الحجاج العراقيون.. برلمانيون يؤدون الفريضة في رخاء ومواطنون عاديون يتذمرون

حاج من عامة الناس يتساءل عما إذا كان السياسيون سيلقون نفس المعاملة في يوم الحساب

عراقي يودع أفراد أسرته قبل أن يستقل حافلة في بغداد في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج (أ.ب)
TT

تعد شعائر فريضة الحج لحظة من لحظات المساواة أمام الله، عز وجل، حيث يحتشد ملايين المسلمين في بيت الله الحرام طلبا للمغفرة، ولكن في حالة الحجاج العراقيين هناك تفرقة ولا مساواة، فهناك خيام مخصصة لكبار الشخصيات والنواب والسياسيين العراقيين بأثوابهم البيضاء الفاخرة، مفروشة بالسجاد الأحمر وتحوي أجهزة تكييف، كما توجد سلال مملوءة بالفاكهة وموضوعة على طاولات طويلة، في حين تمتلئ ثلاجتان بالماء البارد والمشروبات الغازية، ونصبت هذه الخيام المريحة بجوار جسر الجمرات.

وهناك تناقض صارخ بين تلك الخيام وبين المخيم الذي يسكنه المواطنون العراقيون العاديون على بعد عدة أميال، حيث يحتشد الحجاج في خيام رديئة، ويتعين عليهم السير على الأقدام لساعات في لهيب الشمس الحارقة حتى يتمكنوا من الوصول إلى الأماكن التي يؤدون فيها الشعائر.

وعن ذلك يقول عباس عبد علي، من سكان بغداد ويبلغ من العمر 60 عاما: «يقيم المسؤولون في أفضل الأماكن ويتمتعون بأفضل الخدمات، في الوقت الذي نعاني فيه نحن هنا. هل سيحظى هؤلاء المسؤولون بنفس المعاملة يوم القيامة؟ إن الله لا يفرق بين عبد وآخر، ولا يولي المسؤولين والأغنياء مزيدا من الاهتمام».

ويحظى السياسيون العراقيون بمعاملة خاصة في الحصول على الفرص الثمينة والمحدودة لتأدية فريضة الحج، في حين يتعين على العراقيين الآخرين أن ينتظروا القرعة، وربما يتعين عليهم الانتظار لسنوات طويلة حتى يحصلوا على فرصة السفر إلى الديار المقدسة وتأدية فريضة الحج، بينما يستطيع أعضاء البرلمان أو الحكومة السفر في أي موسم لتأدية تلك الفريضة دون الخضوع لنظام القرعة.

وقال قاسم ناصر، الذي حصل مؤخرا على فرصة تأدية تلك الفريضة بعد أن خصص العراق عددا من التذاكر لبعض السجناء السياسيين السابقين: «إنهم يأخذون حق العراقيين الآخرين الذين يحدوهم الأمل لتأدية تلك الفريضة». وقد أمضى ناصر 10 سنوات في السجن في ظل نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وبسبب الإقبال الكبير من جميع أنحاء العالم على تأدية فريضة الحج، تخصص السعودية حصة لكل دولة، بما يتناسب مع عدد السكان، وهو ما يعني أن الطلب يفوق العرض بكثير في معظم البلدان، ولذا تتبع الحكومات العربية وغيرها نظام القرعة لتحديد من سيذهب لتأدية الفريضة، ومن الجدير بالذكر أن العدد المخصص للعراق يبلغ نحو 33.000 فرد، ولكن يسمح للسياسيين بالذهاب لتأدية الفريضة دون الخضوع للقرعة.

وحتى هذا العام، سافر أكثر من نصف أعضاء البرلمان العراقي المؤلف من 325 عضوا إلى الديار المقدسة عن طريق هيئة الحج والعمرة التي تراقب عملية اختيار من سيؤدي الفريضة. وصرح مسؤول بارز في اللجنة بأن عدد أعضاء البرلمان الذين أدوا الفريضة وصل إلى 192 عضوا، وأضاف أن ما يقرب من 600 مسؤول في الحكومة أو أسرهم قد أدوا الفريضة من دون الخضوع للقرعة أيضا.

وفي حوار مع وكالة أسوشييتد برس في مكتبه، قال المسؤول: «نعم، إنه أمر محرج بالنسبة لنا، ولكن ما الذي يمكننا القيام به أو قوله؟ إننا نخضع لضغوط هائلة من هذه الأطراف»، وتحدث المسؤول شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية المسألة.

وهدد رئيس الهيئة، محمد تقي المولى، بالاستقالة من منصبه في وقت سابق من العام الحالي؛ لأنه يتعرض لضغوط لكي يعطي الـ6.000 تذكرة الإضافية التي أهدتها السعودية للعراق إلى الكتل السياسية وليس لعامة الشعب.

وقال طلال الزوبعي، وهو عضو في البرلمان العراقي: «يتعين على أعضاء البرلمان التفكير في القوانين المتأخرة بدلا من الذهاب إلى الحج، إذا كان الجميع يريدون الذهاب إلى الحج، فمن أين تأتي كل قضايا الفساد في البلاد؟ ينبغي أن نكون الدولة الأقل فسادا في العالم إذا ما نظرنا إلى كل هذا العدد الذي يريد الذهاب للحج». ومن الجدير بالذكر أن منظمة الشفافية الدولية قد وضعت العراق في المركز رقم 175 ضمن 178 في الدول الأكثر فسادا في العالم.

ودافع أحد النواب العراقيين الذين قاموا بتأدية فريضة الحج عن حقه في ذلك، قائلا: «يقوم أعضاء البرلمان بعمل شاق، وغالبا ما يكون هذا العمل في الليل، كما أنهم يُعدون هدفا للإرهابيين، ثم إنهم يذهبون للحج على نفقتهم الخاصة»، وتحدث العضو شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب الجدل الدائر حول المشرعين.

ويتعين على كثير من العراقيين إيجاد حل لحقيقة أن المشرعين يتمتعون بأفضلية في تأدية فريضة الحج، في الوقت الذي يواجه فيه العراق كثيرا من التحديات التي تهدد مستقبله، وهو ما يعطي انطباعا سيئا عن هؤلاء المشرعين.

وقد وضع أبو عبد الله العبيدي اسمه في القرعة في عام 2008، ومن المقرر أن يذهب لتأدية فريضة الحد العام المقبل مع زوجته للمرة الأولى، وقال إن المسؤولين الحكوميين ينبغي أن يعملوا على خدمة الشعب، ولكنهم يقومون بدلا من ذلك بالاستفادة من الأشياء المخصصة للشعب، وأضاف: «إنهم لا يهتمون بمصالح البلاد؛ لأنهم يعطون أولوية قصوى لمصالحهم الشخصية».