الصين: خطط للنهوض بالثقافة تصطدم بعائق الرقابة

مبدعون صينيون مستاؤون من منع أعمالهم: التحكم في الفن لا ينتج فنا جيدا

معرض فني أقيم في ضاحية سونغ تشوانغ ببكين الشهر الحالي (نيويورك تايمز)
TT

اجتمع قادة الحزب الشيوعي، خلال الشهر الماضي، هنا في بكين، للإعلان عن بدء الجهود الوطنية لجعل الصين مركزا ثقافيا مهما، ليكون حجم التأثير الإبداعي للأمة الصينية مساويا لحجم قوتها الاقتصادية. وذكرت صحيفة «الشعب اليومية»، الصحيفة الرسمية للحزب، على صفحتها الأولى: «لا تستطيع أمة من الأمم أن تحتل مكانها بين القوى العظمى من دون أن يكون هناك ثراء روحي لشعبها، ونتاج إبداعي بلا قيود لأفراد تلك الأمة».

ولكن كيف يمكن تحقيق هذا الهدف مع ما حدث للفنان الصيني يوي لوبينغ؟! فقد قام يوي الشهر الماضي، وهو فنان محترف يمارس عمله منذ أكثر من 10 أعوام، بتجهيز أعماله الفنية لعرضها في معرض في منطقة شونيي بشمال بكين، عندما قام المسؤولون الحكوميون وضباط الشرطة بإلغاء المعرض على نحو مفاجئ.

ووفقا لما قاله يوي، قام عملاء من مكتب الأمن العام المحلي باستجوابه في اليوم التالي بشأن أحد أعماله الفنية، وهو عبارة عن مجموعة من حبات الفلفل تم ترتيبها في شكل أرقام، حيث كان ضباط الأمن قد قاموا بتصوير العمل الفني بالفعل ودراسته لمدة ليلة كاملة، واستشارة خبراء التشفير لمعرفة محتوى الرسالة التي يتضمنها. واكتشفوا في نهاية المطاف أن الأرقام كانت عبارة عن خمس جمل مكتوبة بنظام الترميز الحاسوبي الموحد (يونيكود)، كانت الرقابة الصينية قد منعت ظهورها في نتائج محركات البحث على الإنترنت، حيث كان يوي قد استخدم حبوب الفلفل اللذعة كنوع من الكناية عن حساسية الناس غير المبررة من الكلمات العادية.

وقال يوي (36 عاما)، في مقابلة أجراها الأسبوع الماضي: «إنه أمر مثير للسخرية إلى حد كبير، فهم يريدون من ناحية دعم التنمية الثقافية، بينما يقومون من ناحية أخرى بإلغاء المعرض».

وعلى الرغم من أن وصف ما حدث بأنه أمر يدعو للسخرية قد يكون وصفا مناسبا، فإن مقارنته بصيغة إعلان الحزب عن الثقافة، التي وردت في تقرير الجلسة السنوية الكاملة للجنة المركزية التي عقدت في الشهر الماضي، والصادر في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي – تبرز وجود تناقض كبير، كما يقول بعض المحللين، فهم يقولون بدلا من ذلك إن نهج القادة الصينيين لبناء ثقافة عالمية لا يختلف كثيرا عن النهج الذي أدى لحدوث المعجزة الاقتصادية الصينية، والذي يقوم على أساس تحديد هدف على المدى الطويل، واعتماد مواصفات صارمة، وإنفاق مقادير كبيرة من المال العام، والمراقبة عن كثب لضمان تحقيق النتيجة المرجوة.

وفي هذه الحالة، كما ذكر التقرير مرارا، سيكون الغرض من المواصفات الصارمة، التمسك بـ«القيم الأساسية الاشتراكية» في الأنشطة الثقافية، وستكون النتيجة المرجوة هي «جعل الصين قوة عظمى للثقافة الاشتراكية». والهدف من الرقابة عن كثب هو الحد من تأثير فنانين مثل يوي، ويو غانرونغ، وهو رسام ومصور تم منع أعماله الفنية قبل أسبوعين – التي تدور حول العرائض التي يكتبها سنويا الآلاف من الصينيين العاديين الذين يتم تجاهل مظالمهم من قبل الحكومة - من العرض في ضاحية سونغ تشوانغ ببكين، التي تعد بمثابة مستعمرة للفنانين.

وقد رفض يوي إجراء مقابلة معه، لكن صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست»، الصادرة في هونغ كونغ، نقلت عن رسالة مدونة مصغرة، تم حذفها منذ ذلك الحين، ما كتبه فيها يوي من أن مسؤولين في معرض «سونغ تشوانغ» قد أبلغوه بأن «الوضع متوتر هذا العام، ولذا لن يتم السماح بعرض أي مواضيع حساسة».

وقال تشانغ مينغ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة رنمين الصينية، إن مثل هذه الحكايات تبين أنه لا يوجد شيء ساخر حول الرقابة الحالية الموجودة في الصين، وأضاف: «لدى الحكومة ثقة مفرطة في قدرتها على التحكم في الفن، فهم يعتقدون أنهم إذا قاموا بتوفير المال اللازم وإعطاء القيمة التي ينبغي التوجه نحوها، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إنتاج فن جيد. وهذا ليس مستغربا على الإطلاق، لأنهم لم يجربوا من قبل إطلاق حرية التعبير».

وفي هذا الإطار يغيب عن الزعماء الصينيين فكرة أن الثقافات العظيمة – سواء كانت في مجال العلوم، أو الرسم، أو الصحافة - تعتمد على قدرات الناس على بلوغ أقصى حدود الإبداع، بغض النظر عمن قد يغضب من جراء ذلك.

وهناك الكثير من الأدلة التي تدعم هذا الرأي، والتي تشمل القبض على الفنان الصيني المنشق والمعروف دوليا، آي ويوي، في أبريل (نيسان) الماضي، ومصادرة أعمال أدبية مثل رواية «السنوات السمان»، التي يعرض فيها مؤلفها، تشان كونتشانك، صورة قاتمة عن هيمنة الصين على العالم في المستقبل.

وتصف الكثير من التقارير المعتمدة رسميا الثقافة الصينية بأنها نوع من مسابقات المجموع الصفري مع منافسيها، فقد وصفت وكالة أنباء «شينخوا» الرسمية في تقرير لها، التحدي الثقافي، الشهر الماضي بأنه «مسابقة ثقافية دولية»، حيث تعد السيطرة على الساحة العالمية مجرد عقبة أخرى من العقبات التي ينبغي التغلب عليها في ماراثون الوصول للعظمة الثقافية العالمية.

وقد اشتكى هذا التقرير من أن «الشركات الثقافية الصينية لم تصنع حتى الآن علامة تجارية عالمية في مجال الإنتاج الثقافي»، حيث عرض التقرير سلسلة من أوجه القصور، التي تمثلت في حجم التصدير الضئيل المحرج للبرامج التلفزيونية الصينية، وأن عدد الأعمال الأدبية التي تنشرها دور النشر الصينية لا يقترب ولو قليلا من حجم الإنتاج الثقافي لشركة إعلامية ألمانية مثل شركة «برتلسمان».

ومن أكثر الأشياء المحرجة أن فيلم الرسوم المتحركة «مولان» الذي تم إنتاجه عام 1988، وهو فيلم البطلة الأساسية فيه صينية، قد أنتجته استوديوهات «والت ديزني» في كاليفورنيا، حيث ذكر التقرير أن «الصين لم تنتج حتى الآن فيلم رسوم متحركة يحقق مثل هذا النجاح الدولي».

وهناك وجهة نظر بديلة يطرحها تقرير الحزب عن الثقافة، الذي صدر الشهر الماضي، وهي وجهة نظر توحي بموقف رسمي أقل صرامة، حيث تشير وجهة النظر هذه إلى مقتطفات أخرى من التقرير يتصدرها، للمفارقة الغريبة، تصريح شهير لماو تسي تونغ، زعيم الثورة الثقافية التي أغرقت الصين في سنوات من القمع والعذاب. وكان ماو قد ألقى في عام 1956 خطابا شهيرا دعا فيه الصينيين العاديين للتحدث عن احتياجاتهم، قائلا: «اتركوا مئات المدارس الفكرية تتنافس معا كأنها مائة زهرة تتفتح».

وقد كرر التقرير هذه الكلمات حرفيا، مشيرا إليها على أنها مبدأ توجيهي هام للتنمية الثقافية في الصين، وتدعو الفقرات الأخرى في التقرير إلى «الانفتاح والإصلاح» في التنمية الثقافية في الصين، حاملة أصداء النهج الاقتصادي لبقية العالم الذي حفز نمو الصين على مدى العقدين الماضيين، وقال ليانغ ياوشينغ، وهو مؤلف وعضو معين من قبل الحكومة في الهيئة التشريعية الاستشارية في الصين، الأسبوع الماضي، إن بيان ماو وغيره من الفقرات الواردة في التقرير هي عبارة عن دعوة صامتة لمزيد من الحرية الفنية، على الأقل على المدى الطويل. وأضاف: «لن يتم تنفيذ هذه السياسة بسرعة في الصين؛ لأن الذين ينفذونها بحاجة إلى استيعاب وفهم العملية».

ويولي الناس هنا التاريخ اهتماما كبيرا، حيث كانت حملة الزهور المائة التي أعلنها ماو حملة كارثية، فقد ندد المثقفون، عندما أصبحت لديهم الحرية لقول ما يريدونه، بالقمع الحكومي وعدم الكفاءة الحكومية، مما جعل قادة الحزب يسارعون بشن حملة قمعية على حرية التعبير، وقد لا يكون غائبا عن مجتمع المبدعين أن ماو سرعان ما استبدل حملة المائة زهرة بحركة مناهضة لليمينيين، حيث تم تجريد مئات الآلاف من المفكرين من وظائفهم، وإرسال الكثير منهم إلى معسكرات العمل، وقد قال ماو فيما بعد إنه كان يسعى إلى استدراج الثعابين من أوكارها ليقطع رؤوسها، والحرية والقمع في الصين.

فقد قام الطلاب أصحاب التفكير الحر بمظاهرات حاشدة في ميدان تيانانمين، وأدى هذا بدوره إلى إثارة حملة قمعية جديدة ما زالت مستمرة حتى اليوم، وهو ما يمكن أن يفسر إحدى المفارقات الحقيقية، التي تمثلت في تظاهر بعض الفنانين الذين نظموا معرضي «شونيي» و«سونغ تشوانغ»، بأنه لم يتم فرض رقابة على زملائهم على الإطلاق، إذ يبدو أن بعض الفنانين ليست لديهم الرغبة في الدخول في مشكلات مع الحكومة، بغض النظر عن تطبيق أو عدم تطبيق مبادئ حرية التعبير.

*شارك شي دا وإيدي يين في كتابة هذا التقرير

*خدمة «نيويورك تايمز»