل يعادل نحو دولارين فقط في اليوم. مؤكدا أن ثورة الخامس والعشرين من يناير استمدت وقودها الحيوي من مشاركة أكثر من مليوني عامل وموظف منذ عام 1998 في أكثر من 3300 نشاط جماعي مختلف؛ احتجاجا على تدني الأجور».

وكان الدكتور أحمد البرعي، وزير القوى العاملة والهجرة، قد أكد في ندوة نظمها اتحاد جمعيات التنمية الإدارية، الشهر الماضي، أن مشكلة الأجور في مصر تتسم بالغموض.