اليونان على وشك الانفجار

حياة الناس العاديين متوقفة.. وتدفق على البنوك لسحب الأموال خشية العودة إلى الدراخما

رجلان يتحدثان إلى بعضهما في شارع بأثينا (أ.ب)
TT

فتح صاحب متجر المجوهرات الصغير، الموجود في أحد أحياء الطبقة العاملة في أثينا، أبواب المتجر لممارسة نشاطه التجاري المعتاد، إلا أنه لم يقم ببيع شيء يذكر. وقال تاسوس، صاحب المتجر، الذي فضل عدم ذكر اسمه بالكامل، إنه لم يقم بعملية بيع واحدة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ونظرا لأنه لم يعد يستطيع تحمل دفع فواتير الكهرباء، فإنه لم يكن هناك ضوء ينير المجوهرات الموجودة في واجهة عرض المتجر.

وقد أمضى تاسوس الأشهر القليلة الماضية، مثل معظم اليونانيين هنا، وقتا أطول في مشاهدة التلفزيون من الوقت الذي قضاه في ممارسة نشاطه التجاري، بينما كان السياسيون اليونانيون يخرجون من أزمة سياسية ليسقطوا في أزمة أخرى. وقد تخيل تاسوس في ذهنه كل الاحتمالات الكارثية الممكنة، التي ليس أقلها احتمال خروج اليونان من قائمة الدول التي تتعامل باليورو.

وقد كان تأثير ذلك على تجارته الصغيرة مدمرا، حيث يقول إنه قد يضطر لإغلاق متجره. وزبائنه المعتادون، الذين لم يعد يرى معظمهم إلا نادرا في هذه الأيام، مدينون له بـ14000 يورو (نحو 19300 دولار)، والذين يذهبون إليه منهم لا يريدون سوى رهن ما ورثوه عن آبائهم لديه حتى يتمكنوا من العيش.

وقال تاسوس، الذي احمرت عيناه من الإرهاق والإجهاد: «إن السياسيين يخدعون الناس، والمدينة أصبحت تغلي. وعلى الرغم من أنني لست من المحتجين، فإن صبري له حدود، واستمرار الغليان سيؤدي في النهاية إلى الانفجار».

ومن المعروف أن الاقتصاد اليوناني في انحدار مستمر من جراء تطبيق برنامج تقشف اقتصادي لا هوادة فيه، حيث عانت الصناعة اليونانية أكبر انخفاض لها على الإطلاق في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومن المتوقع أن ينخفض الإنتاج الإجمالي لهذا العام بنسبة تصل إلى أكثر من 6%. ولكن الأمر الذي لم تبينه الأرقام الرسمية بعد، هو مدى قيام الأزمة بوضع الاقتصاد في طريق مسدود.

وقد توقفت مبيعات السيارات بشكل أساسي ووصلت إلى أدنى مستوى لها منذ عام 1993. ويعاني الناس الذين يملكون سيارات مشاكل تتعلق بنفقات تشغيلها، كما ازداد عدد السائقين غير المؤمن عليهم في الأشهر الثلاثة الماضية، بنحو 500000 سائق، ليصل العدد الإجمالي إلى 1.5 مليون سائق.

وتغلق المحلات التجارية الصغيرة، التي تعتمد على الطلب المحلي، أبوبها يوما بعد يوم، وهي التي تعد في نواح كثيرة شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد اليوناني، كما سرعت التكهنات المتزايدة بأن اليونان قد تضطر إلى العودة للتعامل بالدراخما من طوفان الأموال التي يتم سحبها من البنوك اليونانية، حيث يفضل الناس إيداع أموالهم في الخارج، أو تخبئتها في المنزل أو في السيارة، وعدم إنفاقها قط.

وعلى الرغم من أن البنوك اليونانية قد خسرت منذ يناير (كانون الثاني) الماضي 2010 ما قيمته 63.5 مليار دولار من أموال الودائع، وهو ما يعادل نحو 20% من الناتج الاقتصادي السنوي، فإن بعض المصرفيين هنا يقولون إن الأرقام قد ارتفعت بشكل كبير خلال شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر، حيث تراوحت التقديرات من 13.8 مليار دولار إلى 20.7 مليار دولار خلال هذين الشهرين فقط. وقد أودع ديميتريس، وهو سائق شاحنة متقاعد لا يريد أيضا ذكر اسمه بالكامل، مدخراته مؤخرا، التي تقدر بنحو 69000 دولار، في السويد، لأن اليونان على حد تعبيره «على وشك الإفلاس». وليس لدي ديميتريس أي شك في من ينبغي أن يقع عليه اللوم، ويقول: «إنني مندهش من أن الناس لم تقتحم مبنى البرلمان حتى الآن، ولم يقوموا بحرق السياسيين أحياء مثلما يفعلون بلحم وجبة السوفلاكي اليونانية».

ويتسم النقد اللاذع الموجه للسياسيين اليونانيين بأنه أكثر حدة في نواح كثيرة من الغضب العارم تجاه دول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، حيث نادرا ما يخاطر السياسيون هنا بالخروج في الأماكن العامة، وعندما يفعلون ذلك فإنهم يكونون مصحوبين بحراسة مشددة، لدرجة أن أي عضو من أعضاء البرلمان المغمورين يكون مصحوبا بحارس شخصي واحد على الأقل.

وقد أعطى كل ذلك الفرصة للحديث عن جلب أناس جدد ذوي أفكار جديدة من خارج المؤسسة السياسية، بدلا من تكوين ائتلاف آخر من أحزاب فاشلة وزعماء فاشلين.

وكان من ضمن الناس الذين تم ذكرهم لوكاس باباديموس، وهو نائب الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، وستيفانوس مانوس، وهو وزير الاقتصاد السابق لحزب الديمقراطية الجديد، الذي قال منذ فترة طويلة إن أي فرصة للإصلاح الحقيقي هي فرصة ميؤوس منها، إلا إذا تخلت اليونان عن عدد كبير من السياسيين عديمي الكفاءة.

ويعد برنامج مانوس الأخير أكثر إثارة للجدل، فهو يقترح وضع نحو 415 مليار دولار من قيمة الأصول اليونانية في حقيبة كبيرة مثل «حقيبة الحلوى»، بحيث تشمل تلك الأصول قطع أراض، ومواقع ذات أهمية تاريخية، بالإضافة إلى الجزر الثمينة، وتقديمها كضمان للحصول على قرض فوري بقيمة 105 مليارات دولار من أوروبا، يتم استخدامه لشراء السندات اليونانية المخفضة وسداد الدائنين، وفي المقابل توافق اليونان على بيع معظم أصولها الموجودة في «حقيبة الحلوى» في غضون السنوات الـ10 المقبلة أو نحو ذلك وسداد القرض، وهو يأمل أن يتبقى لليونان بعض الأموال بعد سداد القرض، حيث قال: «فلتطلقوا علي لقب (محطم التابو) إذا شئتم، ولتقوموا بطرد العمال اليونانيين، وبيع الجزر اليونانية، حيث ينبغي للسياسيين هنا كسر هذه التابوهات»، مضيفا أنه ليس لديهم سوى القليل من الوقت للقيام بذلك. ويتابع قائلا: «كل شيء هنا قد توقف، والناس يأخذون أموالهم إلى خارج البلاد، التي أصبحت بمثابة قنبلة على وشك الانفجار».

وقد انفجرت هذه القنبلة بالفعل بالنسبة للكثيرين من سكان أثينا، ففي حي كولوناكي الراقي، الذي يعيش فيه معظم النخبة الأثينية ويتسوقون من متاجره، بدأت أغلب المتاجر التي تبيع السلع الفاخرة إغلاق أبوابها، نتيجة لإضراب المستهلكين اليونانيين، الذي لا يشمل الطبقتين المتوسطة وما دونها فقط، ولكن الطبقات العليا أيضا.

وجزء من السبب وراء ذلك يعود إلى الضغط المكثف الذي رزحت تحته الحكومة لتحقيق الأهداف اللازمة لتأمين الجولة التالية من القروض، فعلى الرغم من أن تحصيل الضرائب ما زال يشكل تحديا، فإن اليونان فرضت ضرائب قيمة مضافة ثقيلة على المستهلكين، وضرائب عقارية خاصة، تم إلحاقها بفواتير الكهرباء التي يتم تحصيلها من اليونانيين، وهو الأمر الذي كان أكثر إثارة للجدل.

ولكن الأمر الذي جعل الأمور أكثر سوءا، كما يقول أصحاب المحلات، كان حالة عدم اليقين السياسي والإضرابات وأعمال الشغب المستمرة التي يمكنها أن تجعلهم يغلقون محلاتهم لعدة أيام في كل مرة.

وقال جيوفاني أوركويلو، وهو مالك متجر ماوريتسيو، وهو محل لبيع الملابس الراقية للنساء: «إن أعمالنا التجارية تدهورت بسرعة، حيث انخفضت بنسبة 70% منذ بداية الأزمة». فقد خلا متجره من الزبائن، كحال المتجر في معظمهم الأوقات خلال الشهرين الماضيين، مع نهاية يوم الجمعة، على الرغم من أن الشارع كان يعج بالنشاط والحركة.

وسيقوم أوركويلو بإغلاق متجره الكبير في حي كولوناكي في يناير، وهو أيضا يعرف على من ينبغي أن يقع عليه اللوم، حيث يقول: «نحن نكره كل السياسيين، فنحن نعتقد أنهم مسؤولون عن كل هذا الذي حدث».

* شاركت إيليني فارفتسيوتى في كتابة هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»