الشارع الكردي لا يبالي بأزمة الحدود مع دول الجوار

مواطن لـ «الشرق الأوسط» : يستنزفون أموالنا بتجارتهم.. ويقصفوننا بطائراتهم ومدافعهم

TT

اعتاد الأكراد على سماع دوي المدافع وأزيز الطائرات منذ أن تسلط عليهم النظام العراقي السابق الذي أحرق ودمر أكثر من أربعة آلاف قرية ومدينة كردية، وضرب بعضها بالأسلحة الكيماوية، وشن حربا ضروسا ضدهم طوال أكثر من ثلاثة عقود، لذلك حينما اشتعلت مناطق الحدود باشتباكات مقاتلي حزب العمال الكردستاني مع تركيا من جهة، واشتباكات الجبهة الإيرانية بين مقاتلي حزب الحياة الحرة (بيجاك) والجيش الإيراني من جهة أخرى، لم يبال الأكراد لا بما يجري هناك من مواجهات عسكرية عنيفة، ولا بالتهديدات التي أطلقتها كل من إيران وتركيا باجتياح أراضي كردستان العراق، وكما يقول المواطن جودت كريم (58 سنة) «لقد اعتدنا، بل مللنا، سماع التهديدات الجوفاء التركية بغزو أراضي كردستان، وتلك التهديدات هي للاستهلاك المحلي والإعلامي داخل تركيا، وإلا فإن الجيش التركي يدخل إلى أراضي كردستان منذ الثمانينات، حتى في عهد نظام صدام كانت هناك اتفاقية تجيز لتركيا دخول أراضي كردستان، وماذا كانت الحصيلة، صفرا على الشمال، فالحزب الكردستاني ما زال موجودا.. والعمليات العسكرية التركية ما زالت تتواصل منذ تلك الفترة ولحد الآن دون تحقيق أي نتيجة».

ويقول كاروخ محمد، تاجر أجهزة كهربائية في سوق «نيشتمان» بأربيل، إن «إيران وتركيا تتاجران مع كردستان بمليارات الدولارات، وتتحكمان اليوم في رقابنا من خلال السيطرة على الأسواق المحلية بسلعهما الغذائية والتجارية، أصبح قوتنا اليومي تحت أيديهما، وهما تستنزفان مليارات الدولارات من أموالنا، لكنهما لا تستحيان من إرسال طائراتهما ومدافعهما لقصف إخواننا من سكان الحدود، فمثل هؤلاء الناس لا يراعون حتى مصالحهم التجارية والاقتصادية مع كردستان، ويتعاملون معها بتعال وغرور، مع العلم بأن حجم الصادرات التركية والإيرانية كما يقال يفوق عشرة مليارات دولار، وهذا مبلغ قد لا يأتيهم من علاقاتهم التجارية مع الكثير من بلدان العالم».

ويرى سامان، وهو عامل في أحد المطاعم، أنه ينبغي على قيادة كردستان أن تصدر أمرا بمقاطعة البضائع الإيرانية والتركية لوقف اعتداءات البلدين المستمرة على أراضي الإقليم، ويقول «أضم صوتي إلى كل من طالب ويطالب بمقاطعة تلك السلع لتكف الدولتان عن قصف قرانا ومناطقنا الحدودية».

وفي ظل تدهور الأوضاع الأمنية في أي منطقة، لا بد أن تتأثر حركة السوق جراء حالة عدم الاستقرار، ولكن بسبب استمرارية هذا الوضع على حدود كردستان منذ فترة طويلة، فقد اعتادت عليها الأسواق المحلية بكردستان، ولم تعد تتأثر بدرجة كبيرة بما يجري على الحدود، ويقول أحمد أبو بكر الذي يملك مكتبا للعقارات «لا تأثير مباشرا على الحركة فهي متواصلة، قد تتأثر بالوضع الداخلي أكثر من الوضع الإقليمي الذي أصبح معتادا لنا، فعلى سبيل المثال تأثرت الحركة بعد إطلاق السلف العقارية وسلف الزواج ومنح القروض من حكومة الإقليم، وكذلك الانتعاش الاقتصادي، هذه الأمور أسهمت بمجملها في انتعاش عمليات البيع والشراء للعقارات والتي سجلت ارتفاعا كبيرا في الأسعار خلال الفترة الأخيرة».

ويقول زرار صابر «في حالة واحدة تؤثر أحداث الحدود على وضع السوق الداخلية في كردستان، إذا دخلت قوات البيشمركة لا سمح الله في القتال ضد تركيا أو إيران، أو حتى ضد العمال الكردستاني أو بيجاك، لكن قيادة كردستان أكدت مرارا أنها لن تخوض قتالا كرديا كرديا رغم الضغوط الكبيرة من تركيا وإيران، ونحن مطمئنون، ولا نخاف من تهديدات دول الجوار».

وفي الوقت الذي يستمر فيه التوتر على الحدود المشتركة مع إيران وتركيا، فإن المصادر الحكومية بمنفذ حاج عمران الحدودي الذي يربط بين إيران وكردستان أكدت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن التجارة مع إيران «لم تتأثر مطلقا رغم أن التوترات شملت مناطق قريبة جدا من ذلك المنفذ الحدودي، بل إن مناطق قريبة من خطوط نقل الشاحنات قد قصفت بالمدافع الإيرانية». وبحسب مغديد أحمد، مدير ناحية حاج عمران، فإن «الحركة التجارية لم تتأثر بالوضع المتدهور على الحدود إلا بدرجة نسبية، وانتهى ذلك بعد فترة وجيزة، لأن التجار والسائقين اعتادوا على هذا الوضع، واليوم الحركة تسير بانسيابية تامة». من جهته، أشار مسعود أحمد، مدير مجمع حاج عمران الحدودي، إلى أن «هناك حرصا من الجانبين على عدم تأثر الحركة التجارية بأزمة الحدود، لأن إقليم كردستان يعتمد كثيرا على تدفق المواد والسلع التجارية الإيرانية التي تنقل يوميا عبر مئات الشاحنات إلى مدن كردستان».

ويتحدث المسؤولون الأكراد عن حجم الصادرات الإيرانية بما يفوق أربعة مليارات دولار سنويا، والرقم آخذ في التصاعد، خاصة أن المواد والسلع الإيرانية تعتبر رخيصة قياسا إلى المواد المستوردة من دول المنشأ الأوروبية، والتي تأتي معظمها من المعبر التركي على الحدود مع زاخو بمحافظة دهوك، وهي بدورها لم تتأثر بالوضع الأمني المتأزم أكثر من الحدود الإيرانية، حيث إن معظم المناوشات بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي تجري قرب الحدود المشتركة هناك.