تحذيرات دولية من مخاطر تنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران.. وواشنطن لا تزال تدرس كافة الاحتمالات

دعوات لمزيد من العقوبات أو التخلي عن البرنامج النووي.. وطهران تتعهد بالرد في حال تعرضها للهجوم

صورة أرشيفية لمفاعل بوشهر النووي (إ.ب.أ)
TT

حذرت حكومات غربية، أمس، من مغبة تنفيذ أي هجوم عسكري على إيران، على خلفية برنامجها النووي الذي تعتقد دول غربية أنه ليس سلميا، وقالت روسيا إنه سيكون «خطأ فادحا لا يمكن التنبؤ بتبعاته»، بينما دعت ألمانيا لممارسة «مزيد من الضغوط على طهران»، وطالبتها فرنسا بالتخلي عن برنامجها النووي، عشية تسليم الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها في هذا الخصوص.. إلا أن إيران هددت بالرد في حال تعرضها لهجوم، في الوقت الذي لا تزال فيه واشنطن تدرس كل الخيارات المتاحة.

وتشير آراء عدد من الخبراء السياسيين إلى أن الخيار العسكري يجد قليلا من الحماس في واشنطن، وسط المشاكل الاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة والأزمة المالية التي تواجه القارة الأوروبية، إضافة إلى إعلان واشنطن رجوع قواتها من كل من العراق وأفغانستان. إلا أن المناقشات لا تزال دائرة داخل الدوائر السياسية الأميركية لدراسة كافة الخيارات المطروحة، ومنها الخيارات العسكرية أو الدبلوماسية المتمثلة في إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، وفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، أو منح إيران مهلة للرد على المخاوف الدولية وتقرير الوكالة الدولية للطاقة.

وعلى الرغم من دعم روسيا للعقوبات التي فرضها مجلس الأمن على إيران بسبب برنامجها النووي، فإن موسكو تعارض بشدة أي عمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية. وأجاب وزير الخارجية سيرغي لافروف عند سؤاله عن تقارير تشير إلى عزم إسرائيل شن هجوم عسكري على إيران، بقوله «سيكون خطأ فادحا لا يمكن التنبؤ بعواقبه»، موضحا أنه «لا يمكن تسوية القضية النووية الإيرانية عسكريا».

وتابع لافروف أنه «ليس ثمة حل عسكري للقضية النووية الإيرانية.. وما من حل عسكري لأي مشكلة أخرى في العالم المعاصر. ويتأكد لنا هذا كل يوم حين نرى كيف تسوى المشاكل في المنطقة المحيطة بإيران، سواء في العراق أو أفغانستان، أو ما يحدث في دول أخرى في المنطقة. لا يقود التدخل العسكري إلا لسقوط عدد أكبر بكثير من القتلى ولمعاناة إنسانية». وأكد لافروف ضرورة استئناف المحادثات بين بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا وإيران في أقرب وقت ممكن. بينما يقر مسؤولون أمنيون بارزون في روسيا بأن مخاوف الغرب تجاه البرنامج الإيراني مشروعة، ولكن موسكو تقول إنه ليس ثمة دليل دامغ على أن إيران تحاول تصنيع قنابل نووية. كما أن من شأن أي هجوم عسكري على إيران أن يقود على الأرجح إلى تدهور العلاقات بين الغرب وروسيا. وفي ذات السياق، قال المتحدث باسم الخارجية الألمانية أندرياس بيشكه، أمس: «إذا لم تف طهران بالتزاماتها بشأن الإفصاح عن حقيقة برنامجها النووي المثير للجدل، فإن ألمانيا تؤيد توسيع الضغط السياسي والدبلوماسي عليها». واصفا التقارير التي ذهبت إلى احتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية بأنها «تكهنات ترفض الحكومة الألمانية الخوض فيها». غير أن بيشكه رأى البرنامج النووي الإيراني مثار قلق كبير، وقال إن على طهران أن تثبت بشكل قابل للتصديق أنها ليست بصدد صناعة أسلحة نووية.

وتشير الصحافة الإسرائيلية منذ أسبوع إلى نقاش داخل الحكومة حول جدوى توجيه ضربات وقائية ضد منشآت نووية إيرانية. وحذر الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريز من احتمال شن هجوم عسكري على إيران «أقرب من الخيار الدبلوماسي».

ولم تخف واشنطن وحلفاؤها الغربيون نيتهم استخدام التقرير لتشديد عقوباتهم الفردية على إيران ومحاولة إقناع موسكو وبكين، اللتين كانتا متحفظتين حتى الآن، بتشديد العقوبات التي تبناها مجلس الأمن الدولي ضد إيران في أربعة قرارات منذ 2007.

إلا أن كثيرا من المحللين يتشككون في إمكانية فرض عقوبات أشد صرامة على طهران، نظرا لإحجام الصين وروسيا اللتين تتعاطفان تقليديا مع طهران، وتتمتعان بحق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن، عن فرض عقوبات على قطاع النفط والغاز الإيراني.

وقال دبلوماسي غربي كبير، طلب عدم ذكر اسمه، لوكالة «رويترز» الإخبارية: «سيكون من الصعب جدا اتخاذ خطوة جديدة كبيرة على صعيد العقوبات في قطاع النفط والغاز، إذا استهدف قطاع النفط والغاز فسوف تكون هناك بالطبع معارضة من جانب الصين على وجه الخصوص وأيضا من روسيا». وذلك نظرا لاعتماد الصين الكبير على صادرات النفط الإيرانية لتوفير احتياجات اقتصادها المتنامي.

كما يعتقد المحللون أن شن غارة على المنشآت النووية الإيرانية قد يستفز طهران للقيام بعمل انتقامي ضخم، من شأنه أن يعرقل حركة الملاحة في الخليج ويعوق وصول إمدادات النفط والغاز لأسواق التصدير.

من جهة أخرى، أعلن وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه أن فرنسا طلبت من إيران التخلي عن برنامجها النووي، عشية تسليم الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها في هذا الخصوص.. وقال في تصريح مقتضب صحافي «نعتبر أن على إيران التخلي عن البرنامج النووي الذي تطوره، وله أهداف عسكرية على الأرجح»، مضيفا: «علينا التحرك لتفادي عواقب قد تنجم عن تدخل عسكري».

وعوقبت إيران بالفعل بأربع جولات من عقوبات الأمم المتحدة بسبب المخاوف بشأن برنامجها النووي، الذي تقول طهران إنه «سلمي تماما»، بينما تضغط واشنطن من أجل إجراءات أكثر صرامة، كما حاولت روسيا الضغط على إيران لتكشف مزيدا من المعلومات بشأن نشاطها النووي لتهدئة المخاوف العالمية.

وعلى الجانب الآخر، هددت إيران الإسرائيليين والأميركيين بالرد في حال تعرضها لهجوم، مؤكدة نهجها المتشدد المعتاد في مواجهة الضغوط.. كما رفضت مسبقا الاتهامات الجديدة التي تستعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتوجيهها إليها بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.

وحذر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الولايات المتحدة وإسرائيل من أي هجوم محتمل على منشآت نووية إيرانية، مؤكدا في مقابلة مع صحيفة «الأخبار» المصرية أن طهران قادرة على الصمود في وجههم. وقال الرئيس الإيراني إن «إيران تزداد قدرة وتطورا، لذا استطاعت أن تدخل في طور المنافسة في العالم.. وبات الكيان الصهيوني والغرب - وتحديدا أميركا - يخشون قدرتها، لذا يحاولون حشد العالم لعملية عسكرية لإيقاف دورها».

وعلى الرغم من أن نجاد أوضح أن «إيران لا تمتلك قنبلة نووية، وإنما إسرائيل هي التي تمتلك ترسانة نووية قدرت بثلاثمائة رأس نووي.. فهي الشر الذي يشكل تهديدا للمنطقة بأسرها»، مؤكدا أن «كل ما تحرص عليه إيران هو الحصول على التقنية النووية لاستخدامها في الأغراض السلمية، وفقا لمعاهدة حظر الانتشار النووي التي وقعت عليها». إلا أنه حذر قائلا: «يجب أن يعلم المتغطرسون أن إيران لن تسمح لهم باتخاذ أي خطوة ضدها»، مضيفا: «الأميركيون يأملون ضرب إيران، ولكن لا يستطيعون.. ويجب على الجميع أن يعلم بأنه لم يحدث طوال التاريخ أن نجح أي عدو في مبتغاه ضد إيران».

وكان وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي قد قال الأسبوع الماضي، خلال زيارة إلى ليبيا، إن «إيران مستعدة للأسوأ»، محذرا واشنطن من «مواجهة مع إيران». كما أكد رئيس هيئة أركان القوات الإيرانية، الجنرال حسن فيروز أبادي، الأسبوع الماضي، مجددا أن «إيران ستعاقب إسرائيل في حال تعرضها لهجوم»، وأن «الولايات المتحدة تعلم أن أي هجوم للنظام الصهيوني على إيران سيلحق به أيضا أضرارا خطيرة». واستبقت طهران الاتهامات المرتقبة في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتأكيدها أنها تستند إلى وثائق «مزورة» معروفة من فترة طويلة، وسبق أن ردت عليها طهران بالتفاصيل، كما أعلن صالحي قبل ذلك. إلى ذلك، دعا رجل الدين الإيراني المحافظ البارز آية الله أحمد خاتمي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الياباني يوكيا أمانو إلى عدم التصرف «كأداة في أيدي الولايات المتحدة» ضد إيران. وقال خاتمي في خطبة عيد الأضحى: «إذا كان أمانو سيتصرف كأداة في أيدي الولايات المتحدة من دون إرادة، وسيعمل ضد الشعب الإيراني عبر نشر أكاذيب وتقديمها على أنها وثائق، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستفقد ما تبقى لديها من سمعة».