مخاوف في الشارع العراقي من تنامي النفوذ الإيراني بعد الانسحاب الأميركي

أحدهم محذرا: إيران تخلت عن فكرة غزو العراق بجيشها لكنها تحاول الآن احتلاله سياسيا

أوراق نقدية إيرانية عليها صورة آية الله الخميني معروضة على رصيف شارع في بغداد (أ.ب)
TT

أصبح الوجود الإيراني في العراق واضحا وضوح الشمس، بدءا من حشود الزوار في الأماكن المقدسة لدى الشيعة وحتى أصناف الزبادي والمربى الموجودة على أرفف محلات البقالة. والآن يستعد العراقيون لمواجهة تنامي النفوذ الإيراني بعد انسحاب الجيش الأميركي من العراق بنهاية العام الحالي.

وقد يبدو طبيعيا أن تعمل حكومتا البلدين الوحيدتين اللتين يقودهما شيعة في منطقة الشرق الأوسط على تقوية العلاقات بينهما، ومع ذلك يعد الأمر في غاية الحساسية بالنسبة للعراق للدرجة التي جعلت الكثير من الشيعة العراقيين أنفسهم يشعرون بالخوف من تجاوز سيادة العراق ومن أن يتم السيطرة عليه من قبل الدولة الدينية في إيران.

ومرورا بالسياسة والسلاح وحتى زوار العتبات المقدسة والمنتجات الاستهلاكية شاهد العراقيون كيف كانت إيران تبسط نفوذها في بلادهم. وحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس»، لا يزال هذا الأمر يشكل مصدر إزعاج بالنسبة للكثيرين من العراقيين الذين لا يزالون يشعرون بالمرارة بسبب الدمار الذي أحدثته إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات في الثمانينات من القرن الماضي وأودت بحياة نحو نصف مليون شخص. وقال فؤاد كريم (36 عاما)، وهو تاجر أغنام في بلدة مندلي الواقعة في شمال شرقي العراق على بُعد نحو ستة أميال (10 كيلومترات) من الحدود الإيرانية: «كنا نكره الإيرانيين ولا تزال هناك مشاعر سيئة تجاههم». وكانت هذه المدينة قد تم تدميرها عن بكرة أبيها خلال الحرب بين العراق وإيران، وهناك في مدخل المدينة نصب تذكاري لامرأة شابة قُتلت جراء القصف الإيراني في يوم زفافها في عام 1983. وأضاف كريم، وهو شيعي: «لا يتعين على الحكومة التسامح مع أي تدخل إيراني، حيث يزداد غضبنا منهم عندما نسمع عن أفعالهم».

من جانبهم يؤكد كبار المسؤولين الإيرانيين أنهم يقومون فقط بتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع العراق منذ الإطاحة بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في عام 2003.

وأعرب مسؤولون أميركيون عن قلقهم مما وصفوه بالتدخل الإيراني في العراق، واحتمال أن يؤدي ذلك إلى نشر بذور الاضطرابات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وكانت تلك المخاوف هي السبب الرئيسي وراء الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة لترك عدة آلاف من القوات الأميركية في العراق بعد آخر موعد لانسحاب القوات الأميركية في الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر (كانون الأول). ومن الجدير بالذكر أن ما لا يقل عن ثلاثة ميليشيات شيعية مدعومة من إيران قد ضاعفت من هجماتها على القوات الأميركية في العراق خلال العام الحالي، حتى لا يتم بقاء أية قوات أميركية في العراق بعد الموعد المحدد للانسحاب. وصرح مسؤولون في المخابرات الأميركية والعراقية أن إيران قد زودت الميليشيات بالأسلحة والتدريب وملايين الدولارات. ومما لا شك فيه أن قوة تلك الميليشيات سوف يزيد النفوذ الإيراني في العراق بعد الانسحاب الأميركي. ويقول الجنرال جيفري بيوكانن، المتحدث الرسمي باسم الجيش الأميركي في العراق: «إيران تريد أن تجعل من العراق دولة ضعيفة. تشعر إيران بتزايد العزلة المفروضة عليها، ويعد التعاون مع العراق أحد الطرق التي تجنبها تلك العزلة».

وخلال زيارته إلى بغداد الأسبوع الماضي، وصف وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي علاقة بلاده بالعراق بأنها «فرعان ينتميان إلى شجرة واحدة»، نافيا الاتهامات الأميركية بالتدخل في الشؤون العراقية. وأضاف صالحي: «يعرف العراقيون أكثر من أي شخص آخر كيف يديرون دولتهم».

يذكر أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ما كان ليحتفظ بمنصبه العام الماضي لولا قيام إيران بعمل انفراجة في علاقته مع خصمه القديم مقتدى الصدر المعروف عنه عداؤه الشديد للولايات المتحدة. وكان مقتدى الصدر، الذي كان يدرس الدين في إيران، قد قدم للمالكي الدعم السياسي الذي كان يحتاج إليه للبقاء في السلطة.

ومنذ ذلك الحين تجاهل المالكي عمليات التوغل العسكري الإيراني في كردستان العراق. وبالإضافة إلى ذلك أجلت الحكومة، كما في حالة الصدر، وألغت أوامر القبض على المتشددين المدعومين من القوات الإيرانية.

وعلى الرغم من غضب المالكي من سوريا منذ فترة طويلة لأنها أصبحت بمثابة ملاذ لعناصر حزب البعث والمتطرفين التابعين لتنظيم القاعدة، يدعم العراق الآن بشار الأسد، وهو حليف لطهران.

وفي مدينة البصرة الجنوبية، التي تقع على بُعد نصف ساعة من الحدود الإيرانية و340 ميلا (550 كيلومترا) من العاصمة العراقية بغداد، تساعد إيران في تقديم الكهرباء والسلع الرخيصة للعراقيين. وخلال الصيف الماضي ترأس النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي وفدا تجاريا يضم 170 شركة إلى بغداد، وهي الزيارة التي اعتبرها دبلوماسيون غربيون في بغداد بمثابة تحرك إيراني لاستعراض القوة في العراق الذي يعاني من ركود اقتصادي في الفترة الحالية.

وأعرب غانم عبد الأمير، عضو مجلس محافظة البصرة، عن أمله في تضاؤل الدور الإيراني بمجرد رحيل القوات الأميركية، وأضاف أنه طالما اشتكى إلى المسؤولين الإيرانيين مما يتعلق بالأسلحة التي يتم تهريبها إلى العراق، ورد الإيرانيون بأنهم لن يتوقفوا عن ذلك قبل انسحاب القوات الأميركية. وقال عبد الأمير: «كان رد الإيرانيين بأنهم لا يستطيعون أن يمنعوا الناس من قتال المحتل».

وفي مدينة مندلي تركت إيران بصمات لا تمحى على المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 50.000 نسمة. وعن ذلك يقول باسم محمد، وهو كردي يبلغ من العمر 45 عاما وكان قد فقد ساقه في الحرب العراقية الإيرانية: «لقد تخلت إيران عن فكرة غزو العراق بجيشها، ولكنها تحاول الآن احتلال العراق سياسيا».