أين ذهبت النساء في إسرائيل؟

الفصل بين الجنسين يزداد انتشارا.. وشركات الإعلان تغير أساليبها

مجموعة من اليهود الأرثوذوكس في جنازة الرابي ناتان زفي فنكل في ضاحية مئا شعاريم في القدس (رويترز)
TT

باتت الملصقات التي تحمل صورا لسيدات عملة نادرة في شوارع القدس. يتم تخصيص أرصفة وحافلات وعيادات للسيدات في بعض المناطق. ويفكر الجيش في تغيير مهام بعض المجندات لعدم رغبة مجندين متدينين العمل معهن. هذا هو الواقع الجديد في بعض المناطق في إسرائيل في القرن الحادي والعشرين، حيث يحاول الأحبار المتشددون منع اختراق القيم العلمانية لمحيطهم من خلال الاستجابة العنيفة للاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة.

وفي تقرير لها من القدس، قالت وكالة أسوشييتد برس، إن المساواة بين الجنسين في إسرائيل، تبدو واضحة على السطح، حيث تولت غولدا مائير رئاسة الوزراء في وقت من الأوقات، وتحظى تسيبي ليفني بموقع بارز في صفوف المعارضة حاليا، وتشتهر إسرائيل بوجود مجندات بين صفوف الجيش الإسرائيلي. لكن الواقع ليس مشرقا إلى هذا الحد، فقد أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخرا صورة غير إيجابية عما تجنيه النساء من مال في إسرائيل بحسب بيانات عام 2009، وهو العام الذي تم إصدار فيه أحدث البيانات حتى الآن، حيث تجني النساء في إسرائيل ثلثي ما يجنيه الرجال. يبدو الفصل الذي فرض مؤخرا أكثر وضوحا في القدس، حيث يتواجد اليهود المتشددون الذين يتزايد عددهم ونفوذهم يوما تلو الآخر. وبدأت هذه الظاهرة تنتشر في أماكن أخرى، رغم أن أكثر اليهود في تل أبيب علمانيون ونمط الحياة بها يشبه النمط الغربي.

مع ذلك يشعر اليهود العلمانيون هناك وفي أماكن أخرى بالقلق من استهداف أسلوب حياتهم أيضا لتزايد عدد اليهود الملتزمين دينيا. ونظرا لتزايد معدل المواليد الذي يبلغ 7 أطفال لكل أسرة، من المتوقع أن يرتفع عدد هؤلاء اليهود من 9% إلى 15% بحلول عام 2025.

رغم صعوبة التصنيف، يقدر عدد اليهود العصريين بربع عدد سكان إسرائيل البالغ 6 ملايين نسمة، بينما يمثل اليهود التقليديون ربعا آخر، والباقي علمانيون.

بعيدا عن الأرقام، يتمتع اليهود المتزمتون بنفوذ متباين في النظام السياسي المتمزق. وتقول حنا كيهات، مؤسسة منتدى كوليتش للسيدات المتدينات: «كلما زادت قوة اليهود الملتزمين دينيا، زادت قدرتهم على فرض قواعدهم، وهي فصل المرأة والتمييز ضدها».

وقالت أسوشييتد برس، كثيرا ما أظهر اليهود المتشددون حول العالم امتعاضهم من الاختلاط بين الجنسين في مجتمعاتهم، لكن محاولة فرض الالتزام بالمحرمات في الأماكن العامة، أمر غير معتاد في المجتمع الإسرائيلي. وبدأ المتشددون اليهود، الذين يعرفون بملابسهم السوداء والضفائر الطويلة المتدلية على جانبي الوجه، تجربة الفصل بين الجنسين منذ سنوات، عندما بدأوا يأمرون النساء في بعض خطوط الحافلات بالجلوس في مؤخرة الحافلات التي تمر في أحيائهم. وتم الطعن ضد هذه الطريقة، التي اتبعت في بعض أحياء المتشددين في الولايات المتحدة، في المحكمة العليا في إسرائيل. وتقول كيهات إن شكاوى النساء من هذه الممارسات قد تراجعت. ولم يتم تطبيق هذه الطريقة في أغلب خطوط الحافلات في إسرائيل من قبل.

لكن لم تكن الحافلات هي نهاية المطاف في رحلة الفصل بين الجنسين، حيث امتد الأمر إلى بعض محال السوبر ماركت في الأحياء التي يسكنها متشددون، والتي كانت تأمر السيدات في يوم من الأيام بارتداء ملابس محتشمة عبارة عن بلوزات بأكمام طويلة وتنورات طويلة، حيث خصصت ساعات للسيدات وساعات أخرى للرجال، وهو ما تم تطبيقه في بعض أحياء المتشددين في الولايات المتحدة ولكن في العيادات، حيث تم تخصيص أبواب لدخول السيدات وحجرات انتظار لهن بعيدة عن الرجال. ويقول ميني شوارتز غيرا، صحافي متشدد، إن الاحتشام من أركان العقيدة اليهودية، وينظر إليه خطأ على أنه تحقير من شأن النساء. يمكن للذين يكرهون هذا التوجه ارتياد متاجر لا تكون بها ساعات مخصصة للسيدات. وأوضح قائلا: «ليس الهدف هو إهانة النساء». ورفضت المحكمة العليا في إسرائيل هذا التوجه. حيث أصدرت الشهر الماضي حكما بإزالة الحواجز التي شيدت في حي مئا شعاريم في القدس الذي يسكنه متشددون يهود، من أجل منع الرجال والنساء من السير على رصيف واحد أثناء أداء إحدى الشعائر التي تجذب عشرات الآلاف في شوارع ضيقة.

ونقل عن رئيس المحكمة العليا، دوريت بينيسك، قوله: «بدأ الفصل بين الجنسين بالحافلات واستمر في السوبر ماركت ووصل إلى الشوارع. إنه لا ينتهي، بل على العكس يزداد». وطرد عمدة القدس العلماني، نير بركات، المرأة التي أقامت الدعوى القضائية، وهي عضو في المجلس البلدي لمدينة القدس وهي امرأة يهودية متدينة. وقال بركات الذي تعهد بعد توليه المنصب، بالحد من نفوذ اليهود المتشددين الذين يمثلون ثلث سكان المدينة الذي يبلغ عددهم 750 ألف نسمة، إنه طرد راشيل أزاريا لأنها أقامت دعوى قضائية ضد المجلس البلدي للمدينة لا لتصديها لليهود المتشددين في المحكمة. وكان يغطي المعلنون لسنوات صور العارضات على اللافتات الإعلانية في القدس. وكان اليهود المتزمتون يشوهون هذه الإعلانات ويقاطعون السلع التي تقدمها شركات يستنكرون مبادئها.

لقد تجاوزت هذه الرقابة مؤخرا العري، حيث غابت صور النساء عن اللافتات الإعلانية تماما أو تمت الإشارة إليهن، كما فعلت شركة ملابس عندما عرضت صورا لظهر وذراع وحقيبة. وخلال فصل الصيف، افتتحت القدس خط قطار طال انتظاره وعلى أبوابه حملة إعلانية ضخمة. وقد أشيد بهذا الخط باعتباره من عجائب تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين، لكن غابت وجوه السيدات عن الملصقات المعلقة على جانبيه. وعزى المعلنون ذلك إلى ضغط المتشددين اليهود. وتمادت محطة إذاعية خاصة، حيث منعت بث أغان لمغنيات ومقابلات أجريت مع سيدات.