استمرار شكوك المصريين في تقارير للطب الشرعي رغم ثورة 25 يناير

مسؤول طبي لـ «الشرق الأوسط»: تشريح الجثث لا يخضع لضغوط الأمن

مقر الطب الشرعي بالقاهرة (الشرق الاوسط «
TT

قال مسؤول بمصلحة الطب الشرعي في مصر أمس لـ«الشرق الأوسط» إن تشريح الجثث المشتبه في تعرض أصحابها للتعذيب على يد الشرطة لا يخضع لضغوط الأمن. لكن شكوكا من جانب مصريين في تقارير المصلحة التابعة لوزارة العدل، ما زالت مستمرة رغم ثورة «25 يناير» التي كان من أسباب قيامها واقعة تخص التلاعب في تقرير من هذا النوع بحق شاب سكندري قتل العام الماضي يدعى خالد سعيد. وقبل أسبوعين تجددت قضية مماثلة لرجل يدعى عصام عطا ويتخوف نشطاء من التلاعب في سبب وفاته. وفي شارع جانبي يغطيه التراب، وبعد اجتياز حاجز أمني، تجد بابا حديديا رمادي اللون، يفصل بين عالم الحياة بصخبها العالي وعالم الموت بسكونه وصمته وجلاله.. ولكنه في كثير من الأحيان يفصل أيضا بين إظهار الحقيقة وطمسها للأبد عن طريق تقرير لا يتعدى غالبا الألف كلمة.. إنه باب مشرحة زينهم في القاهرة. وفي العامين الأخيرين أصبحت تقارير الطب الشرعي مثار شكوك خاصة تلك التي تتعلق بحالات وفاة لنشطاء حقوقيين أو سياسيين أو حتى مواطنين عاديين.

ولم ينكر الدكتور أشرف فرغلي، مساعد كبير الأطباء الشرعيين، الضغوط الأمنية التي يتعرض لها الأطباء الشرعيون أحيانا، ولكنه يوضح أنه «يتم تجاوزها ولا تتم الاستجابة لها (في كثير من الأحيان)»، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحد يمكنه أن يفرض وصاية على تقرير الطبيب الشرعي»، مشيرا إلى إصدار تقرير بحق ضابط في قسم الشرطة الذي يتبع المشرحة، أدى إلى سجنه، رغم أن أطباء المشرحة تربطهم به علاقة قوية بحكم العمل.

وقبل شهر قام الأطباء الشرعيون بإضراب عن العمل، مطالبين بتأمين عمل الأطباء وحمايتهم من قبل الجهات الأمنية أثناء تشريح الجثث وتعيين أطباء جدد بدار التشريح. وتتبع مشرحة زينهم مصلحة الطب الشرعي التي تأسست عام 1932 ويرأسها كبير الأطباء الشرعيين، وهي مصلحة تابعة لوزارة العدل في مصر. ويبلغ عدد الأطباء الشرعيين «الميدانيين» نحو مائة فقط في عموم مصر، ما يجعلهم تحت ضغط مستمر، خاصة في أوقات الحوادث والكوارث.

ويتعرض الطب الشرعي في مصر حاليا لهجوم كبير على خلفية اتهامات نشطاء بإصدار تقارير شرعية غير سليمة في حالات مقتل مواطنين بعد مزاعم بتعرضهم للتعذيب. ويقول نشطاء إن تقارير الطب الشرعي تحابي الشرطة في وقائع مختلفة كان أبرزها قضية سعيد الذي قتل على يد رجلي شرطة، وسبّب مقتله غضبا كبيرا تراكم حتى اندلاع الثورة المصرية التي أسقطت نظام الرئيس السابق حسني مبارك. وأعادت قضية مقتل عطا الجدل حول تقارير الطب الشرعي.

وتغلف جنبات المشرحة رائحة مادة الفورمالين القوية والنفاذة الخاصة بحفظ جثث الموتى، وبعد اجتياز ممر معتم يغطيه الغبار لا يتجاوز طوله عشرة أمتار، تتراص في غرفة كبيرة سيئة الإضاءة ثلاجات قديمة على الجانبين، تتسع كل منها لأربع جثث، إضافة للثلاجة الاحتياطية الكبيرة التي يحتفظ فيها بالجثث التي تبقى لفترات أطول بإجمالي 120 جثة في كامل المشرحة. ومن هنا تجد غرفتين للتشريح وغرفة لتجهيز الجثث قبل تسليم الجثث لأصحابها.

اللافت أن الدكتور الرفاعي، الذي خدم لعامين في مكتب الطبيب الشرعي الأميركي في واشنطن، يقول إن المشرحة التي أعيد بناؤها عام 1994 لا تطابق المواصفات الطبية والمعمارية في بناء المشارح النموذجية من حيث معايير النظافة والتجهيزات الطبية الحديثة.

وتعتمد جهات التحقيق بشكل أساسي على تقارير المشرحة لمعرفة أسباب الوفاة. ويقول نشطاء إن الحكم الديكتاتوري لمبارك الذي استمر ثلاثين عاما كان يعتمد تعذيب المشتبه فيهم سواء كانوا سياسيين معارضين أو مواطنين عاديين، وإن الشرطة كانت في كثير من الأحيان تمارس ضغوطا لتحرير تقارير تخلو من شبهة تعذيب المتهمين. وحين أصر ألوف النشطاء في الإسكندرية على إعادة تشريح جثة خالد سعيد، تبين أنه قتل بعد تعرضه للضرب، وليس بسبب ابتلاعه لفافة مخدرات، كما زعم أول تقرير للطب الشرعي حول الواقعة التي شغلت الرأي العام لأشهر.

ولجثة الميت، كما هو مفترض في أي مكان في العالم، حرمة خاصة. وإذا كان جسده ممدا وحده بين أيدي خبراء المشرحة، فإن مسؤولية حماية هذا الجسد الميت تكون كبيرة. وعلى حائط في ممر جانبي للمشرحة الواقعة في ضاحية زينهم بقلب القاهرة، كُتب بخط أسود مائل «اتق الله.. الجثة أمانة»، لكن الكثير من الحالات الجنائية التي عرضت في المشرحة خرجت بتقارير طبية، يزعم الأهالي ونشطاء أنها مزورة، تفيد بأن الوفاة كانت بسبب «هبوط حاد في الدورة الدموية وتوقف القلب»، وهو ما يؤدي لانتفاء شبهات التعذيب.

وتقبل المشرحة بحضور ممثلين عن القاتل والقتيل عملية التشريح. لكن المواطنين العاديين لا يمكنهم معرفة كيف تسير الأمور، ووجودهم يهدف عادة للاطمئنان على عدم سرقة أعضاء من الجثة. وأوضح الرفاعي أن الأصل في التشريح أن يتم في وجود أهل القتيل كشاهد على التشريح، بالإضافة لأهل القاتل، في حال معرفته، للتأكد من الشفافية، كما أضاف أنه من الواجب؛ لكنه لا يحدث في الغالب، القيام بالتصوير التشريحي قبل وبعد التشريح، وهو ما ينفي برأيه مزاعم تزوير التقارير الطبية.